ما هو سر جبروت الباعة الجائلين، الذين لم يعودوا جائلين.. بل متواجدون رغم أى سلطة وكل سلطة بل إنهم - بعد أن كان نشاطهم مقصورًا على مناطق بعينها - أصبحوا فى كل مكان فى المدن الكبرى والصغرى على حد سواء.. حقًا ما هو سر قوتهم؟ هل هناك - فى السلطة - من يدعمهم ويساندهم.. بل ويخطرهم مسبقًا بأى حملات لمواجهتهم.. ليستعدوا.. أى هل لهم مرشدون داخل دهاليز الحكم المحلى وأيضا فى مديريات الأمن.. أم أن السلطة نفسها تغازلهم وتساندهم.. لغرض فى نفس يعقوب.. ايه الحكاية؟! كانوا يتحركون - فى البداية - على استحياء كانوا ينزلون إلى بعض الشوارع بعد أن تغلق المحلات أبوابها.. أو أيام الاجازات الأسبوعية والرسمية.. وكانوا يطلقون سيقانهم للريح حاملين بضاعتهم بمجرد أن تلوح فى الأفق سيارات حملات الحى.. ثم سرعان ما يعودون.. الآن تغيرت الصورة. احتلوا الأرصفة.. ثم أتبعوها بالنزول إلى نهر الشارع.. حتى كادوا يغلقونها والجدع يحاول تحريكهم منها ولو إلى.. الأرصفة فقط!! واعترف بأنه كانت هناك محاولات لتنظيم هؤلاء الباعة وتحديد مناطق يمكن أن يستقروا بها.. وحاول محافظ القاهرة أسامة كمال تثبيتهم فى بعض المواقع. أى بإنشاء سويقات شعبية لهم فى بعض المناطق.. وكان هناك أكثر من موقع.. البعض - ومنهم نائب المحافظ - حاول تثبيتهم فى مساحة داخل حديقة الأزبكية، وتصديت لهذه المحاولة حتى لا تتحول الحديقة التاريخية إلى سويقة.. واستجاب المحافظ مشكورًا لما أبديته هنا، وأوقف هذه الفكرة.. هى وغيرها من مواقع فى بولاق أبوالعلا بجوار متحف المركبات الملكية.. بعد أن احتل الباعة شارع 26 يوليو وبالذات من منطقة بولاق أبوالعلا وحتى منطقة الاسعاف أى تحت هذا الجزء الحيوى من كوبرى محور 15 مايو وتمكن الباعة من القضاء تمامًا على نشاط المحلات التاريخية على امتداد هذا الشارع. والقضية أن الباعة - بعد أن تحولوا من جائلين إلى دائمين - يفضلون المناطق الشعبية وتلك التى يكثر فيها تحرك الناس. وبالتالى سوف يرفضون نقلهم إلى أى مكان آخر منظم وتتواجد فيه الخدمات. وهذا ما فعله الخديو إسماعيل عندما هدم المقابر والغرز والمقاهى شرق ميدان العتبة عند مطلع شارع الأزهر وشارع القلعة وشارع عبدالعزيز وأنشأ سوقًا عصرية - مثل تلك التى رآها فى باريس عندما كان يدرس بها وهو شاب.. وتم تزويد السوق بالمياه والغاز والصرف بل وانشأ فوقها غرفًا لنوم الباعة.. وهو السوق الذى نراه الآن مازال قائمًا.. ثم ألغى كل السويقات التى كانت موجودة بالمنطقة.. وجعل لكل نوع موحد من السلع مكانا فى هذه السوق.. ثم تكررت نفس التجربة بعد ذلك فى منطقة باب اللوق.. ولكن - زمان - كانت هناك فى مصر سلطة.. وكان فيها شرطة.. ولم يكن أحد يجرؤ على أن يتحدى ذلك. والمشكلة أننا نواجه الآن انفلاتًا أمنيًا خطيرًا، فى كل شارع وكل منطقة. بل تحولت كل شوارعنا إلى سويقات السلطة فيها للباعة.. ولمن يحميهم.. ثم يقبض منهم.. صارت هناك عصابات للباعة وأخرى لحمايتهم.. ما دامت السلطة الفعلية غائبة. وأتذكر هنا أحد محافظى الجيزةوالقاهرة زمان: السيد عمر عبدالآخر الذى تصدى لظاهرة انتشار الباعة الجائلين.. وكيف أعاد سلطة الدولة إلى شارع سليمان جوهر بالدقى بالجيزة.. ووضع فيه نقطة للشرطة فحوله من غابة إلى مكان محترم.. وكذلك فعل فى مناطق أخرى فى القاهرة وربما فى عهده نشأ سوق الإمام الشافعى كل يوم جمعة.. وبالمناسبة كانت معظم هذه الأسواق العشوائية موسمية.. فهذا هو سوق الجمعة وذاك هو سوق الثلاثاء.. وهكذا. الآن أصبحت مصر كلها «سويقة كبيرة» اسمها كل مدن مصر وقراها.. وكان المشترون زمان يتحركون فى الأسواق آمنين.. الآن تغيرت الصورة وأصبح الداخل لسوق من هذه المناطق مفقودًا.. والخارج منها مولودًا.. فلا أمن ولا أمان.. بل كلاهما «الأمن والأمان» بيد الباعة.. وبيد من يحميهم من البلطجية. وبصراحة.. هل أصبحت السلطة كلها عاجزة عن فرض النظام والأمان فى هذه المناطق.. أم هى باتت تخشاهم ولذلك تغمض العيون عنهم.. أم لا سلطان اليوم عليهم.. أم هى تنتفع بوجودهم. أم هناك معاهدة عدم اعتداء بين الحكومة وهؤلاء.. هدفها استمرار إرهاب الشعب؟! ما هو السر يا ترى. نقلا عن الوفد