من أجل إطلاق مفاوضات تستغرق أربعة أشهر للاتفاق على الصيغة النهائية لمعاهدة إصلاح الاتحاد الاوربى ، بدأ وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي اجتماعاتهم الشهرية صباح اليوم الاثنين لبحث عدة قضايا مهمة على الساحتين الدولية و الإقليمية من أبرزها صياغة معاهدة الإصلاح الجديدة للاتحاد ،وعملية تحديد مصير إقليم كوسوفو ،وأصداء الأزمة الروسية البريطانية بالإضافة إلى الأوضاع في إقليم دارفور والإعداد لإرسال قوات حفظ سلام إلى تشاد مع بحث إمكانية استئناف عملية السلام فى الشرق الأوسط حيث ناقش وزراء الخارجية الأوروبيون الإعداد لمؤتمر سلام في الشرق الأوسط برعاية أمريكية خلال الخريف القادم للتمهيد لقيام دولة فلسطينية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي ،وأكد الاتحاد الأوروبي على تأييده ودعمه للرئيس الفلسطيني محمود عباس والحكومة الفلسطينية الحالية برئاسة سلام فياض مشيرا الى أن الفترة المقبلة ستشهد جهودا مكثفة لدفع عملية السلام بالمنطقة . وتأتى صياغة المعاهدة الأوروبية للإصلاح الرامية الى تسيير وتحديث مؤسسات الاتحاد الذى يضم 27 دولة على رأس جدول أعمال مؤتمر الحكومات المكلف بصياغة المعاهدة بمشاركة وزراء خارجية دول الاتحاد ورئيس المفوضية الأوربية، وذلك في إطار الاتفاق بين دول الاتحاد خلال القمة الأوروبية الأخيرة التي عقدت يومى 21 و22 يونيو الماضيين ببروكسل على المضي قدما وبسرعة في وضع وثيقة جديدة تضع حداً للجدل حول الدستور الأوروبي الموحد الذي تم رفضه.
وينوى لويس أمادو وزير خارجية البرتغال ،التي تسلمت حديثا رئاسة الاتحاد الأوربى ، توزيع مشروع أولى للمعاهدة يتألف من نحو 200 صفحة ليدرسه خبراء قانونيون من دول الاتحاد غدا وبعد غد تمهيدا لمناقشات متعمقة تبدأ من نهاية أغسطس المقبل للتوصل إلى اتفاق بشأن نص المعاهدة النهائى ، بحيث يعرض على اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يومى 7 و 8 سبتمبر المقبل، على أن يتم رفع نص المعاهدة لقادة القمة الأوروبية غير الرسمية المقرر عقدها يومى 18 و 19 أكتوبر القادم فى لشبونة ليتم إقرار المعاهدة فى قمة ديسمبر المقبل، حتى يتسنى بعد ذلك للدول الأعضاء بالاتحاد التصديق عليها بحيث تدخل حيز التنفيذ قبل انتخابات البرلمان الأوروبى المقررعقدها فى يونيو 2009.
وقد استبعد وزير الخارجية البرتغالى أن تعيد بولندا أو أية دولة أخرى فتح ملف تم الاتفاق عليه خلال القمة الأوروبية الأخيرة، يتعلق بالمعاهدة الأوروبية الجديدة أو نظام التصويت على القرارات داخل الاتحاد الأوروبي، خلال مؤتمر الحكومات .إلا أن أنا فوتيجا وزيرة الخارجية البولندية حذرت اليوم من ان بلادها ستطلب توضيحات لبعض بنود المعاهدة المتفق عليها الشهر الماضى ..وفى انتصار هام ،نجحت بولندا فى ضمان تأجيل قوانين التصويت المعدلة بالاتحاد حتى 2017 ، والتى من شأنها ان تقلل عدد الأصوات المتمتعة بها مقارنة بالدول الاخرى وتأمل حكومات الاتحاد أن تقر برلماناتها مجموعة القوانين الجديدة على مدى الشهور المقبلة على ان يبدأ سريانها قبل الانتخابات البرلمانية الأوربية المقبلة .
وكان رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبى قد توصلوا بصعوبة خلال القمة الأخيرة إلى توافق حول المعاهدة الأوروبية، التى تتيح دور أكبر للبرلمانات الوطنية والمواطنين وتضمن تطبيق الميثاق الإلزامي للحقوق الأساسية، والانتقال فى وقت لاحق إلى التصويت بنظام الأغلبية النسبية بالإضافة إلى إقرار وجود رئاسة دائمة للاتحاد .
دستور أوربا الموحد
وقد بدأت لجنة أوروبية متخصصة في ديسمبر عام 2001 في صياغة دستور موحد للاتحاد الأوروبي ،وفي التاسع والعشرين من أكتوبر 2004 وقع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي معاهدة بخصوص "دستور أوروبا" وصدقت عليها 18 دولة فيما رفض الفرنسيون والهولنديون العمل به في استفتاء شعبي عام 2005 وتجمد مشروع الدستور نظراً لأن لوائح العمل به تستوجب موافقة جميع الدول الأعضاء، وعملت ألمانيا خلال فترة توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي حتى يونيو 2007 على وضع خطة زمنية وآلية عمل للتوصل إلى اتفاق بين الدول الأعضاء حول الخطوات المقبلة للدستور الموحد. ويهدف الدستور إلى جعل أوروبا قادرة على التعامل في الداخل والخارج ويضع اللوائح المنظمة لذلك ويوزع الاختصاصات ويسهل إجراءات إصدار القرارات ويوسع من نفوذ البرلمان الأوروبي ويصبح بموجبه ميثاق القانون الأساسي الأوروبي قانونا ملزما.
وفيما يتعلق بتحديد مصير إقليم كوسوفو الذي يطالب بالانفصال عن صربيا ، يستعد الاتحاد الأوروبي للعب دورهام في تنفيذ تسوية للمشكلة وللتواجد مستقبلا في الإقليم ،ويحذر الاتحاد الأوروبي من اتخاذ أية خطوة أحادية الجانب لإعلان استقلال الإقليم.ودعا فرانك فالتر شتاينماير وزير الخارجية الالمانى الى تشكيل ترويكا دولية تضم الولاياتالمتحدةوروسيا و الاتحاد الاوربى للتفاوض مع سكان الإقليم من الألبان و الصرب .وإيجاد حل لقضية إقليم كوسوفو المنشق عن صربيا ،خاصة بعد فشل مجلس الأمن الدولى فى التوصل لاتفاق بشان تحديد مستقبله موضحا أن وجود روسيا و الولاياتالمتحدة على مائدة المفاوضات يزيد إمكانية تسوية الخلاف.
كما تسعى دول الاتحاد إلى إقامة جبهة أوروبية موحدة بوجه روسيا بعدما عطلت مشروع قرار استقلال الإقليم في مجلس الأمن بتهديدها باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار حول كوسوفو لن تكون صربيا حليفة روسيا راضية عنه حيث تعارض كل من صربيا وروسيا إعطاء كوسوفو أي شكل من أشكال الاستقلال ولا تريدان أن تتوصل الأممالمتحدة إلى قرار جديد يحل محل قرار مجلس الأمن رقم 1244 الذي تريان أنه يشير في أحد بنوده إلى سيادة صربيا على الإقليم.وقد أوضح وزير الخارجية البرتغالى فى المؤتمر الصحفى الختامى لاجتماعات اليوم أن الاتحاد يحافظ على موقف موحد بضرورة البناء على مقترحات مبعوث الأممالمتحدة بالاقليم للحفاظ على استقرارمنطقة البلقان بأكملها .
والمعروف أن إقليم كوسوفو يخضع للإدارة الدولية منذ عام 1999 عندما طردت قوات حلف شمال الأطلسي الجيش الصربي منه. وكان المبعوث الدولي المكلف بمتابعة ملف الإقليم ، قد أوصى في تقرير أصدره في شهر ابريل الماضي بمنح كوسوفو استقلالا يشرف عليه المجتمع الدولي، ونال هذا الاقتراح تأييدا قويا من جانب ألبان الإقليم (الذين يشكلون 90 في المائة من مجموع السكان البالغ عددهم زهاء مليوني نسمة) نظير رفض قاطع من جانب صربيا وحليفتها روسيا.
ولم تغب كذلك الأزمة الروسية البريطانية عن محادثات وزراء الخارجية الأوروبيين حيث عرض ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني وقائع الأزمة ،والتي أدت إلى طرد متبادل للدبلوماسيين بين الطرفين ، وذلك على خلفية رفض موسكو تسليم المشتبه به الأساسي في قضية مقتل العميل السوفييتي السابق الكسندر ليتفينينكو في لندن. وبينما أعلنت بريطانيا إنها مرتاحة للدعم التي تتلقاه من الاتحاد الأوروبي في هذه القضية وهي لا تسعى إلى قرار جديد يصدر عنه، اعتبرت موسكو رد فعل الاتحاد حيال الأزمة مفاجأة سيئة وسيؤثر سلبا على العلاقات الروسية الأوربية التى يرى المراقبون أنها تدهور بشكل كبير منذ العام الماضى .
ومن ناحية أخرى، حث وزير الخارجية البريطانى دول الاتحاد على مساندة تركيا بعد فوز حزب العدالة و التنمية الحاكم ذى الاصول الاسلامية بالانتخابات البرلمانية التى أجريت أمس الأحد لضمان استمرار الاصلاحات السياسية و الاقتصادية التى يدعمها الغرب بينما دعا المفوض الأوروبى لشئون التوسيع أولى ربن الحكومة التركية التى ستنبثق عن الانتخابات بتفعيل الاصلاحات لتنشيط مفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبى .
وعلى الصعيد الأفريقى ،يناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم اقتراح إرسال قوات حفظ سلام أوروبية إلى تشاد لحماية معسكرات اللاجئين السودانيين الوافدين من إقليم دارفورغرب السودان حيث يواجه المدنيون هناك أعمال عنف وأوضاعا إنسانية متدهورة .وقد رهن الاتحاد مسالة إرسال قوات حفظ سلام أوربية لشرق تشاد بصدور قرار من مجلس الأمن بهذا الشأن .
ورغم أن فرنسا وبريطانيا تدعمان بقوة مشروع إرسال قوة حفظ سلام أوروبية قوامها 1500 جندي على الأقل إلى تشاد و من المتوقع نشر هذه القوة بحلول نهاية 2007 أو مطلع 2008 لتوفير الأمن والمساعدات الإنسانية للاجئي دارفور في تشاد بمهمة تمتد لمدة عام لحين وصول القوات الأفريقية وقوات الأممالمتحدة المشتركة المزمع نشرها في غرب السودان. إلا أن صحيفة لاكروا الفرنسية قد ذكرت اليوم أن تشاد مصرة على أن تحتفظ لنفسها بالرأى الأخير فى قرار نشر قوة أوربية شرق تشاد ،وقد أعلن الرئيس التشادى ادريس ديبى فى لقائه الأخير بالرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى بباريس لمناقشة تداعيات أزمة دارفور على تشاد أن الفكرة مازالت قيد النقاش و لم يتقرر شىء بشأنها بعد .
وأكد أنه من المهم بالنسبة لتشاد ان يكون بها بشكل أو بأخر تواجد لقوات المجتمع الدولى من اجل تأمين اللاجئين من دارفور والنازحين التشاديين فى منطقة الشرق. مشيراً إلى أن نشر قوة أوروبية فى المنطقة الشرقية بتشاد من شأنه أيضا إن يتصدى لعمليات توغل ميليشيات الجنجاويد فى أراضيها.
بل إن فرنسا وبعض الدول الأوروبية تقوم بجسر جوى منذ 17 يونيو الماضى لنقل المساعدات إلى اللاجئين والنازحين فى شرقى تشاد، وهى العملية التى وصفها دافيد مارتينون المتحدث باسم الرئاسة الفرنسية "بالناجحة". مشيرا إلى ان القوات الفرنسية قامت حتى الان ب 72 عملية جوية باستخدام طائرات النقل العسكرية العملاقة لنقل ما يزيد على 360 طنا من الأغذية لصالح برنامج الغذاء العالمى.
كما أكد الاتحاد الاوربى فى بيان صادر عن اجتماعات وزراء الخارجية المنعقدة ببروكسل دعمه لجهود الوساطة التى يقوم بها الاتحاد الافريقى والأممالمتحدة لدفع العملية السياسية بإقليم دارفور وفقا للجدول الزمنى المحدد،مناشدا الأممالمتحدة بتعيين ممثل خاص لها بالسودان فى أسرع وقت ممكن .
و طالب جميع الإطراف بالإسراع فى إرسال قوات مشتركة من الاتحاد الافريقى والأممالمتحدة لتولى مهام حفظ السلام فى دارفور داعيا الحكومة السودانية إلى التعاون معهما فى هذا الصدد حتى لا تتعرض لإجراءات عقابية .وأشار الى استمرار الدعم المدنى و العسكري المقدم منه إلى القوات التابعة للاتحاد الافريقى بدارفور لمدة ستة أشهر اعتبارا من أول يوليو .وقد بدأت الأزمة في هذه المنطقة القاحلة والفقيرة في أوائل عام 2003 بعد شروع مجموعة من المتمردين في شن هجمات على أهداف حكومية بذريعة أن الخرطوم تهمل المنطقة.
إلى جانب مناقشة قضية ترحيل الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المتهمين بنقل فيروس الايدز إلى عدد من الأطفال الليبيين بعد تخفيف الحكم عليهم من الإعدام إلى السجن المؤبد حيث يطالب الاتحاد الأوروبي بالسماح لهم بمغادرة ليبيا والعودة لبلدهم. والسجناء الستة المحتجزون منذ 1999 هم خمس ممرضات وطبيب فلسطيني منحته بلغاريا لاحقا جنسيتها حتى يستفيد من اي اتفاق تسليم.
ومن المقرر أن يعقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على هامش اجتماعاتهم لقاءً منفصلا لمجلس الشراكة بين الاتحاد وكل من المغرب وشيلي ومقدونيا.وتستهدف اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الأوربى تبادل الأفكار و الرؤى لتبسيط و ترشيد اجراءات التكتل الأوروبي و تفعيل دوره فى تسوية الأزمات المشتعلة بأماكن متفرقة من العالم .