سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحمد رجب الباحث الاقتصادي ل"أخبار مصر": تعويم الجنيه يؤدي لزيادة الثقة في الاقتصاد المصري وقدرته على جذب الاستثمارات وزيادة الصادرات مع تقليص الصدمات الخارجية
أصدر الرئيس ما يقرب من 17 قرار في أوائل الشهر تمس الاستثمار من بينها تخصيص الأراضي الصناعية في الصعيد بالمجان وإعفاءات ضريبية على الاستثمار الصناعي والزراعي بذات المنطق، إعفاءات ضريبية على الأرباح لمشروعات استصلاح الاراضى الزراعية التي تنتج منتجات تستوردها الدولة، واتخاذ التدابير والإجراءات القانونية اللازمة للتصالح الضريبي بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتكليف بإزالة معوقات الاستثمار . ولكن لم تشغل تلك القرارات الشارع المصري بقدر ما شغلته قرارات تحرير سعر الصرف وخفض الدعم عن المحروقات "المواد البترولية". موقع "أخبار مصر" www.egynews.net أجرى حواراً مع أحمد رجب الباحث الاقتصادي في المركز المصري لدراسات السياسات العامة حول تداعيات قرار تحرير سعر الصرف. نص الحوار. *** ما المقصود بتعويم الجنيه؟ وكيف يؤثر على الاقتصاد؟ المقصود بتعويم الجنيه أو تحرير سعر الصرف أن البنك المركزي لن يقوم بتحديد سعر العملات الأجنبية، بل سوف يترك تحديد السعر لقوى العرض والطلب، وعلى سبيل المثال يزداد الطلب على الدولار عندما نستورد سلع من دول أخرى، وذلك لاحتياج رجال الأعمال إلى عملة أجنبية للشراء من الخارج وبناًء علية يرتفع سعر الدولار في مواجهة الجنيه المصري، ولكن عند التصدير يحدث العكس، مما يجعل سعر الدولار ينخفض أمام الجنيه. لا تعد مصر الدولة الأولى التي تتبع نظام مرن لسعر الصرف فقد قامت العديد من الدول النامية بهذه الإجراءات الإصلاحية من بينها المكسيك والبرازيل والأرجنتين. تزداد معدلات التضخم عند تحرير سعر الصرف، والذي قد بلغ في أول سبتمبر 2016 بنسبة 15.5% وتضاءل ليصل في نوفمبر من نفس العام إلى 13.6%، وهذا يفسر زيادة أسعار السلع والخدمات في السوق المصري، ولكن يمكننا درء معدلات التضخم من خلال تشجيع المنتجات من السلع والخدمات المحلية لتحل محل نظائرها المستوردة. قد يحدث في البداية انخفاض في الانتاج لأن انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار قد يدفع الشركات التي تعتمد في إنتاجها على سلع مستوردة إلى الإفلاس أو تقليل الإنتاج، ولكن على الجهة الأخرى سوف يزيد إنتاج الشركات المصدرة، وذلك لأن أسعار المنتج المصري المصدر سوف يتميز بانخفاض سعره في السوق العالمي، لذا من الضروري عند تعويم الجنيه تشجيع التصدير. الشركات التي سوف تزدهر من أثر تحرير سعر الصرف هي الشركات التي تعتمد على التصدير وشركات السياحة، بينما سوف يتأثر بالسلب الشركات ذات المديونية الدولارية وأصحاب الدخول الثابتة من الموظفين بشكل عام وأصحاب المعاشات وذلك نتيجة لتآكل الدخول من أثر التضخم. وللتقليل من أثر التضخم على المواطن قد أعلنت أو اعتزمت الحكومة المصرية على تحمل زيادة السعر من خلال الدعم العيني على السلع الأساسية من سكر وأرز وقمح وزيت الطعام، إلا أن هذه الإجراءات يجب أن تعزز من خلال إعادة هيكلة الدعم ليصل إلى مستحقيه الحقيقيين ومن ثم تحويله إلى نقدي. *** ماذا لو لم تقم الحكومة المصرية بهذه الإجراءات؟ للتعويم ايجابيات عديدة فهو يؤدي إلى زيادة الثقة في الاقتصاد المصري وقدرته على جذب الاستثمارات وزيادة الصادرات، كما يقلص أو يمتص الصدمات الخارجية ولا سيما أن الاقتصاد المصري غير منفتح على الاقتصاد العالمي بدرجة كبيرة. *** كيف يمكننا تجاوز ذلك و رفع سعر الجنيه أمام الدولار والسيطرة على ارتفاع الأسعار؟ هناك العديد من العوامل التي تؤثر على سعر الصرف ومن أهمها الاستقرار السياسي الذي يعمل على جذب الاستثمار الأجنبي والمحلي، بالإضافة إلى تشجيع الدولة للصناعات المحلية الصغيرة والمتوسطة التي تنتج سلع وسيطة للصناعات العملاقة تحل محل نظيرتها المستوردة، أو تنتج سلع تامة الصنع تغني المستهلك عن اللجوء إلى المستورد، وأيضًا تشجيع الصادرات المصرية من خلال تحفيز رواد الأعمال والمستثمرين على التصدير من خلال عدة سياسات منها إتاحة المعلومات حول السلع التي لها فرص للتصدير، ووضع السوق المصري والأسواق الخارجية والاتفاقيات التجارية مع الدول الأخرى التي من شأنها فتح أسواق جديدة للسلع والخدمات المصرية، مما له بالغ الشأن على ميزان المدفوعات وسعر الصرف. يرجع التضخم وزيادة الأسعار في الأساس إلى زيادة أسعار العملات الأجنبية أمام الجنيه المصري وهو ما بدأ ينعكس بآثاره على أسعار السلع في السوق المحلي خاصة مع وجود تحركات أولية لأسعار بعض السلع خاصة الغذائية في الأسواق المحلية. ونرى ضرورة التحرك نحو سوق أكثر مرونة فيما يتعلق بنظام سعر الصرف. وهذا من شأنه تقليل الواردات والمساعدة في زيادة الصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ومن ثم لن تكون مصر بحاجة إلى مواصلة البحث عن التمويل الخارجي، للإبقاء على الاحتياطي الأجنبي عند المستويات الآمنة. لهذا ينبغي على مصر اعتماد سياسة نقدية تستهدف التضخم أولا، وهو ما يتيح مجموعة من المميزات تتمثل في تخفيف الضغط على الاحتياطي الأجنبي وتعميق إصلاحات القطاع المالي وتعزيز الشفافية فيما يتعلق بعمليات البنك المركزى وتقليل الضغط على السياسة النقدية. * يعود السبب الحقيقي للتضخم إلى عوامل داخلية تتمثل في ضعف الإنتاج المحلي؛ لهذا نرى أن الحل الأمثل لمحاربة التضخم هو زيادة الإنتاج مما يؤدي إلى خفض التكلفة الإنتاجية وزيادة المعروض من المنتجات وبالتالي خفض الأسعار ويستلزم ذلك تعميقا حقيقيًا للصناعة المصرية بالإضافة إلى إصلاح منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع ضرورة تحديد أهداف معينة للسياسات المالية والتحويلات الرسمية للبرامج الاجتماعية والمصروفات الرأسمالية فضلا عن إفساح المجال أمام مؤسسات القطاع الخاص لإقامة مشروعات البنية التحتية. * يعد انخفاض أداء منظومة التجارة الداخلية عاملا آخر لزيادة التضخم حيث تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة سواء على المستوى الفني أو التنظيمي والتشريعي بما يشمل إصلاحات في الأفكار والتطبيقات التي تعتمد عليها حيث يجب أن يتم تنظيم الأسواق لإلغاء دور الوسطاء وتشديد آليات الرقابة والعقوبات لمنع حدوث تضخم غير عادي نتيجة عدم الرقابة على الأسواق وعدم تنظيمها. * من العوامل الداعمة للحد من زيادة معدلات التضخم، إتاحة البيانات والمعلومات عن السلع ومدى توافرها وأسعارها للمواطنين وزيادة الرقابة على الأسواق مع ضرورة توضيح الحكومة للأثر الحقيقي لأي إجراء إصلاحي للاقتصاد على أسعار المنتجات. * أحد أهم العناصر المطلوبة للإصلاح المؤسسي لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم هو ترشيد الإنفاق الحكومي ومراجعة أولوياته لزيادة أثره التنموي من ناحية والحد من عجز الموازنة من ناحية أخرى؛ حيث يتأثر الكثير من بنود الموازنة العامة للدولة بتغيرات التضخم المحلي مما يستلزم إعادة النظر في آليات التعامل معه وتفعيل سياسات استهداف التضخم بصورة أكثر وضوحا، مع أهمية قيام الحكومة في إطار ذلك بإعداد دراسة متكاملة عن مدى تأثر بنود الموازنة العامة المختلفة بالتضخم والآليات المطلوبة للتعامل مع ذلك في إطار خطة متكاملة تشمل أيضا مراجعة بنود الإنفاق والدعم. * من الضروري الحذر في اتخاذ إجراءات جديدة قد تؤثر على معدلات التضخم في السوق المحلية قبل قياس أثرها المتوقع وإجراء تحليل حساسية لنتائجها على معدلات الزيادة في التضخم محليا على المديين القصير والمتوسط، خاصة بالنسبة لقانون الضريبة على القيمة المضافة وأي إعادة هيكلة جديدة للدعم كما أن أي ارتفاع أكبر في مؤشر التضخم الأساسي وزيادة الضغوط المستقبلية يؤكد على أهمية أن يوازن «المركزي» بين خطط تحفيز النمو ومحاصرة التضخم، للحد من الضغوط التضخمية المستقبلية نسبيا. *** متى يشعر المواطن بالرخاء الاقتصادي؟ تحمي الدولة محدودي الدخل من خلال شبكة من الخدمات الاجتماعية أو عدة برامج اجتماعية تكلف الموازنة نحو 417 مليار جنيه وتمثل ما يقرب من 36% من إجمالي المصروفات بالموازنة، وتعد من هذه البرامج برنامج تكافل وكرامة والذي يخدم 800 ألف أسرة ويستهدف خلال السنة المالية الجديدة مليون مستفيد في قرى الأكثر فقرًا بصعيد مصر بتكلفة 4.1 مليار جنيه. وبرنامج دعم السلع الغذائية ب 46 مليار جنيه، حيث قامت الدولة بزيادة مخصص الفرد من 15 جنيه الى 17 جنيه، ومن المتوقع أن يزداد مخصص الفرد بعد استبعاد الفئات غير المستهدفة، ويستفيد من البرنامج 69 مليون فرد من الدعم السلعي و82 مليون فرد من دعم الخبز. بالإضافة إلى دعم التأمين الصحي للمرأة المعيلة بتكلفة 0.2 مليار جنيه، وبرنامج دعم فائدة القروض الميسرة بتكلفة 0.5 مليار جنيه حيث تتحمل الدولة فروق سعر الاقراض على الاسكان الشعبي والإقراض الميسر للاسر الفقيرة. ولكن مع كل ذلك على الدولة هيكلة الدعم بشكل عام وتحويله من عيني إلى نقدي، ومثال على ذلك رفع الدعم على المحروقات الذي بدأ في عام 2014 المرحلة الأولي، ثم جاءت المرحلة الثانية في 2016 وهو خطوة جيدة ولكن ينقصها خطة واضحة للتحرير التام، وتحويل الفارق الى الفئات المستهدفة، حيث كان دعم المحروقات تستفيد منه الأكثر ثراء وليس الأكثر فقرًا، وذلك لأن الأول هو الذي يمتلك سيارة ومنازل ومصانع مما يجعل استهلاك المحروقات أعلى من الفقير الذي يعتمد على المواصلات العامة على سبيل المثال، وبالتالي نجد في هذه الحالة أن الدعم يذهب إلى فئات غير مستهدفة. كما أن دعم الطاقة يؤدي إلى الإفراط في الاستهلاك وعدم الترشيد، ويترتب على ذلك سوء توزيع واستغلال للموارد. حيث أدى إلى الإفراط في استهلاك الوقود، إلى ظهور جوانب لها علاقة بالتلوث البيئي، وزيادة الانبعاثات التي تؤدي إلى تلوث الهواء والأمراض الصحية، وزيادة الاختناقات المرورية والضغط على البنية التحتية للدولة. الدعم يزاحم الإنفاق العام والذي يمكن أن يوجه إلى بنود أخرى في الموازنة حيث يستحوذ على ما يقرب من 30% من حجم الإنفاق العام بالموازنة العامة، يستحوذ دعم الطاقة منه على ما يقرب من 70%، وباقي أوجه الدعم تحصل على 30%، وبالتالي من الأفضل توجيه الدعم إلى قطاعات أخرى، مثل المرأة المعيلة ودعم الغذاء والصحة والتعليم. وبالتالي من الضروري طرح خطة لهيكلة الدعم ومناقشتها مجتمعيًا، وتحديد الفئات المستفيدة بدقة لكي نتجنب سوء الإنفاق أو إهدار الموارد.