نقلا عن/ الحياة - 30/08/07 الدعوة التي وجهها الرئيس الايراني أحمدي نجاد الى المملكة العربية السعودية للتشارك في ما أسماه «ملء الفراغ» بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق، تحمل في طياتها إعلاناً ضمنياً عما تعتقد طهران انه نظام اقليمي جديد يفرض نفسه، بعدما اعتبرت انها نجحت في اختراق النظام العربي، وحتى في الحلول عملياً محل احد اركانه السابقين: سورية، التي فقدت الكثير من قدرتها على المناورة والتأثير وعلى مبادلة علاقاتها الايجابية في محيط عربي ودولي واسع بتغطية الجوانب السلبية في علاقتها بساحات أضيق، بينها خصوصاً لبنان. وتحرص دمشقوطهران وتؤكدان في كل مناسبة ان التحالف بينهما وثيق والتنسيق قائم، وهو أمر لا شك فيه، لكن بعدما كانت ايران ورقة في يد الراحل حافظ الاسد، يدنيها ويبعدها، بحسب الحاجة، في «محاورته» القوى الاقليمية والدولية، تكاد دمشق اليوم تتحول، او هي تحولت فعلا، الى ورقة في يد طهران، سياسياً وحتى اقتصادياً، وإن ظن القيمون على سياساتها انهم لا يزالون يتحكمون بالمعادلة. ففي دعوة نجاد اعتراف واضح، بل تأكيد، بأن دمشق لم تعد مقبولة شريكاً عربياً كاملاً، بعدما انزلقت بعيداً في «الفخ» الايراني، وان بلاده هي البديل. وعندما غزا نظام صدام حسين الكويت في 1990، اتجهت انظار العرب والعالم الى دمشق التي تلقف رئيسها الفرصة بذكاء، فشارك، ولو رمزياً، في حرب تحرير الكويت، لكنه امتنع عن دخول الاراضي العراقية، ضامنا بذلك لبلده دوراً سياسياً في المنظومة التي تشكلت بعد الغزو، وفي قطف ثمار مشاركته وتمنعه، على كل من الصعيدين القومي والدولي. أما اليوم، فالانظار تتجه في ظل الاحتلال الاميركي للعراق، الى موقف طهران التي تمول وتدرب وتسلح وتوجه فئات عراقية مختلفة تتحكم بخيوطها وتحركاتها، تماما مثلما كانت تفعل سورية في لبنان، في حين يكاد دور دمشق يقتصر على كونها جسراً أو ممراً. ويتكرر الامر نفسه في لبنان، ساحة سورية المفضلة وهاجسها الدائم، حيث تحتل طهران شيئا فشيئا مكان دمشق، وتنحل دورها في القدرة على التهدئة والحوار ودوزنة التصعيد ونبرة حلفائها، مثلما حصل ابان الاحتقان الذي تلى اعتصام «حزب الله» في وسط العاصمة وأحداث جامعة بيروت العربية، بينما لم تعد دمشق تستطيع سوى «المشاغبة» وليس التحكم وضبط التوترات. فمن يدفع ويسلح وتربطه علاقة بطائفة اساسية، هو الذي يقرر، اما الحليف الاضعف فمضطر الى المسايرة حتى ولو على حسابه احيانا. فصواريخ «حزب الله» تأتي من الترسانة الايرانية وتمويله من خزينتها، وهذا يعني ان قرار حربه وسلمه بيدها، رغم ان قيادته الحالية لا تهمل العلاقة بسورية ولا دورها. ولا يعني هذا وجود خلاف اساسي بين الاهداف السورية والايرانية في لبنان، لكن التنفيذ والتوقيت يرتبطان اكثر بمصالح طهران وعلاقاتها الاقليمية ومشاكساتها الدولية. وبالنسبة الى الوضع الفلسطيني، تبدو علاقة حركة «حماس» عضوية بطهران، تمويلاً وتسليحاً. وتنقل «نيويورك تايمز» عن نائب رئيس الاركان الاسرائيلي موشي كابلينسكي قوله إن الحركة الاسلامية أرسلت مئات من مقاتليها الى ايران لتلقي دورات تدريبية، وإنها تقيم في قطاع غزة «بنية تحتية للحرب» تشتمل على تحصينات وانفاق ومخازن اسلحة، مثل تلك التي بناها «حزب الله»، ولا يزال يبنيها، في جنوب لبنان. وحتى ان طهران «ورثت» عن دمشق خطابها الشكلي. ففي حين باتت سورية تحرص على تأكيد رغبتها في السلام مع اسرائيل والتفاوض لاستعادة الجولان، وتضرب مثلاً عملياً بهدوء الجبهة معها، مشددة على ان المشكلة تكمن في عدم استجابة تل ابيب، يكاد لا يخلو خطاب للرئيس الايراني من هجوم على اسرائيل والصهيونية وتوعدهما بنهاية قريبة، حتى ليظن السامع ان طهران باتت هي « قلب العروبة النابض».