تداول 58 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    رئيس قطاع الإرشاد الزراعى يتفقد مجمعات الخدمات الزراعية بالفيوم    تعرف على التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    الجريدة الرسمية تنشر قرارات لوزير الطيران تتعلق بالقابضة للمطارات والملاحة الجوية    انفجاران في محيط السفارة الإسرائيلية بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن    المدير الرياضي للأهلي يجهز لائحة العقوبات الجديدة    خناقة كولر ومحمد رمضان بسبب دكة الأهلي؟ (تفاصيل)    حراميه في النهار.. سطو مسلح على مكتب بريد وسرقة 50 ألف جنيه بالطالبية    ضبط 21 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    «الداخلية»: غلق كلي لشارع عزيز أباظة في الزمالك لمدة 10 أيام (التحويلات المرورية)    الداخلية تضبط المتهم بتزوير المحررات الرسمية فى الشرقية    تفاصيل انطلاق مهرجان الإسماعيلية الدولى للفنون الشعبية    إلهام شاهين عن الهجمات الإيرانية على إسرائيل: «أكره الحروب وأنادي بالسلام»    نائب وزير الصحة: إضافة 227 سريرًا وحضانة لمنظومة الرعايات والحضانات    «المستشفيات والمعاهد التعليمية» تحتفل باليوم العالمي لسلامة المرضى    تداول 58 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    موعد مباراة الأهلي وبرشلونة والقنوات الناقلة في «صراع» برونزية مونديال اليد    أهداف الثلاثاء.. رباعيات السيتي والإنتر وسباعية دورتموند وثنائية أرسنال في شباك باريس سان جيرمان فى دورى أبطال أوربا    "ظهور محتمل لصلاح".. جدول مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة    الأهلي يصدم علي معلول بقرار مفاجئ بسبب الصفقات الجديدة    نائب رئيس الزمالك: السوبر الأفريقي دافع لمزيد من الألقاب    برئاسة وزير قطاع الأعمال العام.. عمومية «القابضة للصناعات المعدنية» تعتمد موازنة 2024-2025    رئيس هيئة سلامة الغذاء يبحث مع المسئولين العراقيين تعزيز التعاون المشترك    الإسكان: تنفيذ 9 قرارات إزالة لمخالفات بناء بقطع أراضٍ بتوسعات مدينة الشيخ زايد    الأعلي للجامعات يعلن نتيجة اختبارات الدبلومات والمعاهد للقبول بكليات الزراعة    وزارة الداخلية تقرر رد الجنسية المصرية ل 24 مواطن    استدعاء أهل فتاة تخلصت من حياتها حزنًا على وفاة والدها بالمرج    «الطفولة والأمومة» ينفذ ورشة عمل لرفع الوعي بقضايا العنف ضد الأطفال    الحوثيون يستهدفون 3 مواقع إسرائيلية ويتوعدون باستهداف مصالح أمريكا وبريطانيا    مراسل «القاهرة الإخبارية»: غارات إسرائيلية مكثفة على معظم أنحاء قطاع غزة    موعد عرض الحلقة 15 من مسلسل برغم القانون بطولة إيمان العاصي على قناة ON    إلهام شاهين: سعيدة بتكريمي في مهرجان القاهرة الدولي للمونودراما    فتح باب التقديم لجائزة الدولة للمبدع الصغير    مع عبدالناصر والعالم أربع ساعات يوميًا لمدة ستة أشهر    غارتان إسرائيليتان في لبنان.. إحداهما استهدفت شقة سكنية    وزير الرى يلتقى سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة لبحث سُبل تعزيز التعاون بين مصر وأمريكا    رئيس هيئة الرعاية الصحية: مصر تمثل محورًا إقليميًا لتطوير خدمات الصحة    طريقة عمل كيكة البرتقال، باحترافية وبأقل التكاليف    انتخابات اللجان النوعية لمجلس النواب.. اليوم    «الإفتاء» توضح حكم الشرع في إهمال تعليم الأبناء    الأوقاف تختتم مبادرة «خلقٌ عظيمٌ» بمجلس حديثي في مسجد الإمام الحسين.. الخميس    حكم زيارة قبر الوالدين كل جمعة وقراءة القرآن لهما    انتخابات أمريكا 2024| وولتز يتهم ترامب بإثارة الأزمات بدلاً من تعزيز الدبلوماسية    أمين الفتوى: الأكل بعد حد الشبع حرام ويسبب الأمراض    عاجل - أوفينا بالتزامنا.. هذه رسالة أميركية بعد هجوم إيران على إسرائيل    دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الآخر لعام 1446 هجريا.. اليوم    الجيش الأردني يغلق المجال الجوي للمملكة ويقول إن مئات الصواريخ الإيرانية تتجه إلى إسرائيل عبر الأردن    طريقة حل تقييم الأسبوع الثاني علوم للصف الرابع الابتدائي بعد قرار الوزير بمنع الطباعة    برج الدلو.. حظك اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024: العند يهدد صحتك    سنرد بقوة.. إيران: نُدمر البنية التحتية في إسرائيل إذ حدث أي اعتداء    عبدالغفار: «100 يوم صحة» قدمت 97 مليون و405 آلاف خدمة مجانية في شهرين    بطريرك الأقباط الكاثوليك يشارك في رتبة التوبة    حازم إيهاب مازحا مع مخرج مسلسل انترفيو: "بيقول عليا غلبان ورغاي"    عبد الواحد: تجديد زيزو في يده.. واستبعاد عمر جابر من المنتخب غريب    ختام كورس ألف مُعلم كنسي "طور" بحلوان    سلمى أبو ضيف تهدد بمقاضاة المتنمرين على حملها (تفاصيل)    في اليوم العالمي للمُسنِّين .. كيف نظر الإسلام لبِرِّ الأبوين في كِبرهما؟    خالد الجندى: من يؤمن بأن "السحر يضر" وقع فى الشرك بالله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرق الأوسط بين خيارات السلام والردع والفوضي
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 03 - 2010

علي وقع تهديدات إسرائيلية مبطنة أحيانا وصريحة أحيانا أخري بشن حرب علي دول مجاورة‏,‏ واستعدادات داخلية ذات مغزي من قبيل توزيع أقنعة واقية من الغازات علي كل المقيمين فيها‏. تصاحبها جهود امريكية مكثفة من أجل تأمين قبول دولي عام لتوقيع عقوبات قاسية علي إيران‏,‏ ومعها دعوات أمريكية لسوريا حسب تصريحات هيلاري كلينتون للابتعاد عن ايران‏,‏ جاءت لقاءات الرئيسين الايراني والسوري في دمشق ومعهما حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني‏.‏ وهي لقاءات شهدت إعلان إلغاء التأشيرات بين سوريا وإيران كدليل علي عمق العلاقات واستحالة ابتعاد أي طرف منهما عن الآخر‏,‏ مع التأكيد علي أن هذه الخطوة هي رد علي الدعوات الأمريكية لدمشق بالانفصال عن طهران‏.‏ وفي الآن نفسه التبشير بقرب نشوء شرق أوسط جديد تزول منه إسرائيل والصهيونية حسب تصريحات الرئيس نجاد‏.‏ وفي طهران نفسها كان هناك لقاء لدعم القدس‏,‏ شهد بدوره اجتماعات بين المرشد الأعلي علي خامنئي وقيادات فلسطينية أبرزها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس وعبد الله شلح أمين حركة الجهاد الفلسطيني‏,‏ وفيها أكد خامنئي علي أن المستقبل للمنطقة هو للشرق الاوسط الإسلامي وللمقاومة ومبشرا بتحرير فلسطين وزوال إسرائيل‏.‏
وفي الرياض حل رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ ضيفا علي الملك عبد الله‏,‏ وفي المباحثات بينهما تم التركيز علي مواجهة التطرف وجماعاته في المنطقة‏,‏ كما تم التوقيع علي عدد من الاتفاقيات الاستثمارية والعلمية في قطاعات الطاقة والصناعة وتقنية المعلومات‏.‏
هذه اللقاءات التي تمت فقط في غضون أقل من أربعة أيام‏,‏ وما يعنيه كل منها من أهمية سياسية واستراتيجية‏,‏ فإنها تستحق جميعها وقفة تأمل عميقة‏.‏ فبالرغم من اختلاف الرسائل والمضامين التفصيلية لكل لقاء علي حدة‏,‏ فإنها تشترك معا في دلالة كبري ومحددة وهي أن الإقليم يشهد بالفعل عمليات مكثفة لإعادة بناء وهيكلة التوازن العام بين أطرافه الأساسيين‏.‏ والعملية في حد ذاتها ليست جديدة لا علي المنطقة العربية ولا علي الشرق الاوسط الممتد حتي باكستان وأفغانستان وحدود الهند الغربية‏,‏ فهي عملية ممتدة ولها جذور عميقة وتتأثر في كثير من جوانبها بحالة النظام الدولي والاستراتيجية الكونية التي تقودها القوة الأكبر القابعة علي قمة هذا النظام في لحظة تاريخية بعينها‏.‏ ولعل الجديد الذي يجب أن يعنينا نحن أهل هذه المنطقة وأصحابها الأصلاء هو ما تحمله هذه المساعي من عناصر وعوامل يمكن أن تؤثر علي التوازن العام في الاقليم وتؤثر بالتالي علي مصالحنا الأساسية التي لا يمكن أن نفرط فيها تحت أي ظرف كان‏.‏ وهو وضع يدفعنا إلي السعي الجاد لتشكيل استراتيجية بديلة أو تنشيط استراتيجية قائمة بالفعل تحمي هذه المصالح وتنميها‏.‏
‏***‏
النظرة العابرة لما يجري في المنطقة يكشف عن صراع حقيقي بين ثلاث استراتيجيات كبري‏;‏ الأولي استراتيجية السلام الشامل التي تقودها مصر والسعودية وترتبط بها أيضا كل من السلطة الفلسطينية والأردن وقسم من السلطة في لبنان‏.‏ والثانية استراتيجية الحرب والفوضي التي تقودها إسرائيل والتي تربطها بمعان مختلفة من الردع الذي يوفر لها مساحة زمنية وعملية للاستمرار في تهويد الأراضي الفلسطينية والمقدسات الإسلامية دون أن تدفع أي ثمن حتي الآن علي الأقل‏.‏ وأخيرا استراتيجية المقاومة التي ترتبط بكل من إيران وسوريا ومنظمات فلسطينية ذات طابع جهادي فضلا عن حزب الله اللبناني‏,‏ والتي تمثل من حيث الجوهر ردا علي استراتيجية إسرائيل الهجومية والعدوانية ونوعا من الردع السلبي‏,‏ لاسيما ان تهديدات إسرائيل تركز أساسا علي مواجهة هؤلاء‏.‏
والتمعن في هذه التركيبة من الاستراتيجيات الثلاثة يجد أن هناك قاسما مشتركا ضمنيا بين استراتيجتي السلام الشامل والردع والمقاومة يتمثل في رفض استراتيجية الحرب والفوضي الإسرائيلية‏,‏ لكن الخلاف يبرز في طريقة هذا الرفض‏,‏ فبينما استراتيجية السلام تعمل علي ربط إسرائيل بالتزامات قانونية وعملية من خلال مفاوضات جدية ومسئولة وذات مرجعيات واضحة‏,‏ وبحيث تنهي عناصر الرغبة في الحرب والتخريب والعدوان وتقيم أساسا لسلام مقبول من كل الأطراف‏,‏ تقوم استراتيجية المقاومة والردع السلبي علي إبراز الثمن الباهظ الذي ستتحمله إسرائيل في حالة إقدامها علي أي قرار مجنون بشن حرب علي أي طرف في المنطقة‏.‏ والواضح ولو من الناحية النظرية أن قيمة الردع السلبي ستظل محدودة إذا ما بقيت مرتكزة علي مجرد مسألة الاستعداد للمواجهة المحتملة سواء حدثت قريبا أو تأجلت بعض الشيء‏,‏ ويقينا سوف تتضاعف نتائجها إذا ما استعانت في الآن نفسه باستراتيجية السلام الشامل‏,‏ وحدث قدر من التكامل بين هاتين الاستراتيجيتين في مواجهة استراتيجية الحرب والفوضي الإسرائيلية‏,‏ ومن ثم يتشكل مزيج إيجابي من الضغط السياسي والمعنوي والردع الإيجابي وليس السلبي‏,‏ وذلك في آن واحد كفيل بنقل المنطقة إلي الأمام وليس مجرد البقاء في مربع الانتظار لمواجهة محتملة‏.‏
‏***‏
وفي هذا السياق نلاحظ أن الولايات المتحدة وهي القوة الأكبر في النظام الدولي الراهن مشغولة بقضاياها المحلية بدرجة تؤثر علي توجهاتها وتحركاتها الخارجية‏,‏ وأنها متورطة في حربين كبيرتين في آن واحد وكلاهما يقع في منطقة الشرق الأوسط الممتد‏,‏ وهي ثالثا عازفة عن التدخل الجدي في القضية الفلسطينية التي تعد بوابة السلام والاستقرار أو منفذ الحرب والتوتر في المنطقة والعالم معا‏,‏ ورابعا تضع احتواء إيران وعزلها عن محيطها وتوقيع العقاب القاسي عليها في قمة أولوياتها المتعلقة بالشرق الاوسط‏,‏ وهو ما لا يجد قبولا أو شعبية في المنطقة أيا كان الموقف من إيران وبعض سياساتها‏.‏
هذه السمات مجتمعة ذات تأثير مزدوج‏,‏ فهي من ناحية تضعف أنصار استراتيجية السلام الشامل والعادل في المنطقة‏,‏ ولكنهم لا يتراجعون عن محاولات إحياء وتفعيل هذه الاستراتيجية لكونها بوابة الأمن والاستقرار التي لا محيد عنها‏.‏ ومن ناحية ثانية تضفي هذه السمات مصداقية اكبر علي أنصار استراتيجية التصعيد بالحرب أو المقاومة السلبية‏,‏ ولكنها مصداقية وقتية وعابرة وتحمل في طياتها مخاطر عدة‏.‏ وبين هذين التأثيرين المتضادين تجري عمليات إعادة البناء والهيكلة في الإقليم تحسبا لمفاجآت قد تحصل بلا حساب كاف لعواقبها ونتائجها المحتملة‏.‏ لقد كان ولايزال التنافس أحيانا والصراع أحيانا أخري بين الاستراتيجيات الثلاثة سمة رئيسية في حياة المنطقة العربية‏,‏ كما كان اللجوء إلي طرف غير عربي إقليمي أو دولي مسألة عادية من أجل ضبط حركة الأحداث ولتقليل الخسائر او زيادة الارباح المتصورة حسب الحالة‏.‏ وما يحدث الآن هو تكرار لحالات ونماذج سبق أن تشكلت وساعدت علي تعديل مسار الأحداث دون أن تعيد بناءها علي نحو جذري‏,‏ والدليل علي ذلك أن التوازن العام في الاقليم هو نفسه منذ عدة عقود‏,‏ وكل محاولات هيمنة طرف بذاته علي شئون الاقليم سريعا ما فشلت وقادت إلي رد فعل عكسي مضاد‏,‏ وبما اثبت يقينا أن هذه المنطقة لا يمكنها أن تقبل ما هو ضد منطقها الخاص الذي نشأت عليه منذ قرون طويلة وقوامه الاعتداد بالذات وخياراتها الحرة‏.‏
وبالرغم من حركية بعض الأطراف الاقليمية أو المحلية وقدرتها علي جذب قدر من التعاطف أو التأييد أو الإعجاب الشعبي‏,‏ وتركيزها علي تحقيق مصالح خاصة وضيقة أحيانا مستغلة في ذلك قضايا ذات طابع خاص بالنسبة لشعوب ومجتمعات المنطقة ككل‏,‏ كالقضية الفلسطينية مثلا أو مواجهة الغطرسة الاسرائيلية دعائيا وسياسيا‏,‏ فإن المحصلة النهائية تصب عادة في سيادة الاتجاه بعدم قدرة طرف بذاته احتكار القيادة لشئون الإقليم ككل‏,‏ ووضع أولوياته بعيدا عن التعاون مع باقي الأطراف المؤثرة‏.‏ ولذلك يتكرر دائما المشهد ذاته من الثنائيات أو الثلاثيات التي تتصارع أو تتنافس دون أن تنهي أزمة أو تحل قضية‏,‏ بل عادة ما تزيد من تفاقم الموقف وتعطي وزنا اكبر لخيار الحرب والمواجهة كمخرج مؤقت من حال الأزمة‏,‏ ثم سرعان ما يتأكد أن مخرج الحرب والعدوان ليس سوي هروب لحظي يؤدي بدوره إلي تجسيد مأزق أكبر وأعمق لاحقا‏.‏
ثمة حاجة إلي منهجية جديدة تعيد الاعتبار إلي قيمة الشراكة في بناء الإقليم يعلي من قيمة الاستقرار والمصالح المشتركة بلا استعلاء أو عنصرية‏,‏ وثمة حاجة إلي التخلي تماما عن خيارات المواجهة بكل أشكالها والاتجاه إلي خيارات التعاون والتواصل واعادة الحقوق المغتصبة إلي أصحابها‏.‏

المزيد من مقالات د. حسن أبو طالب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.