أصبح المظهر، شئنا أم أبينا، مركزَ حديثِنَا. فنحن نتعامل بذلك في العصر البصري المشبع بالصور، سواء كنا نتحدث عن فكتوريا بيكام أو هيلاري كلينتون. ويرى السوسيولوجي جان بودريلار في كتابه المميز الصادر عام 1979 والموسوم «إغراء» ان «كل خطاب هادف يسعى الى انهاء المظاهر»، ولكنه يستمر في ملاحظة «انه أيضا مهمة مستحيلة». وظلت المظاهر على الدوام مهمة الى حد ما، بالنسبة للنساء اكثر مما بالنسبة للرجال، على الرغم من هذا التمايز يتلاشى سريعا. ففي الأزمنة الفكتورية، وقبل وقت طويل من ظهور مشاهد المشاهير ومواقع على الانترنت مثل fulplasticsurgery.com، كانت الكاتبة تشارلوت برونتي «موضع تعامل متغطرس من جانب زميلها الكاتب البريطاني ويليام ثاكري لكونها امرأة غير جذابة ولملازمتها لبيتها وحتى بعد ان غامرت بمحاولة الخروج من صورة العانس القابعة في منطقة يوركشاير السبخة لتتوجه الى مجتمع لندن. ولم يؤثر كثيرا في تغيير صورتها تلك انها كاتبة تلك الرواية الرائعة «جين اير» او انها أهدت طبعتها الثانية الى ثاكري نفسه. وقبل فترة طويلة من هيمنة مجلات الأزياء على مفهوم المظهر، كان لويس الرابع عشر المتهور يرتدي ازياء مصنوعة من أنسجة مطرزة بخيوط الذهب والفضة ومرصعة بالماس بالتوافق مع التقليد الأخلاقي المسيحي الذي يؤكد على المنزلة المتوارثة عبر الملابس. وفي ذلك الزمن البعيد وقبل غزو الكاميرا لم يكن الشخص يعتبر ذا نسب كريم أو مكانة اجتماعية بسبب شيء من التألق الداخلي أو ناحية الجدارة التي يجسدها. فقد كان يقيم في حينه كما نقيم نحن الآن الى حد كبير، عبر اسلوبه ومظهر أزيائه. وفي الوقت الحالي نقوم باستمرار بتفحص الشخص خلف المنصة لمعرفة كيفية توافقه مع الصورة التي نتخيلها عنه، كما لو أننا نفكر بتكليفهم للعب في فريقنا. والزعامة سلعة والناخب بات مشتريا. والنتيجة هي ان السياسة الواقعية تبدو على نحو متزايد مثل ذلك العرض التلفزيوني القديم الموسوم «قول الحقيقة» الذي يتظاهر فيه ثلاثة متنافسين بأن يكونوا الشخص نفسه الى أن يطلب أخيرا من الشخصية الفعلية، ولنسمها هيلاري كلينتون، الوقوف. وعندما يصل الأمر الى السياق البديل للواقع السياسي، قد يستسلم المرء ويقبل بحقيقة الوهم. فما معنى فكرة «التكامل»؟ والى أي حد يمكن أن يكون الشيء زائفا؟ وهل سيؤثر ذلك خصوصا في المجال السياسي، حيث المظهر الزائف هو كل شيء، والمصداقية غالبا ما تكون في التفاصيل وليس في الرسالة؟ وربما كان رد ماري انطوانيت «دعوهم يأكلون الكعك» على جماهير الجياع أكثر حقيقية بالنسبة لشخصيتها من ملاحظة بيل كلينتون المحسوبة «أشعر بألمك»، ولكن ذلك لا يجعلنا نعجب بها اكثر او به أقل. ونحن مرتابون بل ومعادون لأشخاص يقللون من قيمة تعاطفاتهم أو يظهرون بمظهر المحافظين. فالرزانة لا تحلق بالطريقة ذاتها كما كانت في السابق، عندما كان وجه ابراهام لنكولن يوحي بتاريخ الصراع الداخلي حول شؤون الدولة. وحقيقة الأمر ببساطة هي اننا لا نستطيع ان ننعم النظر في أرواح الآخرين. بل لا يمكننا أن نرى أجنداتهم المباشرة في حفل عشاء. ومن السهل اتهام أولئك الذين يفترضون التعليق على خزانة الملابس أو الشعر او مستحضرات تجميل النساء في الحكومة باعتبارها تخفق في تقدير الذكاء او استقامة الرأي. ولكنها حجة ترتبط بالامنيات وموقف حول حقيقة اننا نعيش في ثقافة موجهة الى السطح والمظهر بشكل كبير يؤثر على طريقة فهمنا لأولئك الذين يمكن أن يكونوا مسؤولين عن حياتنا. ويجري توريط النساء اكثر من الرجال في لعبة السياسة والمظهر. فبعد فترة قصيرة من ظهور نانسي بيلوسي في برنامج «مواجهة الشعب» في يناير (كانون الثاني) الماضي أرسلت الكاتبة السينمائية نورا ايفرون مادة على مدونة في الانترنت تعبر فيها عن تسليتها بالشعر القصير لرئيسة مجلس النواب. ويبقى القول ان النساء العاملات في مجال السياسة يحملن معهن اثقالا حقيقية تتعلق بشكل كبير بالمظهر. ولابد من الاعتراف بان التدقيق في المظهر سواء كان ذلك بالنظر الى قصة الشعر او لبس الاكسسوارات، يمنحنا القدرة على قراءة الاخرين. نحن ندرس سياسياتنا بشكل دقيق لأنهن يبقين في أذهاننا حالة شاذة، نحن أقل تعودا لوقوف النساء تحت الأضواء وهنّ يحاولن الحصول على انتباهنا الشديد، وجزئيا يعود إلى أن ملابسهن أقل اعتيادية مما هو الحال مع ملابس الرجال المتماثلة، وهذا ما يقدم فيضا من الفرص لتحليلها: نحن ندرس ظلال قلم أحمر الشفاه ونحن نستمع إلى صوتهن المترقرق عندما يكون في وضع دفاعي، ونحن نستنتج ونتصور ونقبل ولا نحسب أهمية المواقع الرسمية التي شغلنها لأسباب تخلو من المنطق. كتبت كاميل باغليا عن أداء هيلاري كلينتون في بداية النقاش الديمقراطي: «خلال النصف الثاني من وقت النقاش بالغت في استخدام يدها وبدأت بالتدخل عنوة والسيطرة على مجرى النقاش. وما برز في حالة هيلاري هو حالة درامية سيكولوجية لما كانت تقوم به من إرباك لإخوتها العاديين على مائدة الطعام. لم يكن مشهدا لطيفا». هناك طريقة للخروج من هذا المأزق من خلال الاعتماد على مظهرك مثلما هو الحال مع كريستينا فرنانديز دو كيرشنر السيدة الأولى في الأرجنتين والسيناتور والتي تطمح في الرئاسة في انتخابات اكتوبر (تشرين الأول) المقبلة. فملابسها شديدة البهرجة وستراتها الجلدية القرمزية اللون ومجوهراتها تشارك في حملتها الانتخابية. ولو كنت مارغريت ثاتشر، فإن النجاح السهل في كسب انظار الجمهور إليها يحقق باستخدام أحذية ذات كعب واطئ، وسلطة شبيهة بسلطة مربية أطفال، أو مثل المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي تعطيك انطباعا بأنها عالمة وكل ما تحتاج إليه هو نقل عينة ما. وفي وقتنا الحالي، لا يفلت الرجال ايضا من التقييم الدقيق، فجون كيري وما رافق حملته من إشاعات على استخدام حقن البوتوكس قد تسبب في الكثير من المناقشات مثلما كان ملفه المتعلق بحرب فيتنام. وإذا كان الشاعر والاس ستيفنز قد كشف عن 13 طريقة للنظر إلى الشحارير فإن السؤال هو كم طريقة يمكن أن ننظر فيها إلى ربطة العنق فيما إذا كانت حمراء براقة خاصة بالجمهوريين أم هي زرقاء بخطوط مثلما هو الحال مع ربطات الديمقراطيين؟ ولعل ذلك يعيدنا إلى هيلاري وملاحظاتها المنتقدة لربات البيوت، والتي قد تكون ألحقت بحملتها الانتخابية أذى دائما لصورتها. ثم هناك ما يجعل المرشحة التي تحط من قيمة الفنون المنزلية ثم في اللحظة اللاحقة ترقص حول القضية التي تخص بنات جنسها وفيما إذا كان هذا عنصرا أساسيا في حملتها. بمجرد أن تكون قد شعرت بحالة من الاضطراب حينما تمتدح أحذية لارا سبنسر الذهبية أو أن تكشف عن أسرار جمالها غير الموجود وأنظمة الغذاء المتبعة. (النوم الكافي ومحاولة عدم المبالغة في تناول الشوكولاته وإيجاد شخص مناسب متخصص في صبغ الشعر والتعود على التنفس العميق). من هي هيلاري؟ هل سنعرفها حقا ذات يوم؟ فهي موجودة على خشبة المسرح منذ 15 عاما وما زالت غامضة. إنها بارعة في الإدارة المصغرة. ويبدو أنها تزدهر في أن تكون ظاهرة ومجهولة في آن واحد. لكن بدلا من أن نُخدع ينتهي بنا المطاف إلى الانزعاج. تقول إحدى النساء: «إنها تبدو دائما سلبية. ولا تناسبها السراويل أبدا». وتقول سارة ايزلي مالكة متاجر الملابس «الطريقة الغامضة في انتقاء الملابس توازي الغموض في الآراء وتساوي الغموض في المنشأ. فنحن نتساءل «اين هو موطن هيلاري؟» فربما اذا عرفنا ذلك قد يساعدنا في الاجابة عن بعض الاسئلة واكثرها سطحية هو معرفة اسلوب ارتداء الملابس. لماذا لم تختر هيلاري طريقة محددة في ارتداء ملابسها. بدلا من الاسلوب المعتاد بارتداء البنطال والجاكيت الفضفاض فوقه. قد يعكس ذلك عدم ارتياحها بالصورة التي تريد ان تظهر عليها. بل تتحدى هيلاري ذلك الاسلوب بارتدائها اقراطا وحليًّا تليق بكبيرات السن الى جانب ارتدائها ملابس تصلح لمديرة في احدى الشركات وتضيف عليها ابتسامة واسعة غير مقنعة. وترتدي هيلاري ملابسها سواء باسلوبها القديم او الاسلوب المعدل الذي اتخذته أخيرا تفعل ذلك كمن يرتدي لباس الحرب فهناك دائما احساس بالتصميم الحديدي ينبعث منها، وهو ما يقلل من مجهوداتها للظهور بصورة انثوية ناعمة. وخلال كل ذلك نجد انفسنا نحدق في مظهرها محاولين الوصول الى فكرة حول الشخصية خلف ذلك المظهر. فهيلاري تبدو كمن وضع حدودا حول صورتها وحتى تقرر هي الكشف عنها للناس سنظل مشغولين بمحاولة معرفة ما اذا كانت قد اجرت عملية تجميلية لعينها او اذا ما كان مظهرها يتجه للطريقة الهيبية او اكثر او اقل انثوية. ولكن من المؤكد لنا ان هيلاري لا تعرف كيف تبرز شخصيتها من خلال ملابسها فهي تجرب وتغير على الدوام كمن يقبع في غرفته يحاول الوصول الى الابتسامة المثالية التي يجب ان يواجه بها العالم الخارجي. ويبقى القول ان الشيء الوحيد الذي يبدو حقيقيا في هيلاري كلينتون هو طموحها.