بعد كل تلك التضحيات وكل القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين والمعتقلين، خرج الدبلوماسي القدير مبعوث العرب والعالم إلى سوريا باقتراح يبدو مرفوضاً سلفاً، لكن تم طرحه وتداوله وإشغال العالم والإعلام به خلال الأيام لماضية، وهو الاقتراح بإيقاف الاقتتال بين قوات النظام السوري والمعارضين خلال عيد الأضحى المبارك! وكأن الإبراهيمي لم يشاهد الأفلام التي شاهدها الملايين على اليوتيوب والتي تصور كيف كان أتباع النظام يقطعون رؤوس معارضيه بالسكاكين والسيوف ويفصلون رؤوسهم عن أجسادهم كما تنحر الخراف في العيد! وكان ذلك في بداية الأزمة السورية، فما بالنا باليوم وقد أصبح الثأر أكبر والجرح أعمق والرغبة في الانتقام أشد؟! ما يمكن أن يفعله الأخضر الإبراهيمي هو شيء من أمرين؛ إما أن ينقذ الشعب السوري من بطش النظام أو يتوقف هو عن هذه المهمة، أما هذه الأفكار التي تبدو سوريالية في وضع تراجيدي عميق كالذي في سوريا اليوم، فلا داعي لأن يضيع العالم وقته في الحديث عنها ومناقشتها وإزعاج الشعب السوري بها... فما يحدث في سوريا هو حرب بكل معنى الكلمة، فالقتل اليومي. والتدمير، والتخريب، وإثارة الفتن بين مكونات الشعب وطوائفه، وتدمير المواقع المهمة، السياحية والتاريخية والدينية، وتشريد الشعب... كل ذلك يجعل من غير المنطقي طرح "مبادرة العيد". ومن السذاجة الاعتقاد بأن الشعب السوري مشغول بالتفكير في الاحتفال بالعيد... فكيف يحتفل شعب ويفرح، وفي كل بيت قتيلٌ أو جريحٌ أو سجيٌن أو مفقودٌ أو مغتصبةٌ؟! وفي كل بيت أم فقدت طفلها أو طفلة فقدت أمها أو ولد فقد والده؟! عيد السوريين سيكون -كما هم يرددون دائماً- بانتهاء الظلم وعودة الأمن والاستقرار إلى بلدهم واسترجاع حريتهم، وفي ذلك يجب أن تبذل الجهود الدولية، وفي ذلك يفترض أن يفكر الإبراهيمي وفريق عمله ومن ورائهم المجتمع الدولي والمجموعة الإقليمية. الولاياتالمتحدة والجامعة العربية وتركيا، وحتى أحمدي نجاد... الجميع رحّب بمبادرة الإبراهيمي لوقف إطلاق النار، وكلهم وافقوا عليها، إلا النظام السوري فإنه لم يوافق، وهذا طبيعي لأنه يدرك بأنه لا قيمة لوقف إطلاق النار في يوم واحد، وبأن هذه محاولة لتسجيل "إنجاز" للجامعة العربية والمجتمع الدولي الذي فشل في تقديم حلول منطقية للأزمة في سوريا. فعندما سئل الإبراهيمي منذ أيام، بعد لقائه مع الرئيس السوري، عن رأي النظام في سوريا حول المبادرة، رفض الكشف عن رد الأسد على موضوع "هدنة عيد الأضحى". فكرة المبعوث العربي والدولي حول هدنة العيد أقل ما يقال عنها: "تمخض الجبل فولد فأراً"، فبعد أن كان العالم والسوريون في الداخل والخارج ينتظرون مبادرة تنصف الشعب وتنهي معاناته، إذا بهم يسمعون من يتكلم عن هدنة "يوم واحد" ثم تعود الأمور إلى ما هي عليه! وكأن الشعب السوري سيكون قادراً على نسيان معاناته اليومية، أو وضع سلاحه ساعة لتباغته قوات النظام بهجوم لا يعترف لا بيوم عيد مبارك ولا بشهر محرم. يدرك الجميع أن مهمة الإبراهيمي صعبة، وأن حل الوضع السوري يصطدم بمصالح دولية وإقليمية، فبعض دول المنطقة رغم اختلافها مع نظام الأسد وتعاطفها مع الشعب السوري في تطلعاته، إلا أنها لا تريد نهايةً أو نجاحاً للثورة السورية، أملاً منها في أن تتوقف "أحجار الدمينو" عن السقوط فتتوقف في دمشق حتى لا تصل إلى عواصم أخرى. ولا يبدو هذا الموقف مقبولاً "أخلاقياً" في ظل استمرار القتل اليومي والقصف المتواصل الذي أصبحت تشارك فيه بالدبابات والطائرات الحربية. التصريحات السياسية التي تنطلق بين الحين والآخر كلها تجمع على أن الوضع في سوريا صعب وأن الحل فيها غير واضح... فهل يتغير موقف المجتمع الدولي بعد الانتخابات الأميركية، خصوصاً بعدما سمعناه خلال المناظرة الأخيرة بين المرشحين أوباما ورومني، فقد كان تعليق كلا الرجلين واضحاً على الأزمة، فأوباما اعتبر أن أيام الأسد باتت معدودةً، أما رومني فقال إنه يؤيد تسليح المعارضة السورية... فهل هذا يعني أن فوز أي من الرجلين يعني اقتراب نهاية الأزمة في سوريا؟ أم أنها دعاية انتخابية تتلاشى مع الإعلان عن الفائز برئاسة الولاياتالمتحدة؟ هكذا يتساءل الجميع لكن في الوقت نفسه يأملون في أن يصبح للإدارة الأميركية موقفاً أكثر وضوحاً في هذه الأزمة وبالتالي يتجاوز المجتمع الدولي حالة التفرج التي يمارسها على الوضع السوري منذ أشهر دون اتخاذ أي موقف يعكس ادعاءه بالاهتمام بالإنسان وحقوقه أو يبرز رغبته في حقن دماء المدنيين الأبرياء... فكل الجرائم التي ترفضها دول العالم المتحضر والتي ترصدها المنظمات الدولية المعنية بالإنسان وحقوقه والطفل والمرأة والإعلام أيضاً، تم اقترافها على أرض سوريا دون أن نرى في المقابل من يحرك شعرة في تلك الدول والمنظمات، وهذا أمر يبدو مستنكراً، لاسيما وأن تلك الدول والمنظمات تتحرك وبشكل قوي في مناطق تكون أقل خطراً وأقل خسائر في الأرواح، وهي تبذل جهوداً خرافيةً من أجل إنهاء الأزمات! لا يبقى إلا أن نتمنى عيداً هادئاً لإخوتنا في سوريا، ونتمنى أن تنتهي أزمتهم في أسرع وقت وتستعيد سوريا أمنها واستقرارها وتقر أعين الشعب السوري بالهدوء في وطنهم. نقلا عن صحيفة الاتحاد