د. عماد صبحي:في بلادنا تجلس الأم طفلها في حجرها فيستكين في هدوء ودعة تهدهده قليلا ثم تمسك بيده الصغيرة الرقيقة بين يديها الحانيتين` وتروح تهمس في أذنه آدي البيضة وآدي اللي سلقها وآدي اللي قشرها وآدي اللي أكلها وآدي اللي قال هات حتة لماما تقول الجملة الأخيرة بسرعة خاطفة وتدغدغه وهي تضحك، بينما يصرخ الطفل من السعادة والفرحة الجارفة بمداعبة أمه. اذن فهذه هي البيضة.. بيضة الموسم وكل موسم.. بيضة الربيع التي يقبل عليها كل الناس فيسلقونها ويلونوها ويأكلوها مع باقي الأكلات التقليدية في الربيع وأعياده.. ولكن ماهي حكاية البيضة ؟ 1-تلوين البيض عادة قديمة إن علاقة البشر بالبيض قديمة جدا وبالاضافة لكونه غذاء هاما فقد لاحظوا فيه قدرة الخالق على تجديد الحياة حتى أن عادة تلوين البيض ترجع لآلاف السنين عندما كانت البيضة رمزا مقدسا للحياة المختبئة خلف قشرتها حيث الغموض والمجهول وفي مصر القديمةكانت الصلوات والأدعية المرتبطة بالحياة غير المولودة بعد وغير المرئية الراقدة داخل البيضة ترفع لها باستمرار. والبيضة رمز الخصوبة والميلاد لذا أصبحت علما على الربيع فصل الخصوبة والدفء والنماء. عرف المصريون القدماء تلوين البيض واعتادوا اهداءه للأصدقاء كرمز للحياة المتجددة حيث أنهم كانوا يؤمنون أن الأرض نفسها فقست من بيضة عملاقة. وحسب معتقدات المصريين القدماء عن الخلق كان المحيط موجودا أولا ثم جاء "رع" الشمس من بيضة ظهرت على سطح الماء. وأنجب "رع" أربعة آلهة منهم "جب" الذي أصبح الأرض ذاتها، ومنها ارتفعت الالهة "نت" التي أصبحت السماء. ولإيمان المصريين القدماء بالخلود أطلقوا اسم البيضة على الأكفان الداخلية التي تغطي أجساد المومياوات حيث تنبعث منها الحياة الجديدة للمتوفى. 2-أنواع البيض وعندما نذكر البيض يتجه معظمنا بتفكيره إلى بيض الدجاجف ولكن الحقائق تقول أن هناك أكثر من 8000 نوع من الطيور في العالم تضع بيضا من كل الأنواع الصغير والكبير رقيق القشرة وصلبها الأبيض والمبرقش والملون الذي تشبه ألوانه البيئة حوله فلا يراه الأعداء، ولكن الطيور البالغة تستطيع تمييز بيضها عن بيض الطيور الأخرى. بعضها يضعه في فجوات بالأشجار، والبعض يضعه في أعشاش يسهر على حمايتها. وليس كل البيض بيضاوي الشكل، فبعضه مستدير بالكامل وبعضه مدبب من طرفه وذلك لحكمة من الخالق حتى يدور في دائرة اذا تحرك فلا يسقط من مكانه.والبيض الذي نأكله غالبا ما يكون بيض الدجاج. وإذا ما فتحت بيضة نيئة تستطيع رؤية "الصفار" في داخلها، وحوله زلال البيض الذي يكون شفافا قبل الطهو وهو بروتين يسمى بالألبومين. وتحتوي البيضة على كثير من الفيتامينات والمعادن بالاضافة للمكونات الغذائية المختلفة مثل البروتينات عالية النوعية، والدهون التي تمنح الطاقة وفيتامينات "أ" و"ب" و "د" والريبوفلافين، والمعادن مثل الحديد والكالسيوم والبوتاسيوم، وتحتوي البيضة على 80 سعرا حراريا. وبالرغم من سمعة البيض السيئة كغذاء غني بالكوليسترول الا أن الجميعة الأمريكية لأطباء القلب تسمح بأكل بيضة يوميا بدون أن يشكل هذا خطرا على مرضى الكوليسترول المرتفع ومع ذلك ولمن يخشون من كوليسترول البيض فان بياض بيضتين يساوي بيضة واحدة كاملة حيث أنه خال تماما من الكوليسترول ويحتوي على ماء بنسبة سبعة أثمان وعلى بروتين بنسبة الثمن. 3-البيض يحمي من سرطان الثدي ويبدو أن البيض سيظل سببا للفرحة والدهشة حتي في أيامنا هذه، حيث اكتشف العلماء مؤخرا أن أكل البيض يمكن أن يحمي النساء من سرطان الثدي. فقد أعلن الباحثون في أمريكا أن هناك دليلا على أن الفتيات الصغيرات اللاتي كن يأكلن البيض بانتظام يتعرضن بنسبة أقل لسرطان الثدي في المستقبل. كما أظهرت الدراسة أن أنواعا أخرى من الغذاء قد يكون لها نفس الفائدة الوقائية مثل الزيوت النباتية والألياف. وأضاف العلماء أن الأدلة تتزايد في اتجاه أن الطعام قد يلعب دورا هاما في حفز الاصابة بهذا المرض.هذه هي حكاية البيضة التي أدهشت الانسان القديم عندما رآها تفقس مخلوقا صغيرا يجدد الحياة، فأطلق اسم البيضة على الأكفان الداخلية للمومياء متمنيا البعث والحياة لمن بداخلها، وأبهجته عندما رأى في داخلها قرصا ذهبيا مثل الشمس مصدر الحياة فاحتفل بها واعتبرها رمزا للربيع فصل تجدد الحياة، وفي عصر العلم تدهشنا البيضة مرة أخرى حيث تحمي آكلها من أمراض صعبة..