أهدر الدكتور محمد مرسي فرصة ذهبية لزيادة شعبيته، المتدنية في الأساس عندما لم يوفق في التعامل مع المصاب الجلل الذي لحق بالجنود المصريين. ليت الرئيس مرسي كان قد سمع أوشاهد ما فعله نظيره الكوري الجنوبي "لي ميونج باك" عندما بكى بالدمع الغالي على الهواء مباشرة تعبيرا عن الحزن العميق والأسى في مصاب غادر- مماثل- ألم بكوريا وحلقت معه شعبيته إلى عنان السماء. الرئيس "لي ميونج باك" كانت قد إنتابته حالة غير اعتيادية من البكاء، نقلتها القنوات التليفزيونية، على الهواء مباشرة، مساء يوم الإثنين 19 إبريل عام 2010 وهو بالمناسبة لم يكن وقتها في أول زيارة للمعبد الكبير، ولابين يدي بوذا، كما رأينا الرئيس مرسي وهو يذرف الدمع خشوعا وورعا لله عز وجل، في رحاب الجامع الأزهر الشريف، بل كان الرئيس "لي" يرتدي ثياب الحداد السوداء ويتلو بصوت مبحوح أسماء 46 بحارا وجنديا كوريا جنوبيا لقوا حتفهم في حادث غرق السفينة "تشون آن" بالقرب من خط الحدود البحرية الشمالي بين الكوريتين. ظهور الرئيس "لي ميونج باك" على هذا النحو الباكي، وقد أبكى معه شعبه والمشاهدين عموما- هو نموذج ودرس رائع لكيفية توحيد مشاعر الأمة تجاه المصائب والملمات ومن ثم ضمان وقوف الشعب خلف قيادته عند إتخاذ أي قرار مهما تكن خطورته. هذا ما كنت قد كتبته بالنص في مقال لي بعنوان "عندما يبكي الرئيس" في زاوية "سياسة خارجية" يوم 22 إبريل عام 2010 بالأهرام. وقد أثار نشر المقال في ذلك التوقيت ردود فعل متعددة، لما كان يحتويه بين السطور من مغزى ومعنى، منها ما كتبه وقتئذ الأستاذ الكبير فهمي هويدي، في زاويته بالزميلة الشروق، في أول مايو 2010 تحت عنوان "أسئلة العبارة مجددا" وجاء فيه: لو أن كارثة عبارة الموت التي غرق فيها أكثر من ألف مواطن مصري وقعت في كوريا، ماذا كان سيحدث؟ نقل الأستاذ فهمي هويدي فقرات مما كتبته في مقالي المذكور وكيف ظهر الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونج باك على شاشة التليفزيون مرتديا ثياب الحداد السوداء باكيا، وليختتم مقاله المنشور في ذلك الوقت بقوله: "اختلط لدي الحزن بالحسرة حين وقعت على القصة في جريدة الأهرام، في ثنايا تعليق لزميلنا الأستاذ كمال جاب الله، الخبير في الشئون الآسيوية، ليس فقط تأثرا بموقف الرئيس الكوري، ولكن أيضا لأنني تذكرت أن مسئولينا حرصوا على متابعة مباراة كأس إفريقيا في كرة القدم، مباشرة بعد غرق العبارة في البحر الأحمر، انتابني الشعور بالحسرة حين قارنت بين المشهدين ووجدت أنهما يجسدان الفرق بين نظام لا يحتاج للناس في وجوده واستمراره، وآخر يستمد شرعيته من قبول الناس ورضاهم". ما أشبه الليلة بالبارحة، فبعد منتصف الليل، وعقب مرور 10 ساعات على العدوان الإرهابي الخسيس على خير أجناد الأر ض، ظهر الرئيس محمد مرسي على الشاشة الصغيرة، في ثوب الداعية، وأدلى بتصريحات لا تتناسب لهجتها مع الدماء الغزيرة التي سالت في رفح، تصريحات وصفها الكاتب الكبير جمال الغيطاني بأنها كانت "كلمات إنشائية عادية يمكن أن تقال في حادثة تصادم قطار مع توك توك في مزلقان جانبي، بالإضافة إلى سرد كلام إنشائي عن سيناء الآمنة.. آمنة كيف.. وعصابات التطرف تنشط في مرتفعاتها ووديانها"!! زاد الطين بله، أن الرئيس مرسي ظهر في صورة ضوئية، انتشرت على نطاق واسع، وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، في ثاني يوم للعملية الإرهابية، وهو في غاية السرور والحبور، في خلال لقائه مع رئيس مجلس الوزراء الليبي الزائر. بل إن الرئيس ارتكب خطأ سياسيا فادحا عندما لم يذهب أصلا للمشاركة في جنازة شهداء الجيش، وسط تكهنات ومخاوف ترددت وقتها، ليس من ضمنها احتمال تأثره البالغ عند سماع عويل الثكالى وهي تصيح بأعلى الصوت "حق ولادنا فين" لدرجة ممكن أن تجعله يجهش في البكاء، كما يفعل عادة وهو في المسجد بين يدي الله سبحانه وتعالى. لم يذهب الرئيس حسب التكهنات لإمكانية تعرض موكبه لمكروه مثلما جرى لدولة رئيس وزرائه، مما جعل الكاتب الموهوب بلال فضل يكتب عبر تويتر: "إذا كان مرسي لم يحضر الجنازة بسبب تحذيرات أمنية، فعليه أن يقيل كل القيادات التي لا تستطيع أن تؤمن رئيسها، أو يستقيل أكرم له من هذه المهزلة.. حركة فتح الصدر للقميص الواقي كان أولى بيها الجنازة.. على الرئيس أن يغير مستشاريه وأن يتحدث للناس لأن صمته أصبح ضد الوطن كله وليس ضده فقط". نهايته، تلاحظون أنني لم أكتب عن حادث الاعتداء الخسيس وملابساته وأبعاده، وإن كنت متأكدا، وبنسبة مليون في المائة، أن جريمة الاعتداء على جنودنا من صنع المخابرات القذرة وبالذات الموساد والسي أي إيه وعملائهم، وهي في الوقت نفسه حصيلة فاتورة باهظة التكاليف من دم أبنائنا ندفعها وسوف نظل ندفعها طالما إستمر التخلف والفساد والاستبداد والإهمال الجسيم. نقلا عن جريدة الأهرام