بعض الناس يرى ان السياسة حوار وأفكار وجدل ومعارك وان السياسي رجل يجيد الظهور على الفضائيات ويستطيع الحديث في كل شيء وأي شيء.. وان السياسة هي الممكن والمستحيل وإنها لعبة جميلة لكل من يسعى إلى السلطة أو الأضواء حتى ولو كان يعاني فقرا في المواهب والقدرات وان أسواق السياسة تفرز لكل زمان ما يستحقه من الوجوه.. هذا الفهم للسياسة ودنياها الواسعة يختلف تماما عند قلة من البشر ترى ان السياسة تعني مواجهة هموم الناس وحل مشاكل البشر وتوفير أكبر قدر من الإكتفاء ولا أقول الرخاء لأبناء المجتمع.. هذا الطرح يجعلني دائما أرى ان السياسة في أبراجها العاجية ومناصبها الزائلة وبريقها الكاذب مجرد لعبة لا تتناسب مع مسئولية أكبر هي سعادة أبناء البشر.. من هذا المنطلق أشاهد الآن الشارع المصري واتوقف عند أزمة واحدة يعاني منها 90 مليون مواطن مصري تختلف درجات ثقافتهم ومواقعهم الاجتماعية وادوارهم في الحياة إنها أزمة واحدة ولكنها تهدد مجتمعا بالكامل هذه الأزمة هي أزمة الوقود بما في ذلك أجنحته الخمسة البنزين.. والسولار والمازوت.. والبوتاجاز والغاز والكهرباء.. لا أستطيع ان اضع هذه الأزمة في إطارها الاجتماعي والاقتصادي والسلوكي فقط ولكنها أزمة سياسية في الدرجة الأولى لأنها في تقديري تعني أشياء كثيرة.. منذ شهور طويلة ومصر كلها تتحدث عن أزمة الوقود.. كانت طوابير البشر تقف بالساعات امام محطات البنزين.. وكان البنزين يباع في البيوت وليس في المحطات.. وتوقف آلاف السيارات في الشوارع وارتبكت حركة المرور.. وكان من السهل جدا ان تجد مريضا مات في سيارة أو تأخر وصوله للمستشفى أو ان تجد المظاهرات تجتاح الشوارع وتهتف ضد الحكومة.. على الجانب الآخر تجد أزمة السولار والمخابز التي توقفت عن إنتاج رغيف الخبز أو سيارات الديزل التي لم تعمل منذ فترة في نقل البضائع للأسواق أو المواني تصديرا واستيرادا.. وما بين البنزين والسولار كانت أزمة البوتاجاز ومحنة الحصول على أنبوبة بأي سعر حتى وصل سعرها إلى 60 جنيها ولنا ان نتصور بيتا لا يملك انبوبة بوتاجاز لإعداد طعام أوخبز أولبن للأطفال. وكانت الطامة الكبرى هي ماحدث للكهرباء حيث ارتبكت شبكات الكهرباء في كل ارجاء مصر وبدأ إنقطاع التيار الكهربائي وسط حرارة الجو التي تجاوزت 40 درجة مئوية لن أتحدث هنا عن الملايين من البشر الجالسون في بيوتهم أو مكاتبهم أو مستشفياتهم في هذا الحر القاتل بدون تكييف.. ولكنني سأتحدث عن محطات المياه التي توقفت بسبب انقطاع التيار الكهربائي وأصبحت البيوت بلا نور ولا ماء ولا هواء.. أتحدث عن المواصلات التي تعمل بالكهرباء واهمها وأخطرها مترو الأنفاق.. أتحدث عن مستشفيات في الأرياف لا توجد فيها مولدات كهربائية ويمكن ان ينقطع التيار وبين يدي الطبيب مريض يموت.. اتحدث عن ألآف المصانع التي توقفت.. والآف من وسائل الإنتاج لا تعمل.. أتحدث عن السياحة والسياح الذين لا يجدون الماء ولا النور وهم يدفعون ملايين الدولارات، أتحدث هنا ايضا عن قضية الأسعار حين يختفي البنزين والسولار وترتفع أسعار الخبز والخضراوات واللحوم وقبل هذا أسعار المواصلات حتى تكدس مئات الآلاف في محطات السكك الحديدية في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان.. امام هذه الأزمة الخطيرة إنتشرت ظواهر التهريب والسرقة والإضرابات والمظاهرات في الشوارع وبدأت عمليات قطع الطرق والاستيلاء على الوقود في أي مكان يظهر فيه كل هذه الظواهر تؤكد اننا امام أزمة سياسية ولسنا فقط امام مشكلة نقص الوقود.. ان هذا الواقع يجعلنا نتساءل لماذا اجتمعت كل هذه الظواهر في وقت واحد.. كان من الممكن ان يختفي البنزين ويظهر السولار.. أو ان ينقطع التيار الكهربائي ويبقى البوتاجاز ولكن ان يحدث ذلك كله وفي وقت واحد فهذا يجعلنا نتساءل.. هل هو عمل مقصود ان تصاب كل وسائل الحياة بهذا العطل في وقت واحد وما هو الهدف من ذلك.. هل هو للتأكيد على فشل الحكومة في أداء دورها أم هو إجراء مسبق للتأكيد على فشل السلطة الجديدة التي اختارها الشعب.. أم ان الهدف ان يشعر الناس بالكوارث التي جاءت بها ثورة يناير وتكون النتيجة كراهية شديدة للثورة والثوار وبكاء دائم على العهد البائد وياليتها دامت أيام. هل الهدف ان يصاب المصريون بحالة من الإحباط والإكتئاب والحزن تنسيهم تلك اللحظات التي خرجوا فيها إلى النور وإستعادوا روحهم الضائعة وعليهم ان يعودوا لظلامهم القديم مرة أخرى. كيف يحدث هذا الإرتباك الشديد في أهم عنصر تقوم عليه حضارة العصر الحديث في الخدمات الإنسانية وهو الوقود بجميع انواعه ولماذا ظهرت كل هذه الأزمات في وقت واحد. كيف يحدث هذا النقص ونحن نصدر الكهرباء لأكثر من دولة ونبيع الغاز لإسرائيل ولدينا السد العالي وعشرات من محطات الكهرباء الحديثة.. نحن نتحدث كل يوم عن إكتشافات بترولية جديدة فأين هذه الإكتشافات ولمن تذهب.. واين الغاز الذي يتفجر كل يوم في البحر والصحراء. والسؤال الأخطر ماذا يحدث للمصانع الكبرى التي تستهلك الوقود وتحصل عليه بأسعار أقل مما يدفعها ملايين الفقراء.. هل يمكن ان نمد الكهرباء والغاز والسولار إلى المصانع الكبرى والفنادق والأحياء الراقية بينما يعاني فقراء مصر الظلام الدامس والموت البطئ والأسعار الخانقة.. إن نقص الوقود في مصر بهذه الصورة الفجة ليس أزمة إقتصادية عابرة إنها جريمة لابد من البحث عن اطرافها الحقيقية التي تسعى إلى تدمير حياة هذا الشعب وإفقاده القدرة على الإنتاج والعمل وتحرير الإرادة والمقاومة.. لقد عادت مواكب العمل والإنتاج إلى الاقتصاد المصري.. وعادت أفواج السياح تنتشر في كل مكان.. وارتفع حجم الاحتياطي في البنك المركزي وعادت حالة الاستقرار تسود المحروسة بدرجة ما فلماذا تخرج علينا من وقت لآخر أزمة عاصفة تهز كيان المجتمع حدث هذا مع البنزين.. ثم السولار.. ثم البوتاجاز والآن تفجرت أزمة الكهرباء وهي الأخطر لأنها تهز أرجاء مصر كلها.. ان الغريب في الأمر ان قطاع الكهرباء كان من القطاعات التي انفقت عليها الدولة اموالا طائلة وكلنا يعلم ان فواتير الكهرباء تحولت إلى كارثة عائلية كل شهر فقد رفعت وزارة الكهرباء الأسعار عشرات المرات في السنوات الماضية فأين ذهبت كل هذه الأموال ولماذا هذا الإصرار على إظلام وطن أضاءته ثورة مازالت حديث العالم. إن الخبثاء يقولون ان السبب في ذلك واضح ومعروف وهو إجهاض أي بادرة نجاح لجماعة الإخوان المسلمون في مشروعها لإدارة شئون البلاد وان مثل هذه الأزمات تعني فشل تجربتهم في السلطة.. هؤلاء يقولون ايضا ان مثل هذه الأزمة سوف تؤثر سلبا على الإنتاج والتصدير والأسعار وسوف تقلب موازين الشارع المصري مرة أخرى وسوف يتبع ذلك بالضرورة دموع غزيرة على العهد البائد وايامه السوداء ورموزه الضاله أو ثورة جديدة تطالب بتغيير كل شئ. هناك ايضا من يرى ان توقف المعونات الخارجية ومنها الغاز والبنزين و السولار كان ايضا وسيلة من وسائل الضغط على الشعب المصري وعقابا له على ثورته التي يخشى الكثيرون ان تمتد إلى مناطق أخرى وبلاد أخرى. هناك رأي ثالث يرى ان فلول الحزب الوطني ورموز العهد البائد هي التي تقف وراء هذه الأزمات حيث تتحكم في الأسواق وتقوم بعمليات التهريب خاصة من يملكون محطات البنزين والغاز والسولار ومنهم أسماء معروفة من بقايا العهد البائد تعرفها الحكومة وان هؤلاء يخربون الاقتصاد المصري بكل الوسائل المشروع منها وغير المشروع وعلى الحكومة ان تراجع أسماء كبار العاملين في هذه الخدمات في كل أرجاء مصر.. وإذا كان ذلك امرا جائزا في تجارة البنزين والسولار والبوتاجاز فماذا عن محطات الكهرباء الكبرى وهي ملك للدولة ولها وزارة ووزير مسئول فهل تعمل وزارة الكهرباء لحساب النظام السابق وفلول الوطني المنحل. الخلاصة عندي ان الحديث كما قلت عن ازمة الوقود ليس حديثا عن ازمة طارئة ولكنه يمكن ان يمهد لأشياء أكبر وأخطر.. إن الوقود هو العنصر الأساسي في الحضارة الإنسانية المعاصرة ولا شيء في هذا الزمن يعمل بلا كهرباء أوغاز أو بنزين ومن أجله قامت الحروب ودارت المعارك واحتل الغرب الشعوب.. من أجل الوقود تعسكر القوات الأمريكية في الخليج بقواعدها العسكرية وسفنها الحربية وتستعد امريكا لضرب إيران وتهدد إيران بإغلاق مضيق هرمز ومن أجل الوقود إحتلت امريكا العراق صاحبة أكبر مخزون نفطي في العالم ودفعت امريكا آلاف الملايين من أجل إنتاج الطاقة البديلة ولم تنجح حتى الآن.. وإذا كان الوقود هو صاحب أكبر رصيد من الأزمات على مستوي العالم في العصر الحديث مهما كانت مصادره فإن أزمة الوقود في مصر أزمة سياسية تدخل في سياق ما تتعرض له مصر الوطن والثورة والمستقبل من مؤامرات وتصفية الحسابات.. من الخطأ أن نقرأ أزمة الوقود الحالية في مصر قراءة ساذجة ونقول إنها مشكلة جماهيرية عارضة مثل كل المشاكل والأزمات لإنها في الحقيقة واحدة من الأوراق السياسية المهمة والخطيرة التي تعبث بصورة علنية في أرض الكنانة.. أزمة الوقود ليست انبوبة بوتاجاز فارغة أومحطة بنزين لا تعمل أومحول كهرباء خارج الخدمة أزمة الوقود اقتصاد دولة واحتياجات شعب وسياسات عاجزة وقبل هذا كله إرتباك في آداء مؤسسات الدولة. .. ويبقى الشعر ركب الزمان يطوف في عبراتي وأنا أراك تطل من عرفات وأمامك التاريخ يسجد خاشعا والحق حولك شامخ الرايات وتودع الدنيا بوجه مشرق فيه الجلال.. ونبل كل صفات تبكي الجموع وأنت تهمس بينها قد لا أراكم في الحجيج الآتي لكنني أودعت في أعناقكم قرآن ربي.. سيرتي وحياتي لا لن تضلوا إن تمسكتم به فخلاص هذي الأرض في آياتي ويطل وجهك خلف ستر خافت فتري حشود الحق في الصلوات وتري الوجوه وقد أضاء جلالها والد هر يكتب أقدس الصفحات وتصيح فيهم أن غاية ديننا طهر القلوب ورفعة الغايات فجر الضمير رسالتي لا ترجعوا للكفر بعدي.. في ثياب طغاة لا تقربوا الأصنام بعدي إنها بيت الضلال.. وآفة الآفات ولتعبدوا الرحمن ربا واحدا فعلي هداه تفجرت صيحاتي الله خالق كل شيء فاجمعوا أشلاءكم بالحق والرحمات وحدت أشلاء.. جمعت شراذما وجعلت من طلل الشعوب بناتي الظلم في ركب الحياة ضلالة والعدل نور الله في الظلمات والذم في وجه الحياة جريمة وتميمة للرجس واللعنات والحق أولي أن تصان حصونه ليظل تاج الأرض والسموات والأرض عرض والدماء محارم ونقاء مال المرء بالصدقات حرية الإنسان غاية ديننا وطريقنا في كل فجر آتي ونساؤكم في كل بيت رحمة تاج العفاف وسام كل فتاة والعدل دستور الحياة فإن مضي هرعت حشود الظلم بالويلات والحكم عدل والشرائع حكمة والنفس عندي أكبر الحرمات أهل الكتاب لهم حقوق مثلنا في الأمن.. في الأوطان.. في الصلوات الله ساوي الخلق وحد بينهم في العيش.. في الأنساب.. في الدرجات أما الحياة وديعة في سرها هل يستوي الأحياء بالأموات ؟ ويل لأرض مات فجر ضميرها موت الضمائر قمة المأساة لكنني أيقنت أن رسالتي فيها الهدي من خالق السموات بلغت يا الله فاشهد أنني لم أنسي حق رعيتي ورعاتي زوروا المدينة.. وأذكروني عندها من زار قبري صافحته حياتي أنا لم أكن إلا رسولا قد خلت قبلي رسالات وهدي عظات بشر انا.. ما كنت ربا بينكم بل كنت فجرا لاح في لحظات وأفاض في الدنيا.. وأيقظ أهلها بالحق.. والتنزيل.. والآيات فإذا بدا في الأفق غيم عابث صلوا علي.. وأكثروا الصلوات "من قصيدة على باب المصطفى سنة 2010" نقلا عن جريدة الأهرام