بينظير بوتو :أدرك تماما المخاطر التي تنتظرني عند عودتي إلي بلادي, فأنا مهددة بالاعتقال والاغتيال, ولكني عائدة من المنفي لأفعل ما يجب علي فعله وأناضل من أجل تحقيق تطلعات الشعب الباكستاني الديمقراطي. كانت هذه كلمات بينظير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة في تصريحاتها الأخيرة لوسائل الإعلام, مؤكدة بذلك الشائعات والتكهنات التي أثيرت مؤخرا حول اتفاق وشيك بين الحكومة الباكستانية وحزب بينظير يسمح بعودتها إلي البلاد بعد إسقاط تهم الفساد الموجهة إليها, وهذه التكهنات اثارت الاضطرابات علي الساحة السياسية الباكستانية خاصة بعد تضارب التصريحات بين وزراء ومساعدي الرئيس الباكستاني برويز مشرف. وكان وزير المواصلات الشيخ رشيد أحمد قد صرح في أكثر من برنامج تليفزيوني بأن المفاوضات بين الحكومة وحزب الشعب الباكستاني الذي مازالت بوتو تتزعمه من منفاها في مراحلها الأخيرة, وان كلا الطرفين في حاجة إلي الآخر: مشرف في حاجة إلي دعم سياسي لإعادة انتخابه وحزب الشعب الباكستاني أكبر أحزاب البلاد يعد الخيار الأمثل, كما أن بوتو في حاجة إلي إسقاط التهم عنها لتتمكن من العودة.. بينما نفي وزير الإعلام محمد علي دوراني هذه الاحتمالات تماما, وأكد أن رشيد يعبر عن وجهة نظر شخصية وأن حزب الشعب يمثل ماضيا مظلما ولايمكن عقد اتفاقيات مع الظلام. وكانت التكهنات حول اقتراب عودة بوتو قد أثيرت بعد أن أوقفت الحكومة لجنة خاصة بالتحقيق في أرصدة بوتو الخارجية, ولكن بوتو نفت من جانبها أن تكون أي من التهم أسقطت عنها حتي الآن وأن حزبها لايمكن أن يقبل برئيس هو في نفس الوقت قائد للجيش. وجاء التحول الحكومي الأخير تجاه حزب الشعب كحليف محتمل خلال الانتخابات القادمة والتي ستجري في نهاية العام الحالي بعد الأزمة السياسية الأخيرة التي هددت مشرف بسبب عزله افتخار محمد شودري رئيس المحكمة العليا بعد اتهامه بسوء الإدارة, وهو القرار الذي أدي إلي اشتباكات دامية في كراتشي راح ضحيتها40 شخصا, حيث كان شودري هناك لإلقاء خطاب حول ملابسات إقصائه. وذلك في الوقت الذي يستعد فيه مشرف للتغلب علي احتجاجات متصاعدة ضد توليه فترة رئاسية ثانية مما يجعله في حاجة إلي دعم سياسي من قبل حزب كبير مثل حزب الشعب الباكستاني ليعيد البرلمان انتخابه, حيث لا يمكنه الحصول علي دعم الحزب دون عودة زعيمته. ومن هنا بدأت بوتو تستغل الفرصة وتظهر علي أنها المنقذة وشخصية قادرة علي قيادة باكستان نحو الديمقراطية ومواجهة التطرف والتيار المتشدد الذي بدأ يتغلغل في أنحاء البلاد. وكانت بوتو(53 عاما) قد قضت آخر ثماني سنوات في منفاها الاختياري بين لندن ودبي, بعد أن تعرضت لسلسلة من الأزمات العائلية والسياسية بدأت بمحاولة أخيها مرتضي الاستيلاء علي زعامة الحزب الذي أسسه والدهما ذوالفقار علي بوتو ثم اغتياله عام1996 وهي القضية التي اتهم فيها زوجها علي عاصف زرداي وسجن بسببها وحتي الآن تثبت تهمة القتل عليه, وفي ذلك الوقت صرحت بوتو وأعوانها بأن هذه مؤامرة من تدبير المخابرات الباكستانية لإضعاف العائلة ودفعها للانقسام, وفي نفس العام اضطرت بوتو وحكومتها للاستقالة بعد اتهامات بسوء الإدارة والفساد وهزمت في الانتخابات التي أجريت بعد حل الحكومة بثلاثة أشهر, ثم فضلت مغادرة البلاد عام1998 لتتفادي الاعتقال بعد أن وجهت إليها العديد من تهم الفساد. وبالرغم من كل ذلك فإن بوتو أحد افراد عائلة ذات ماض سياسي حافل ومازالت تتمتع بشعبية كبيرة داخل وخارج بلادها, ويعتقد عدد كبير من مؤيديها أن التهم الموجهة إليها كانت جزءا من مؤامرة سياسية لإقصائها عن الحكم, وإذا سمح لها بالعودة ستتمكن غالبا من تشكيل الحكومة الباكستانية القادمة. وقد تولت رئاسة الحكومة مرتين الأولي1988 إلي1990 وكان عمرها35 عاما وكانت أول سيدة ترأس حكومة في العالم الإسلامي ثم من1993 إلي1996. وكان مشرف قائد الجيش خلال فترة حكمها الثانية ثم استولي علي السلطة عام1999 بعد أن أطاح في انقلاب عسكري بحليفها نواز شريف الذي يعيش أيضا بالخارج هربا من تهم فساد. وبرغم التأكيد والنفي فإن احتمال عودة بوتو وابرام صفقة تمكن مشرف من البقاء علي رأس الدولة لفترة ثانية مقابل تولي بوتو الحكومة يبدو منطقيا حيث صرحت بوتو أكثر من مرة بأنها تفضل إيجاد طريقة سلسة لنقل السلطة بدلا من الإطاحة بالحكومة وأنه من الأفضل تحالف القوي المعتدلة مع بعضها لوقف المد المتطرف, وهو ما يقول عنه بعض المحللين إنه مبالغة من جانبها لكسب تعاطف الغرب. وفي نفس الوقت تشترط تقاعد مشرف كقائد للجيش مقابل مساندة حزبها لانتخابه رئيسا لفترة ثانية. وإذا عادت بوتو في نهاية الأمر فإنها تضع باكستان أمام خيار بغيض وهو القبول بحاكم مدني تحوم حوله شبهات فساد وهو خيار واجهته باكستان من قبل وكأن قدر هذه الدولة الكبيرة التي يصل عدد سكانها إلي160 مليون نسمة وانضمت إلي النادي النووي متساوية بالقوي العظمي العالمية أن تظل علي مدي تاريخها ومنذ استقلالها عام1947 محكومة إما من قبل مدنيين فاسدين أو عسكر مستبدين!.