شهد المجتمع المصرى في الفترة الأخيرة مناقشات ساخنة حول عدد من القوانين التي صدرت فجأة دون تمهيد مثل قانون الخدمة المدنية وقانون مكافحة الإرهاب وكان قد سبقها صدور القوانين الثلاثة المنظمة لانتخابات مجلس النواب والتي عرضت على المحكمة الدستورية للتأكد من مدى مطابقتها للدستور والتي انتهت إلى وجود شبهة عدم دستورية في قانون تقسيم الدوائر وقانون انتخاب مجلس النواب وتأجلت بسبب ذلك انتخابات مجلس النواب لبضعة شهور ومن المحتمل ان تضيع فترات أخرى إذا احتكم المواطنون إلى المحكمة الدستورية بشأن قانون الخدمة المدنية وقانون مكافحة الإرهاب. ترجع هذه الظاهرة السلبية إلى أسلوب اعداد القوانين في الفترة التي جمع فيها الرئيس بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ولم يقتصر إصدار القوانين بهذا الشكل على القوانين المشار اليها فقط بل هناك العديد من القوانين التي صدرت بنفس الأسلوب ولكننا اخترنا القوانين المشار اليها على سبيل المثال. وهناك احتمال كبير ان يطعن بعدم الدستورية على العديد من القوانين التي صدرت في هذه الفترة والتي تجاهلت تماما رأي الشعب في قوانين سوف يكون لها أثر كبير على علاقة المواطنين بالدولة وعلى علاقة الأجهزة التنفيذية مع بعضها. كنا في غنى عن المواجهات التي يشهدها المجتمع المصري الآن حول قانون الخدمة المدنية لو انه عرض قبل إصداره للحوار المجتمعي. عندما يكون هناك برلمان فان مشروعات القوانين التي تعرض عليه تستغرق مناقشتها داخل البرلمان وقتا كافيا ويتناولها المجتمع أثناء مناقشتها في البرلمان بالرأي والنقد ويساعد بذلك الرأي العام على توضيح النقاط الغامضة أو أحكام متعارضة مع بعضها ويستفيد البرلمان من هذا النقاش فتصدر القوانين أكثر نضجا وفي إطار لا يتجاهل الدستور كما هو الشأن حاليا في القوانين المشار اليها. وكان من الأجدى في غياب البرلمان ان تحرص السلطة التنفيذية على عرض مشروعات القوانين للحوار المجتمعي بشرط ان يكون هناك استعداد للاستماع إلى رأي الناس والتجاوب مع مايطرحونه من آراء وإعادة النظر في مشروعات القوانين على ضوء ما يطرحه الحوار المجتمعي من ملاحظات وليس كما حدث في القوانين المنظمة للانتخابات التي الحت القوى السياسية والديمقراطية على الاستماع لرأيها والتجاوب مع مقترحاتها فاضطرت الحكومة إلى تنظيم حوار شكلي حضر جانبا منه رئيس الوزراء وشاركت فيه الأحزاب وأبديت فيه اقتراحات عديدة لم تأخذها الحكومة مأخذا جديا ولم تجر أي تعديلات على مشروعات القوانين الثلاثة وأصدرتها كما هي دون احترام لإرادة الشعب ولا نبالغ إذا قلنا ان أسلوب الحكومة بشأن إصدار القوانين هو الانفراد بصياغتها وايهام الناس انها ستتجاوب مع آرائهم ثم تفاجئهم بان ما أجرته من حوار لم يكن له تأثير يذكر على مشروعات القوانين موضع المناقشة والتي صدرت كما صاغتها الحكومة ولجنة الإصلاح التشريعي التي شكلتها الحكومة لتساعدها في عملية التشريع ولهذا فاننا عندما نقول ان الحكومة مطالبة بإجراء حوار مجتمعي حقيقي حول مشروعات القوانين التي تعدها فاننا نقصد بالحوار المجتمعي تنظيم عدة ندوات ومؤتمرات لابداء الرأي وتركيز الإعلام الحكومي سواء كانت الصحف أو القنوات التليفزيونية أو الإذاعة على تخصيص مساحات كافية ليعرض الشعب رأيه حولها، وان يكون للنقابات المهنية والعمالية ومنظمات المجتمع المدني دور في مناقشة مشروعات القوانين التي تمس أوضاع أعضائها وان تكون الحكومة مستعدة لإعادة النظر في مشروعات القوانين التي تناقش بحيث نتجنب مفاجأة الناس بها على النحو الذي حدث مع قانون الخدمة المدنية الذي اعترضت عليه دوائر واسعة من العاملين بالدولة الذين صدر هذا القانون كما تزعم الحكومة لإصلاح أحوالهم (الإصلاح الإداري) وازاء تعنت الحكومة مع المعترضين وتجاهلها ملاحظاتهم فانهم قاموا بتنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية شارك فيها عشرات الآلاف مما اضطر رئيس الوزراء ان يجلس مع ممثليهم ويعدهم بانه سيراعي في اللائحة التنفيذية للقانون التجاوب مع مطالبهم رغم علمه ان اللائحة التنفيذية لا تستطيع ان تتجاوز أحكام القانون التي يعترض عليها العاملون بالدولة. ومما يدل على خطأ هذا الأسلوب في إصدار القوانين ان وزارة المالية عجزت عن تطبيق الأجر الوظيفي والأجر المكمل في مرتبات شهر يوليو لغموض هذه المصطلحات بالإضافة إلى ان تطبيقها كان سيؤدي إلى انخفاض دخل الموظف الذي يعتبر خطا أحمر بالنسبة للموظفين. ولا تزال المواجهة قائمة فضلا عن التهديد بالإضراب. اما قانون الإرهاب فانه يتضمن العديد من المصطلحات غير المنضبطة كما كان الحال أيام مبارك وسوف يتعرض هذا القانون للطعن في عدم دستورية بعض أحكامه بمجرد تطبيقه. ان الملايين من المصريين الذين ثأروا على نظام مبارك والملايين التي خرجت يوم 30 يونيو للمطالبة بعزل الرئيس مرسي كانت بهذه المواقف تتطلع إلى انتقال مصر من حكم سلطوي أو استبدادي إلى حكم الديمقراطية وأبسط مقومات هذه الديمقراطية ان يكون الرأي للشعب وان تحترم ارادته وتطبيق مواد الدستور المعدل واحترامها في أي مشروع قانون جديد وان يفتح الباب واسعا أمام الشعب ليشارك في كل مجالات الحياة بما فيها العملية التشريعية التي تصدر قوانين تنظم حياة الناس وعلاقاتهم بالدولة وتتجاوب مع تطلعاتهم إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، والأمل كبير في ان تدرك السلطة ان مستقبل مصر الحقيقي ينبغي ألا يتأسس على ممارسات غير ديمقراطية. نقلا عن جريدة الأهرام