كانت افغانستان دوما بحكم مطامع جيرانها فيها لعبة في ايدي القوى الكبرى بل وقد كان ذلك سر وجودها فقد كانت افغانستان من صنع لندن وموسكو في نهاية القرن التاسع عشر حتى تخدم "كمنطقة واقية" ما بين روسيا ذات الاطماع التوسعية والامبراطورية البريطانية. ومنذ سقوط نظام طالبان في كابول في نوفمبر 2001 دخلت الولاياتالمتحدة وحلف الناتو في "اللعبة الكبرى" الجارية الى الان في جنوب آسيا. موقف باكستانوايران الاكثر خطرا في نظر افغانستان موقف لا يخلو من اثر كبير عليها بحكم وصول الولاياتالمتحدة والناتو الى المسرح الافغاني. قد يدهشنا الرئيس الافغاني حميد كارزاي الذي لم يخف انتقاداته تجاه الباكستان عندما يدرج ايران صراحة ضمن قائمة "اعداء" افغانستان قبل بضعة شهور كان كارزاي قد ذهب الى حد اتهام اسلام اباد بالسعي الى "احتلال" بلاده عن طريق المجاهدين الذين ينشطون في الجنوب والجنوب الشرقي لافغانستان بل وحتى على مشارف كابول اذا كانت واشنطن اليوم تتهم طهران صراحة بتسليح طالبان وتدريبهم فان ذلك ليس اسوأ ما في الامر لقد باتت حكومة ايران ، باستعمالها ورقة اللاجئين ، اكثر وطأة على كابول وبالتالي على واشنطن وحلف الناتو من تزويدها الثوار بالسلاح. وكما يقول امين ترزي ، وهو سياسي افغاني "ان ايران ، بطردها اللاجئين الافغان سوف تخلق مأساة انسانية ستكون نتيجتها كشف عجز حكومة كارزاي ، وحكومات الغرب ، على اعادة بناء هذا البلد ونشر السلام والامن فيه". صحيح ان المنظمة الاميركية غير الحكومية "هيومان رايتس ووتش" قد طلبت مؤخرا من طهران ان تضع حدا للتهجير الواسع لللاجئين الافغان". وهي تؤكد ان اكثر من 100 الف افغاني قد طردوا من ايران منذ نهاية شهر نيسان ، وتتهم المعنيين قائلة: "ان عددا من هؤلاء المطرودين يسكنون في الصحراء ، ويعانون نقصا في الغذاء والماء والمأوى. لذلك على الايرانيين والحكومة الافغانية والامم المتحدة ان يخجلوا من فعلتهم" لكن من غير المحتمل ان تتنازل ايران عما يشكل واحدا من افضل اوراقها الرابحة وهو لي ذراع كارزاي واصدقائه ويضيف المحلل قائلا:"ان واشنطن وحلفاءها في الناتو مستمرون في ممارسة الضغط على ايران ولا سيما بسبب برنامجها النووي ومساندتها للارهاب الدولي واختراقاتها لحقوق الانسان. لذلك لن تجد طهران اي ضرر في اثارة مشاكل جمة امام الولاياتالمتحدة وحلفائها" على الجبهة الافغانية. رنجين دادفار سبانتا ، الوزير الافغاني للخارجية ، مقتنع ان "طرد اللاجئين يمثل جزءًا من الضغوط التي تمارسها ايران على حكومة كابول حتى تقاوم محاولات الحلف الاطلسي بتمديد وجوده في افغانستان وحتى تنضم كابول الى طهران فيما يتصل بالملف النووي الايراني". والواقع ان ايران لم تخف قط موقفها ازاء قوات الناتو المتمركزة في افغانستان منذ بعض الوقت وايران تختلق المشاكل غير المتوقعة لحلف الناتو في افغانستان". هكذا يقول بول روجرس ، استاذ العلوم السياسية في جامعة برادفورد ، في بريطانيا ، ويضيف: "ان الكثير من اللاجئين الافغان الذين امضوا سنوات طويلة في ايران ، ظلوا يحتفظون بصلات وثيقة مع طالبان وما ان عادوا الى افغانستان حتى اختار عدد منهم الانضمام الى صفوف الثوار. اما واشنطن التي ما فتئت تنتقد بشدة حكومة ايران لانها استقبلت هؤلاء الافغان فان من الصعب عليها اليوم ان تعترض على ايران حين تطرد هؤلاء اللاجئين". هل يتعين على ايران رفع رهاناتها في افغانستان؟. الحاكم السابق لاقليم "فراح" الواقع على حدود ايران اكد في شهر مارس الماضي بان الايرانيين يدربون "عددا كبيرا من المعارضين السياسيين للحكومة الافغانية في مخيم شمس اباد" للاجئين". وقد صرح مسؤول عسكري في اقليم "نمروز" الواقع ايضا على الحدود الايرانية ، انه شهد"ثلاث اختراقات على الاقل ، للمجال الجوي الافغاني من مروحيات ايرانية". وثمة شيء مؤكد وهو ان ايران بابقائها افغانستان غير مستقرة وبدفع قوات حلف الناتو الى ضرب الثوار في غرب البلاد وليس فقط على الحدود الشرقية ، فانها تسعى للحيلولة دون ان تصبح افغانستان مجالا سانحا لهجمات اميركية محتملة ضد اراضيها.