جازف كثيرا مؤمن المحمدي حينما قرر الكتابة عن موضوع دسم مغرق في القدم والإبهام مثل تاريخ قريش مستخدما اللهجة العامية المصرية. وربما يعتقد القارئ أن مؤمن المحمدي يقصد أن يكتب كتابة ساخرة حينما أدلى بدلوه في تاريخ يلفه شيء من القدسية- كونه أحد فصول تاريخ النبي محمد- لا سيما وأن الكتابة لم تخل من استخدام تشبيهات تحاكي عصرنا الحاضر بل وأمثلة وعبارات وردت في السينما أو المسرح أو حتى في لغة الشارع حاليا. لكن في هذا- إن حصل- إجحافا كبيرا. فهو كتاب جاد مثر للغاية. ويحمل القارئ على التفكير بتجرد وبساطة متسلحا بسهولة الألفاظ وجزالة المعنى وقربه من تفاصيل حياتنا اليوم. فتزول كل الحواجز التراثية والترابية التي تراكمت بفعل الزمن ورمزية المقدس. كتاب ليالي قريش- قبل الميلاد الذي صدر عن دار روافد للنشر والتوزيع في القاهرة يأخذ القارئ بتبسيط شديد في رحلة تاريخية تسير في ظلال المنطق الذي يسوقه المحمدي بين الحين والآخر في دعوة للتفكر في مدى صحة الرواية أو في طرافتها أو غرابتها. خمسون فصلا صغيرا سماها خمسون ليلة تقود القارئ بنعومة في فيافي وقفار صحراء الجزيرة من بداية سبب وجود مكة الديني والجغرافي والاجتماعي والتجاري وبالتالي المنطقي القبائل التي حضرت من بعيد والتي اقتتلت أو تحالفت أو احتالت حتى تحقق مكاسب وكذا الشخصيات المختلفة التي كانت لها بصمات أثرت في مجرى التاريخ في هذه المنطقة. في الكتاب سرد شعبي لما حصل منذ بداية مكة وحتى عام الفيل الذي ولد فيه النبي (570 ميلادي). ويخطط الكاتب لإصدار كتاب آخر مكتوب بنفس الطريقة يؤرخ لفترة ما قبل الدعوة في وقت لاحق هذا العام. وربما يكون من المجحف أيضا وصف الكتاب الواقع في 208 صفحات بأنه حكاية مصاغة للقارئ البسيط وحسب فالكتاب- على بساطة أسلوبه- يتضمن أفكارا تقع في صلب علم التاريخ والكتابة التاريخية. وهو- وإن تحدث بحذر حول حمى النصوص المقدسة الذي يوشك أن يرتع فيه- إلا أنه لم يتجاوز في حق العلم أو الدين.