20 صورة ترصد جولة رئيس الوزراء في عدد من مدارس كرداسة اليوم    جامعة سوهاج تكرم الناجحين في برنامج إعداد المدربين المعتمدين    النواب يوافق على 9 اختصاصات للمجلس الوطني للتعليم    "جبران": عرض مسودة قانون العمل الجديد على الحكومة نهاية الأسبوع الجاري    انطلاق مهرجان «أكتوبر العزة والكرامة» بجامعة القناة (صور)    الاثنين 21 أكتوبر 2024 .. نشرة أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة    «الوزير» يبحث مع «تكنولوجيا الحديد» إنشاء مصنع للأبواب المصفحة والمعدنية المقاومة للحريق    شقق ب 180 ألف جنيه.. أسعار وشروط حجز وحدات سكن لكل المصريين 5    إيقاف نشاط ورشة وفتح شارع.. محافظ الجيزة يستجيب لطلبات مواطنين    زراعة المنوفية: توزيع 54 ألف طن أسمدة على المزارعين    إطلاق صفارات الإنذار في 142 موقعا بشمالي الأراضي المحتلة بعد إطلاق صاروخ باليستي    إيران: سنواصل التنسيق لوقف التوتر المنطقة    وزير الخارجية يدين التصعيد الإسرائيلي في غزة ولبنان    يحط من منصب الرئاسة الأمريكية.. هاريس: لن نسمح لترامب بقيادة البلاد مرة أخرى    الخارجية اللبنانية تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مراكز اليونيفيل    وزير الدفاع الأمريكي يصل كييف لمناقشة طلب أوكرانيا الانضمام للناتو    السوبر المصري في الإمارات.. قمة جديدة تفض الاشتباك بين الأهلي والزمالك    "رد سريع".. الزمالك يقرر معاقبة لاعبه بسبب ما فعله أمام بيراميدز    كشف ملابسات تداول مقطع فيديو يتضمن تضرر فتاة من تعدى سائق عليها ورفقائها بالسب والشتم بكفر الشيخ    حملات أمنية مكثفة لمواجهة أشكال الخروج على القانون كافة    الحرارة 35 بهذه المناطق.. توقعات طقس الساعات القادمة    ضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة المصدر بحملة تموينية مكبرة بالقليوبية    اختلفا على مكان فرش الفاكهة.. جنايات بنها تعاقب المتهم بقتل زميله في القليوبية    إصابة مواطن خلال عبوره مزلقان سكة حديد في قنا    مهرجان أسوان.. الثقافة تقيم حفلين في "أبو سمبل" ب ليلة تعامد الشمس    سر خفي.. كشف لغز تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني في أبو سمبل -صور    شاهد.. حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر (صور)    فيتامينات مهمة قدميها لطفلك كمكمل غذائي حفاظا على صحته    حسام هيبة: هونج كونج تعتبر مصر بوابة الاستثمار إلى أفريقيا والشرق الأوسط    وزيرة التضامن الاجتماعي تبحث مع سفير قطر بالقاهرة تعزيز سبل التعاون    التعليم : سعر الحصة لمعلمي سد العجز 50 جنيها شاملة كافة الاستقطاعات    محفوظ مرزوق: عيد القوات البحرية المصرية يوافق ذكرى إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»    بينيا: قدمنا مباراة رائعة أمام إشبيلية.. وخبرة تشيزني كبيرة    موعد مباراة الأهلي والزمالك في السوبر المصري    مصرع طفلين وحرق غرفة الخفير..السكة الحديد تكشف تفاصيل حادث قطار العياط    حدثوا التابلت ضروري.. تنبيه عاجل من المدارس لطلاب 2 ثانوي    شوبير يكشف حجم إصابة كمال عبد الواحد ويحيى عطية    قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل نهائي السوبر.. شوبير يكشف التفاصيل    ايرادات السينما أمس .. أكس مراتي وعاشق وبنسيون دلال يتصدرون    الأمريكي صاحب فيديو كلب الهرم: تجربة الطائرة الشراعية في مصر مبهرة    أبرز لقطات حفل عمر خيرت بمهرجان الموسيقي العربية.. تقديم الصوليست أميرة علي    بالفيديو.. وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ "حديقة تلال الفسطاط" بقلب القاهرة التاريخية    في ذكرى ميلاد حسن الأسمر أيقونة الطرب الشعبي.. تعرف على أبرز المحطات في حياته    ما حكم اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب مطلقا؟ .. اعرف رد دار الإفتاء    ناقد رياضي: على «كهربا» البحث عن ناد آخر غير الأهلي    محمد عمارة بعد تألق ناصر ماهر: زعلان على وجوده في الزمالك    أهداف المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية.. خبير يوضح    كم مرة تقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين في اليوم والليلة    منها مواليد برج العقرب والقوس والجوزاء.. الأبراج الأكثر حظًا في 2025 على الصعيد المالي    مساعد وزير الصحة: عدد السكان فى مصر سيصل إلى 160 مليون نسمة عام 2050    وزير العمل: الحكومة حريصة على صدور قانون العمل في أسرع وقت ممكن    قتلى في الغارة الإسرائيلية على بعلبك شرقي لبنان    «دوائر مغلقة» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم    استقرار في أسعار الخضروات اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024 مع ارتفاع ملحوظ في بعض الأصناف    وزير الصحة اليوناني يشيد بجهود الدولة المصرية للنهوض بالمنظومة الطبية    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشارى الذايدى: «طوائف» سوريا الثائرة
نشر في أخبار مصر يوم 28 - 02 - 2012

آخر شيء تحتاجه ثورة الشعب السوري المقهور هو أن يتم تلطيخها بالطائفية والأصولية. هذا بالضبط ما يريد نظام بشار الأسد تكريسه وتجذيره، ردعا للأقليات في الداخل، ودول الغرب والشرق في الخارج. من أجل ذلك ليت بعض وعاظنا وخطبائنا الدينيين يتحلون بقدر من الزهد في الإعلام هذه الأيام، ويكفون عن مناصرتهم الضارة للثورة السورية، أقول ذلك بعدما قال أحد هؤلاء المشاهير من الوعاظ مؤخرا بأنه تجب الثورة على بشار الأسد وقتاله، لأنه بالإضافة لكونه ظالما وقاتلا، « زنديق» دينيا!
ليتنا نسلم من مثل هذه المناصرات الضارة، و«ليتنا من حجنا سالمين» كما يقول المثل، القصة في سوريا ثورة من أجل الحرية وضد القمع والقهر الذي لم يوفر أحدا في سوريا. في طليعة الثوار السوريين أناس قدموا الغالي والنفيس وخاطروا بالروح والمال، وسطروا كلمات من النبل والانحياز النقي للجانب المظلوم، وهو الشعب السوري، كيف لا وهم قطعة أصيلة من موزاييك هذا المجتمع السوري الجميلة.
مثلا: خذ لديك: الأديبة سمر يزبك، الفنانة الشجاعة فدوى سليمان (ما زالت هاربة من أجهزة النظام، لكن ظهرت فجأة في ميادين حمص تهتف ضد الأسد)، منذر خدام، منذر ماخوس، محمد صالح العلي، وغيرهم، كل هؤلاء ينتمون اجتماعيا إلى الطائفة العلوية، التي يدعي النظام أنه يحميها ويصون مصالحها. عندك أيضا أسماء مثل الكاتبة المبدعة ريما فليحان، صاحبة الموقف المبهر في وضوحه وشجاعته ووعيه، وأيضا منتهى الأطرش، ابنة سلطان باشا الأطرش، وفنان الثورة سميح شقير، صاحب الأغنية الشهيرة في مناصرة درعا: «يا حيف»، وغيرهم، كل هؤلاء من الطائفة الدرزية، وأبناء جبل العرب.
ومثلهم موقف الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط الذي دعا إلى تسليح الثوار في سوريا وحذر أبناء الدروز في سوريا من الانحياز للنظام الأسدي القاتل، كما في حديثه لصحيفة «لوموند» الفرنسية. غير الدروز، هناك مواقف أخرى للمسيحيين مثلا، لدينا الفنانة التي تحمل روحها على كفها، مي سكاف، التي وجهت رسالة حادة إلى زعيم الحزب الأصفر في لبنان، حسن نصر الله، طالبة منه كف شروره عن الشعب السوري، وكذلك فارس الحلو، وميشيل كيلو، وجورج صبرا، كل هؤلاء من المواطنين السوريين المسيحيين، الذين صنعوا، مع بقية السوريين، هذه الثورة التي يتآمر عليها الكثير شرقا وغربا.
ليس هذا وحسب، عندنا مشعل تمو، البطل الكردي السوري، في هذه الثورة، الذي اغتاله النظام، وحتى الطائفة الإسماعيلية شاركت في هذه الثورة، ويحدثني أحد الثقات حول الثورة السورية من الداخل، أن مدينة سلمية عاصمة الطائفة الإسماعيلية، شاركت في المسيرات والمظاهرات ضد النظام القمعي، بل وقدمت الدعم والمأوى والحماية لسكان الرستن حينما هربوا من آلة القتل الأسدية المجنونة.
هذا مجرد غيض من فيض، ونزر من نهر، يكشف بالدليل الملموس أن هذه ثورة «شعب» وليست ثورة طائفة معينة، ثورة تنطلق من مشاعر إنسانية بحتة قرفت من العيش في «المذلة»، يجسد هذه المشاعر الهتاف الرهيب للثوار السوريين: «الموت ولا المذلة». وهذا مطلب يستوي فيه بنو الإنسان، دون أدنى اعتبار لمحدد ديني أو عرقي أو جهوي. المفارقة أن من يروج لطائفية الثورة، وأنها مجرد تعبير عن الأصوليين السنة، أو يقولون بصراحة فجة أحيانا، ثورة سنية، من يروج لهذا هم النظام الأسدي، وكثير من التيارات الأصولية السنية خارج سوريا، بحجة نصرة السوريين، في تلاق عجيب بين القمع والجهل!
النظام محتار من ديمومة هذه الثورة وتناميها، وهو يراهن فقط على إيجاد الشروخ المذهبية والاجتماعية داخل جسد الثورة، وهو محتار، حسب زعيمه بشار، في حساب الربح والخسارة، فحسب بشار الأسد، في تصريحاته الأخيرة عقب الاستفتاء الهزلي على دستوره الجديد، فإن نظامه قوي على الأرض، ومتمكن، لكن تنقصه السيطرة على الفضاء، يقصد الإعلام، لتنتهي المشكلة!
هكذا في استهتار فاجر بحقيقة ما يجري على الأرض، فهو متمكن على الأرض، وهو يفهم التمكن هنا بمعنى أن قوته العسكرية غالبة وقاهرة، وهو صادق في هذا، فحسب صحيفة « وورلد تريبيون» الأميركية، الأحد الماضي، نقلا عن مصادر في النظام السوري، فإن «الرئيس بشار الأسد على الرغم من مرور عام تقريبا على اندلاع الانتفاضة السورية فإنه لا يحارب المنتفضين ضد حكمه إلا بقطاع واحد فقط من الجيش». لكن ما فات على «الحكيم» بشار، أن: البعوضة تدمي مقلة الأسد! كما قالت حكمة العرب، التي ضيعها بشار فيما ضيع من شعارات العروبة الزاعقة.
ثم إن المشكلة ليست في أنه يملك قوات كثيفة وأسلحة فتاكة، فهذه ربما تنفع في الحروب النظامية، التي لم يقم بها الجيش السوري في عهد الأسد الأب منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، لكن المشكلة هي في سقوط الشرعية من أعين الشعب، وحينما يكفر بك الناس من دواخلهم فلن تنفعك أسلحة الأرض كما لم تنفع غيرك ممن هم أكثر عددا وعتادا. هنا مشكلة النظام حقا، مشكلة في عقله، كما هي مشكلة في عقل كثير ممن يتعاملون مع الثورة السورية، أو الأزمة السورية، هناك حالة تهريج أو قل تخليط، في مقاربة ما يجري في سوريا بالذات، وقد أربكت هذه الأزمة كثيرا من «ديناصورات» اليسار العتيد أو المعسكر المرحوم، معسكر «المقاومة والممانعة العربية» حتى ولو استفاد بعضهم من ثمار الربيع العربي في غير سوريا، وهذا ما يفسر طرفا من ارتباك موقف الرئيس التونسي «الثوري»، منصف المرزوقي، الأخير، فهو على الرغم من أنه أبدى تعاطفا «إنشائيا» مع الشعب السوري، فإنه تجاهل، و«مانع» كل حل عملي بتجاوز الشعارات إلى التنفيذ على الأرض، وعلى الرغم من أن دور المرزوقي والدولة التونسية كلها، غير مؤثر بشكل حيوي على مجرى الأحداث في سوريا، كما لاحظ الكاتب عبد الرحمن الراشد في عموده هنا ب«الشرق الأوسط»، فإن هذا الارتباك يؤشر إلى معضلة التفكير العربي «النضالي» القديم إزاء إسقاط النظام السوري الذي كان تجسيدا مثاليا لترهات هذا الخطاب الإنشائي الفارغ.
ومثلما تاه كثير من مراهقي اليسار العربي والقومي (حتى لو كانوا شيوخا في السن!) في تقويم الوضع في سوريا، وشرقت بهم أوهام المؤامرات الدولية وغربت، شارك أيضا بعض الرموز الدينية، خصوصا الحركية، في المقاربة الخاطئة للأزمة السورية، من خلال الدخول لها من بوابة مناصرة «أهل السنة» في بلاد الشام، وهذا بالضبط ما يرغب فيه نظام الأسد، حتى يثبت لبقية الطوائف في سوريا، بل وحتى مجتمع المال والأعمال السني، والمثقفين المدنيين، أن هذا ما ينتظركم إن مضيتم مع هؤلاء الثوار المتطرفين دينيا. أحوج ما يراد الآن هو تكريس الخطاب الوطني السوري الجامع، وعدم الانجراف خلف السيل العاطفي الغرائزي الطائفي، هذا هو الخطاب الذي يفقد النظام الأسدي قدراته المنطقية ويفرغ خطابه التخويفي من محتواه.
حسب بعض التقارير الأجنبية، ومنها تقرير «مجموعة الأزمات الدولية» الأخير، فإن هناك مخاوف حقيقية لدى بعض أبناء الأقليات الدينية في سوريا تجاه المستقبل، وقد صرح رجال دين من الطائفة المسيحية بهذه المخاوف، وهي مخاوف مبررة، ويجب الإصغاء لها، ولا ينزعج منها، ويجب على المعارضة السورية تقديم الضمانات النهائية والأكيدة على حماية وحدة الشعب السوري، وهنا ليت دولة مثل السعودية، أو دول الخليج مجتمعة، تنفتح على كل مكونات الشعب السوري، وطوائفه، بكل شفافية، وتقديم الضمانات لعدم وقوع سوريا في قبضة حكم أصولي متطرف، بعد الرحيل المنتظر لهذا النظام المسموم.
بغير هذا الطريق، وبغير هذه النفسية النقية، ستطول المعاناة وربما تثمر الثورة حنظلا بدل تفاح الشام الطيب.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.