استغل متشددو تنظيم داعش الفوضى العارمة في ليبيا لكسب موطئ قدم فيها لكن طردهم من مدينة في شرقها يشير إلى أنهم ربما لا يقدرون على بلوغ ما حققوه في العراق وذلك لوجود منافسين أشداء ولغياب الانقسامات الطائفية في البلاد. في الشهر الماضي قام مقاتلون إسلاميون محليون يعززهم سكان بطرد مقاتلي التنظيم المتشدد من درنة التي تقع على ساحل البحر المتوسط وهي أحد معقلين لتنظيم داعش في هذه الدولة الغنية بالنفط. وكانت هذه أول انتكاسة في ليبيا للتنظيم التي أرسل إليها مقاتلين ورجال دين من تونس واليمن ودول عربية أخرى في محاولة لتكرار النجاح الذي حققه في العراقوسوريا حيث استولى على أجزاء واسعة من أراضي البلدين وأعلن قيام "خلافة" إسلامية. واستفاد داعش كثيرا من الفوضى الليبية إذ توجد حكومتان متنافستان تتقاتلان تعجز كل منهما عن أن تكون لها اليد العليا في وقت تتنافس فيه الجماعات التي ساعدت في الإطاحة بمعمر القذافي في 2011 على السلطة تحت لواء كل من الحكومتين ما يتسبب في فراغ أمني. وطردت عناصر داعش من درنة بعد مقتل سبعة أشخاص خلال احتجاج في المدينة على تدفق الجهاديين الأجانب عليها وكذلك بعد مقتل أحد قادة كتيبة شهداء أبو سليم المتحالفة مع أحد الفصائل التي كانت مناوئة للقذافي في المدينة. وانضم عدد من السكان الغاضبين إلى كتيبة شهداء أبو سليم لمد يد العون في طرد متشددي داعش من درنة التي نشط فيها إسلاميون حتى في عهد القذافي الذي استمر حكمه لليبيا 42 عاما قمع خلالها الإسلام السياسي. وحصلت عناصر داعش على تأييد البعض في سورياوالعراق من خلال استغلال العداوات الطائفية القائمة منذ زمن بين السنة والشيعة. لكن هذا الأمر غير قائم في ليبيا وهي دولة سنية خالصة تنظر فيها الفصائل السنية المسلحة والقبائل إلى داعش كتنظيم متسلل ومنافس. وقال ماتيا توالدو الباحث السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن من المحتمل أن تركز عناصر داعش الآن على موطئ القدم الآخر لها بليبيا وهو مدينة سرت مسقط رأس القذافي والتي تقع في وسط الساحل الليبي وتتمتع فيها داعش بدعم غير معتاد من جانب الموالين للقذافي المعارضين لحكام ليبيا المتصارعين. وهاجم مقاتلو داعش حقول النفط جنوبي سرت الواقعة في وسط البلاد وخطفوا نحو تسعة عمال أجانب. كما أعدموا 21 مسيحيا مصريا قرب المدينة واقتحموا فندقا في العاصمة طرابلس وقتلوا خمسة أجانب. وقال توالدو إنه يتوقع أن يحاول متشددو التنظيم إقامة نقاط أمنية على مفترق طرق استراتيجي في وسط ليبيا حيث يتصل طريق ساحلي سريع بين شرق وغرب البلاد بممر إلى سبها وهي مدينة في أقصى الجنوب. وبخلاف ما حدث في العراقوسوريا لا يستطيع داعش في كسب ملايين الدولارات من بيع النفط في السوق السوداء لأن النفط الليبي يهيمن عليه أهل البلاد. ولذلك يعتمد التنظيم على الفدى التي تدفع عن سجناء وعلى أجور أعضائه المحليين إذ لا يزال معظم الشباب الليبيين يتقاضون أجورا من السلطة.