من الآخر، وبعد كل هذه الدماء الزكية التي أسيلت في بورسعيد، علينا أن نقر ونعترف، بل.. يجب أن نبصم بالعشرة، أن إدارة المرحلة الانتقالية، بما تضم من مجلس عسكري وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية وإعلامية، وهي محسوبة كلها، بكل أسف، على النظام الفاسد المستبد، أصبحت عبئا ثقيلا على صدور المصريين، يجب إزاحتها تماما من المشهد، خاصة بعد أن فشلت جميعها في تحمل مسئوليتها التاريخية الكاملة نحو قيادة ثورة الشعب المجيدة إلى بر الأمان، منذ قيامها في 25 يناير من العام الماضي وحتى تاريخه. بل إن بعض هذه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية متهمة بقوة من جانب الرأي العام المصري بتوظيف جهودها ومهامها الأساسية بكل أسى وحزن في خدمة الثورة المضادة، مما أفقدها الثقة تماما، باعتبارها جزءا أصيلا من نظام فاسد مستبد، لايزال جاثما فوق أنفاس المصريين، رغم مرور عام كامل على استئصال وكنس رؤوسه العفنة ورموزه وبطانته وأبواقه الساقطة. بناء عليه، وفي ضوء ما سبق من قناعات باتت راسخة لدى قطاع عريض من المجتمع عن مدى الخطورة التي تواجهها ثورة الشعب في هذه المرحلة الحرجة، فضلا عن الاستمرار في اتباع سياسات النظام الفاسد المستبد، بما يصاحبها عموما من إرهاب وبلطجة وترويع أمني وإسفاف والتفاف على إرادة الشعب، وارتكاب جرائم خطف وسطو مسلح وسرقة ومذابح مؤسفة في حق الوطن والمواطنين. لكل هذه الأسباب، فإنني أضم صوتي إلى ما أكدته البيانات الصادرة عن القوى السياسية، إضافة إلى الأصوات النيابية الحرة والمحترمة، التي دوت أصداؤها في قاعة مجلس الشعب أمس الأول (فيما جاء البعض الآخر منها صادما) بتحميل إدارة المرحلة الانتقالية التي أصبحت انتقامية بامتياز في الفترة الأخيرة أحملها المسئولية السياسية والأخلاقية عن المجزرة البشعة التي وقعت في بورسعيد وأبكت المصريين، مع إضافة كل الجرائم الممنهجة بالأصابع الخفية للإدارة الانتقامية ذاتها، وقد تركت بصماتها التخريبية واضحة كالشمس في كل ميادين وشوارع مصر على مدى العام المنصرم بهدف إجهاض الثورة وتشويه الثوار. رئيس مجلس الشعب، سعد الكتاتني، قالها بكل وضوح وأمام الأشهاد في كلمته الافتتاحية لجلسة مجلس الشعب: الثورة في خطر.. ومجزرة بورسعيد البشعة تأتي ضمن مخطط إجرامي لإجهاض الثورة. ولأن مسيرة الثورة قد وصلت إلى هذه الحالة من الخطورة، فقد علت المطالبات من جانب نواب الشعب بضرورة الإفصاح عن الأيدي الخفية التي ترتكب الجرائم الممنهجة منذ تسلم الإدارة الانتقالية السلطة في 11 فبراير وإلا فسوف يوجه الاتهام إليها هي نفسها بالمسئولية عنها، بالإضافة إلى ضرورة التنفيذ الفوري للمطالب التالية: تخلي المجلس العسكري عن سلطاته التنفيذية لحكومة إنقاذ وطني. سحب الثقة من حكومة الدكتور كمال الجنزوري وإقالة النائب العام. بدء المشاورات لتشكيل حكومة الإنقاذ الوطني. ضرورة التمسك بالديمقراطية والإلغاء الكامل لقانون الطوارئ. التبكير بموعد إجراء الإنتخابات الرئاسية وعدم صياغة الدستور في ظل الحكم العسكري. النزول إلى كل الميادين لتأكيد أن الثورة لا تزال مستمرة. القصاص من كل المتسببين في الأحداث حتى مجزرة بورسعيد. استدعاء قيادات المخابرات العامة والحربية والأمن الوطني والأمن العام في جلسة خاصة أمام مجلس الشعب. نقل الرئيس المخلوع إلى مستشفى سجن طرة مع إظهار الجدية في محاكمته هو وأبنائه ومساعديه ووزير داخليته ومعاونيه. من الطبيعي أن يطالب نواب الشعب خلال الجلسة بضرورة الإسراع في تنفيذ كل هذه المطالب المشروعة لإنقاذ الوطن، ولاستكمال مسيرة الثورة، ولوقف إراقة المزيد من الدماء الزكية، ولإفشال المخطط الإجرامي للانقضاض على الثورة وتشويه الثوار. في الوقت نفسه، بات من حق الجميع أن يرفض رفضا قاطعا اتباع أساليب حكم النظام الفاسد المستبد البالية، والمتمثلة في إجراء التحقيقات الصورية وتشكيل لجان تقصي الحقائق الوهمية، التي لم تصل إلى شئ ملموس أو تعاقب الجناة الحقيقيين في الأحداث الدموية التي وقعت على مدار العام المنصرم، وبالتحديد منذ موقعة الجمل، التي تحل ذكراها الموجعة والحزينة في هذه الأيام، مرورا بأحداث الفتنة الطائفية السخيفة في كل من أطفيح وإمبابة وما تلاها من مهزلة في ستاد القاهرة وانتهاء بما وقع في ميدان العباسية وأمام ماسبيرو وفي شارع محمد محمود وأمام مقري مجلسي الوزراء والشعب. نقلا عن جريدة الأهرام