بعد مرور أربع سنوات على غزو العراق ،ورغم دخول الخطة الأمنية ببغداد شهرها الثالث لاتزال موجة العنف الدموى تعصف بالعراقيين لتضيف يوما بعد يوم رقما جديداً إلى سجلات الضحايا ..فقد أسفرت سلسلة التفجيرات التى اندلعت بالعاصمة العراقية بغداد و الموصل اليوم عن مقتل عشرات العراقيين وإصابة أكثر من 60 شخصاًآخرين حيث استيقظ العراقيون اليوم على دوى إنفجارات عنيفة هزت العاصمة ومناطق أخرى استمراراً للهجمات النوعية التى ضربت أنحاءً شتى خلال اليومين الماضيين وأسفرت عن سقوط المئات بين قتيل وجريح . .ووقع أبرز هذه التفجيرات في مدينة الشرطة الرابعة ذات الأغلبية الشيعية عندما انفجرت صباحا سيارتان مفخختان بتتابع سريع في سوق شعبى مكتظة ، فيما أعلنت مصادر عراقية مقتل 11 شخصاً وإصابة 18 آخرين بانفجار حافلة ملغومة فى شارع الكرادة احد أهم الشوارع التجارية بوسط بغداد ثم توالت سلسلة إنفجارت مخلفة المزيد من الضحايا . وذكرت مصادر الشرطة العراقية أن إمام مسجد للسنة العرب قتل اليوم برصاص مسلحين فى بلدة المحمودية جنوب بغداد فى طريق عودته لبغداد لاستكمال دراسته للدكتوراه بجامعة بغداد . و كان 6 أشخاص قد قتلوا وجرح نحو 10آخرين فى تفجير انتحارى داخل حافلة ركاب فى منطقة العطيفية وسط بغداد بينما كانت فى طريقها الى منطقة الكاظمية الشيعية شمال بغداد . وعلى الرغم من الإعلان عن خطط أمنية موازية لخطة امن بغداد فى عدة محافظات خارج العاصمة إلا أن مدينة الموصل على بعد 400 كيلو مترا شمال بغداد شهد ت هجوما انتحاريا مزدوجا بشاحنتين مفخختين ،استهدف احد مقار الجيش العراقى ورغم تضارب المعلومات عن حجم الضحايا إلا انه يعد خرقا امنيا كبيرا .
على صعيد آخر، لقي عسكريان بريطانيان حتفهما في حادث تصادم مروحيتين بريطانيتين سقطتا قرب قاعدة أمريكية ضخمة شمالى بغداد. وأعلن بيان عسكري أن الطائرتين اصطدمتا ببعضهما ولم تتعرضا لنيران أرضية معادية . وسبق أن سقط لبريطانيا طائرة نقل حربية قبل عامين شمال غربي بغداد مما أسفر عن مقتل تسعة من أفراد القوات الجوية الملكية البريطانية وجندي واحد فيما اعتبر آنذاك اكبر خسارة للجيش البريطاني في يوم واحد من أيام غزو العراق. جاء ذلك في الوقت الذي أعلن فيه الجيش الأمريكي عن مقتل أكثر من ثلاثة من جنوده في هجمات متفرقة ببغداد ليرتفع بذلك عدد قتلي الجيش الأمريكي إلي نحو40 فرداً خلال شهر أبريل الحالي.
وعلى مستوى الجهود الدبلوماسية الرامية لنزع فتيل العنف ،أعلنت الحكومة العراقية اليوم أن وزير خارجيتها هوشيار زيبارى بحث خلال اتصال هاتفى مع عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية الترتيبات اللازمة لعقد المؤتمر الوزارى القادم لدول جوارالعراق المرتقب عقده بشرم الشيخ أوائل مايو القادم .
وفى مصر ،ناقشت لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب اليوم مأساة اللاجئين العراقيين المتزايدة نتيجة تصاعد وتيرة العنف ،وصرح السفير محمود عوف مساعد وزير الخارجية بان السلطات المصرية تولى رعاية كاملة للإخوة العراقيين داخل مصر والذين يبلغ عددهم ما يقرب من 100الف عراقى منهم 5500شخص مسجل لاجىء أو ملتمس لجوء ولا توجد لدى الخارجية اية بلاغات عن وقوع مشاكل لهم ،ودعت اللجنة الحكومة الى إلغاء نظام وقف التأشيرات بمنافذ الوصول أمام العراقيين الذى فرضته أوائل الشهر الماضى ،وقد تقرر عقد اجتماع دولى بجينيف لبحث موضوع اللاجئين العراقيين ، ودعا اللواء سعد الجمال رئيس اللجنة الى عقد مؤتمر عربى لحل المشكلة .
وفى غضون ذلك ،ناشد رئيس البرلمان العراقى محمود المشهدانى اليوم اهالى مدينة البصرة الى التهدئة و عدم التظاهر غداً ضد محافظ المدينة حفاظا على وحدة العراق وأمنه حيث صدر بيان أمس موقع باسم" الجماهيرية الشعبية فى البصرة" ،دعا المواطنين إلى التظاهر والمطالبة بتنحية محافظ البصرة فيما اتهم المحافظ بعض الجهات بتنفيذ أجندة خارجية تسعى إلى إشاعة الفوضى العارمة .
وفى ظل هذه الأجواء المتوترة ،ينظر العراقيون بمزيد من القلق إلى الأيام القادمة بعد عودة هواجس الأمن المفقود لتلقى بظلالها على مناحي الحياة حيث صاروا أكثر خوفا من فشل الخطة الأمنية لأن ذلك يعنى الانزلاق إلى دوامة من العنف قد تكون أكثر وطأة من كل الأيام الدموية التي عاشوها خلال الأعوام الأربعة الماضية ولعل مايثير القلق ويرفع سقف التوقعات بفشل الخطة أن الهجمات الأخيرة التى شهدتها العراق تعد هجمات نوعية منسقة أسفرت عن اكبر عدد من الضحايا بالإضافة إلى الضجيج الاعلامى المصاحب لخطورتها ، فقد شهدت بغداد وكربلاء هجمات نوعية عالية المستوى من حيث التخطيط و التنفيذ حيث تمكن إنتحارى منذ أيام من النفاذ إلى مبنى مجلس النواب العراقى الذى يقع فى المنطقة الخضراء شديدة التحصين ، وتفجير نفسه وسط مطعم البرلمان موقعا العشرات من القتلى و الجرحى بينماأعلن مصدر طبي عراقي اليوم ارتفاع حصيلة قتلى التفجير الانتحاري بسيارة مفخخة في كربلاء أمس إلى 42 قتيلا و224 جريحا بينهم نساء واطفال ،ومنهم 138ذكورا و86 إناثا .. مما أثار ظلالا من الشك حول جدية الحكومة فى حفظ الأمن خاصة فى أكثر المناطق قدسية لدى الشيعة .وجاء هذا الانفجار بعد وقت قصير من تدمير جسر الصرافية الذى يربط منطقتى الوزيرية و اللطيفية شمال العاصمة ،ويعد من الجسور التاريخية بالغة الاهمية بالعراق .
وعلى الرغم من التدهور الامنى الكبير الذى تشهده العاصمة (المعنية الأولى بخطة فرض القانون) وعدة مناطق أخرى إلا أن المسئولين العراقيين يصرون على أن الأوضاع الأمنية جيدة وان الخطة تحقق أهدافها فى خفض معدلات العنف ، فى هذا الاطار ..أعلن العميد\ قاسم الموسومى المتحدث الرسمى باسم الخطة فى مؤتمر صحفى اليوم أن الشهرين الماضيين شهدا العديد من الانجازات، وان الخطة تسير وفقا للمخطط لها مشيراً إلى تضحيات القوات العراقية لإنجاحها حيث تمكنت القوات العراقية من قتل عناصر قيادية فى تنظيم القاعدة وتشير الاحصائيات الى انخفاض مستوى العمليات الإرهابية وان هناك مساعى لمستقبل أفضل حتى ينعم العراقيون بالأمان . وكانت الإدارة الأمريكية قد دعمت الخطة باعتبارها الفرصة الأخيرة لمنع انزلاق العراق إلى حرب أهلية ودفعت بالمزيد من قواتها للعراق إلا انه صاحب ذلك زيادة فى أعداد القتلى من الجنود الأمريكيين خلال الشهرين الماضيين حيث وصل عددهم منذ احتلال العراق فى مارس 2003 الى نحو3300 جندى .ِ
وتأتي هذه الحوادث الدموية في وقت حرج للرئيس الأمريكي جورج بوش الذي أكد مجدداً أنه لن يفاوض خلال اجتماعه المرتقب مع قيادات الديمقراطيين في البيت الأبيض حول فاتورة تمويل حرب مرهونة بجدول زمني لسحب القوات الأمريكية من العراق فى 2008.
ورغم ما يمر به العراق من أحداث ،تصرالولايات المتحدة وحلفاؤها على أن المستقبل سيكون أفضل ،غير أن المعارضين لوجود القوات الأجنبية، وخاصة العرب منهم، يراهنون على أن سياسة أمريكا المعلنة في إقامة عراق أفضل ينعم بالديمقراطية والرخاء محكوم عليها بالفشل، ويحذر بعض المحللين السياسيين من أن العراق مهدد بالتقسيم على أساس طائفي وقومي مالم يتم احتواء موجات العنف المتصاعدة.