يعتقد البعض ان استفزاز المجلس العسكري أو التطاول علي رموزه سوف يضفي علي صاحبه بعداً وطنيا أو بعدا ليبراليا، من هنا فإن البعض يحاول النيل من رموز المجلس العسكري عن طريق ترديد نغمة الخروج الآمن من السلطة. هذا الكلام يحمل ضمنا اتهاما لأعضاء المجلس العسكري بأن في سلوكهم السياسي وفي ذمتهم المالية ما يستوجب المساءلة، وهو أمر يعكس أعلي درجات الانتهازية السياسية لأن المجلس العسكري حينما يسلم السلطة سوف يسلمها في احتفال وطني مهيب يستحق فيه أعضاء المجلس العسكري أعلي درجات الإشادة والتكريم، لأنهم عبروا بنا مضيقا وعراً كان من الممكن أن يقودنا إلي حرب أهلية ما أكثر الذين كانوا يتمنون إشعالها سواء كانوا جماعات سياسية في الداخل أو قوي دولية، كان يطيب لها أن تري مصر وهي تحترق.. ذلك موقف ناصع من مواقف المجلس العسكري كان يجب أن يذكر له فيشكر. أما ما تلا ذلك من بعض التصرفات السياسية التي صدرت عن المجلس العسكري أو عن وزارة الداخلية أو مجلس الوزراء فقد تم في إطار تقييم خاطئ لبعض التحركات الجماهيرية سواء قبلنا أو لم نقبل فإن المساءلة فيه لا تتضمن إخلالا بوطنية أعضاء المجلس العسكري أو أعضاء وزارة د. عصام شرف ما لم يكن هناك دليل قوي علي تآمر مبيت يهدف إلي دفع البلاد إلي مأزق وطني. إذن ما صدر من سياسات أو تصرفات سوف نتحفظ عليها ابتداء من تشكيل لجنة التعديلات الدستورية، وانتهاء ببعض الصدامات التي حدثت في الشارع والتي اختلفت فيها الرؤي ليس فقط بين المجلس العسكري وبين القوي الوطنية، ولكن بين القوي الوطنية نفسها، فهناك من نادي باستكمال أعلي درجات الحسم، وهناك من نادي باستخدام لغة الحوار، وكلا الرأيين يعكس اجتهادا قد يصيب وقد يخطئ حيناً، ولكن ذلك لا يستدعي أن يردد بعضهم شعار »الخروج الآمن« للمجلس العسكري، لأن في ذلك الشعار إهانة تذكرنا بالشعار الذي رفعه الدكتور مصطفي الفقي وردده عماد أديب قبل سقوط نظام مبارك وليس بين الموقفين من تشابه فمن فرط في الأمن القومي المصري ومن نهب الثروة الوطنية ومن وضع أولاده فوق رقاب الشعب المصري لا يمكن أبداً أن يقارن برجال المجلس العسكري الذين تصدوا ببراعة وحسم لكل الاتجاهات الحقيرة التي سعت إلي استعمال القوة ضد الشعب المصري إبان ثورة 25 يناير العظيمة. ثم من قال ان الخروج الآمن للمجلس العسكري هو مقابل تسليم السلطة للمدنيين؟ لأنه ليس من حق أحد التنازل عن دماء واموال المصريين بأي حال من الأحوال او الحقوق التي انتهكتها مؤسسات النظام السابق؟! وما دمنا قد اتفقنا علي جدول زمني لتسليم السلطة لرئيس منتخب في اول يوليو القادم، فما الداعي لتأخير وضع الدستور وتقديم انتخاب رئيس الجمهورية، اذا كان تسليم السلطة سيتم في موعد تم تحديده؟! اليس ذلك تكرارا للخطأ في اننا بدأنا باجراء الانتخابات قبل وضع الدستور كما كان ينبغي؟! فتحديد الموعد لن يطيل امد بقاء المجلس العسكري في السلطة. اما من يدعي ان المجلس العسكري يخشي من ترك السلطة وبعدها يكون خاضعا للمساءلة، وان اتفاق الخروج الآمن ضمانة للعسكريين انهم سيكون لهم حصانة بعد ان يتركوا السلطة، أو ان تشجع المجلس العسكري علي ترك البلد للشعب.. هذا كلام لا يصح ان يقال او يعقل او يذكر، فالجيش.. جيش الشعب والبلد وطن لجميع ابنائه وليس فئة او طبقة دون اخري، وان الجيش لم ولن يمارس الإكراه السياسي، لأن ذلك ببساطة بعيد تماما عن عقيدة القوات المسلحة، وان الجيش له فضل كبير في حماية الثورة والثوار ولم نشعر بالامن إلا بعد يوم 82 يناير أي بعد نزول القوات المسلحة الي الشارع وهذا عمل وطني يجب ان نشكرهم عليه. وبالتالي فإنني لا أبرئ من يستخدمون هذه المقولة لأنها تمثل اعتداء علي رجال لا يمكن التشكيك في وطنيتهم وقصاري ما يمكن هو الاختلاف معهم في الرؤية أو في طريقة المعالجة. نقطة أخري أود التنبيه إليها وهي ان المصلحة الوطنية تقتضي التفرغ لبناء أجهزة الدولة بشكل ديمقراطي يستطيع أن يوائم بين مطالب العصر، أما الانصراف إلي استفزاز المجلس العسكري ومحاولة إلصاق تهم به هو أمر يؤدي إلي عرقلة انتقال السلطة، وبالتالي يقود إلي إجهاض الثورة المصرية! وبالتالي.. أولي بنا في هذه المرحلة ان نشكر للمجلس العسكري انه أدار العملية الانتقالية بشكل صحيح، وترك للشعب المصري ان يختار ممثليه أيا كان نسبة قبولنا أو ملاحظاتنا علي هذه الاختيارات. فالمسألة ان الشعب ثار من أجل بناء دولة عصرية ديمقراطية وعلي القوي التي حازت ثقة الشعب أن تطرح برنامجا ثوريا ديمقراطيا لا أن تتفرغ للكيد والاستفزاز وادعاء المعرفة بدون حق، فقد انتهي زمن الشعارات العامة وأقبلنا إلي زمن السياسات المحددة، وذلك هو الغربال الذي سيفرز الأعمي من البصير، وذلك أيضا هو الحد الذي سيميز بين الظلمات والنور، والظل والحرور، فلنكف عن الجرأة علي المجلس العسكري فليس ذلك بميدان لادعاء البطولة، ومن كان لديه دليل يملكه ضد المجلس العسكري فليخرجه إلي النور، فنحن في زمن التطهر الوطني ولسنا في زمن اطلاق الشائعات أو توزيع الاتهامات. نقلا عن صحيفة الاخبار