جولة غير مسبوقة بدأها وزير الخارجية ورأس الدبلوماسية المصرية محمد عمرو الاثنين تقوده إلى ست من دول حوض النيل, التى ينطلق من أراضيها شريان الحياة لمصر وشعبها. يستهل وزير الخارجية جولته بزيارة كينيا ثم تنزانيا فرواندا ثم الكونغو الديمقراطية فجنوب السودان, قبل أن يختتمها بزيارة العاصمة السودانية الخرطوم. هذه الجولة تعد استثنائية بكل المقاييس .. فبالرغم من التواجد المصرى بصوره المختلفة فى هذه الدول منذ عقود إلا أنه كانت هناك حاجة لإرادة سياسية أكثر تصميما ووضوحا تزامنا مع آليات تعاون اقتصادى تجارى أكثر عمقا وشمولية .. تنتقل بتلك العلاقات من مستوى التعاون إلى مستوى الشراكة الرشيدة القائمة على المصالح المتبادلة وتحقيق المنفعة المشتركة, وعدم الإضرار بأي طرف. وجاءت جولة وزير الخارجية فى هذا التوقيت لتعكس تصميما مصريا على دفع التعاون مع هذه الدول الصديقة إلى آفاق أرحب تتوازى مع رحابة دور مصر وامكاناتها البشرية والجغرافية. والعمل على التوصل إلى تعاون شامل يجمع كافة دول الحوض . وإذا كان ملف التعاون المصرى مع الدول الإفريقية بشكل عام ودول حوض النيل بشكل خاص قد أخذ منحى أكثر فاعلية بعد ثورة يناير, تكاملت خلاله الدبلوماسية العامة مع الدبلوماسية الشعبية التى أرادت أن تلعب دورا مساندا لتوجهات الدولة المصرية, فان هذا التحرك لا يمكن النظر اليه بعيدا عن نهج شامل لوزارة الخارجية المصرية المتكامل والمتسق. يقوم هذا النهج الجديد للدبلوماسية المصرية على التحرك الايجابى فى كل قضية تمس المواطن المصرى فى الخارج من جانب, وعلى الجانب الآخر الحسم فى ملفات ظلت لسنوات تصنف بالشائكة مثل تلك المتعلقة بالندية فى التعامل مع الدول الكبرى, ومنها ملف التأشيرات وتفعيل مبدأ المعاملة بالمثل, بالاضافة الى التحرك الرشيد فى كافة ملفات القضايا العربية. ومع ادارك صانع السياسة الخارجية المصرية لأهمية ملف التعاون مع الدول الإفريقية ودول حوض النيل بوجه خاص فقد جاء الحرص على اتمام هذه الجولة فى هذا التوقيت دونما انتظار .. وهو ما عكسه المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية المستشار عمرو رشدى بتأكيده أنه رغم الأولويات الحالية لمصر بالنسبة لقضايا الداخل..الا أن هناك رغبة وارادة سياسية لتعميق العلاقات مع الدول الافريقية عامة ومع دول حوض النيل خاصة. وأردف قائلا "لا يجب أن ننتظر لحين ترتيب الأوضاع فى مصر لتكثيف التعاون مع تلك الدول, فالانتظار ترف ورفاهية لا نملكها, وقد يؤدى هذا الانتظار إلى ترتيب الأوضاع فى هذه المنطقة بدون مصر". وبدأ الإعداد للجولة باتصالات ثنائية مكثفة مع مسئولى تلك الدول بالتوازى مع اجتماعات مكثفة بين وزير الخارجية ومساعديه من جانب واجتماعات مع مسئولى الوزارات المعنية بملفات التعاون مع هذه الدول من جانب آخر لضمان نجاح هذه الجولة فى تحقيق الحد الأقصى المأمول من النجاح. وفى هذا الاطار يركز وزير الخارجية والوفد رفيع المستوى المرافق له على تطوير العلاقات الثنائية بين مصر وتلك الدول على جميع المستويات السياسية والاقتصادية, واستكشاف سبل دعمها لتحقيق المصالح والمنفعة المشتركة, بما في ذلك بحث إمكانيات زيادة العلاقات التجارية المتنامية بين مصر وهذه الدول خاصة فى ظل ارتفاع حجم التبادل التجاري مع هذه الدول بنسبة 400% خلال السنوات 2005-2011. ومن المقرر أن يتم كذلك بحث سبل تعزيز الاستثمارات المصرية المتزايدة في هذه الدول, عن طريق العمل على التغلب على بعض الصعوبات التي لازالت تعوق انسياب حركة التجارة والاستثمار, ودعم القطاع الخاص والحكومي للمشاركة في المناقصات الدولية لمختلف المشروعات التي تقيمها هذه الدول, وغير ذلك من إجراءات تهدف إلى توثيق الروابط الاقتصادية والتجارية بين مصر والدول الإفريقية الشقيقة. وسوف يعقد وزير الخارجية اجتماعات مع قيادات وكبار مسئولى دول حوض النيل , كما يجرى مشاورات مع نظرائه من وزراء خارجية حول القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك, وسبل تحقيق التوافق بين دول الحوض حول المسائل العالقة في مفاوضات الاتفاق الإطاري التعاوني لدول حوض النيل. و من المقرر ان يتم خلال زيارة وزير الخارجية لدول حوض النيل الست الإعلان عن قيام مصر بتنفيذ عدد من المشروعات التنموية ذات الأهمية الإستراتيجية لدول حوض النيل, ووفقا للأولويات التى وضعتها كل دولة لنفسها, وفقا لرؤيتها وطموحاتها وتطلعاتها التنموية, وبما يجسد علاقات التآخي والتكامل بين مصر ودول الحوض. وردا على سؤال حول مغزى هذه الزيارة وتوقيتها وما إذا كان الهدف منها فقط هو ملف مياه النيل يقول المستشار عمرو رشدى "ليس من العدل اختزال علاقات مصر مع الدول الإفريقية فى موضوع مياه النيل فقط, وهناك علاقات مصرية إفريقية منذ مئات السنين أملاها التاريخ المشترك قبل الجوار الجغرافى". وأضاف أن مصر ساهمت فى حركات التحرر فى إفريقيا, كما حصلت مصر على المقعد غير الدائم فى مجلس الأمن بالأصوات الإفريقية خلال فترة المقاطعة العربية. ويبقى القول إن هذه الجولة لوزير الخارجية محمد عمرو وان كانت تعبر عن رغبة رسمية متبادلة فى تعاون أعمق وأوسع نطاقا بين مصر والدول الست, إلا أنها ودون شك تعبر عن إرادة شعبية تنعكس فى مزيد من التعاون من اجل المنفعة المشتركة على شعوب هذه الدول.