ستظهر نتائج المرحلة الثالثة للانتخابات بعد ساعات. وسنكمل الدوائر المؤجلة بعد أيام قليلة، وبذا تنتهي مرحلة ونبدأ مرحلة جديدة. وستكتمل صورة مجلس الشعب الأول بعد الثورة باختيار حر نزيه وستنتهي الإثارة الإعلامية وتهييج الرأي العام وحساسيات الانتخابات مع مجلس الشوري الذي يحتاج الي هدوء في التنافس علي مقاعده ولا يحظي بنفس الجو المحموم الذي صاحب انتخابات مجلس الشعب. والسؤال الآن: ما هي الروح التي يجب ان تعود للمناخ المصري؟ ما هو المطلوب من جميع المصريين في الشهور والسنوات المقبلة؟ ما هي الدروس المستفادة من السنة الأولي التي عشنا فيها أجواء الثورة وتوابعها؟ إن أول ما يجب أن نحرص عليه أن تعود للمجتمع المصري روح المصالحة والتسامح والتوافق. لقد حاول أعداء الثورة، وخصوم مصر بكل قوة ان يفتتوا المجتمع المصري وأن يزرعوا الشقاق بين طوائف المصريين، وأن ينقسم المصريون حول كل قضية وأي جزئية، وبدأ المشهد الكئيب وكأن الشعب الذي توحد مع الجيش خلال أيام الثورة المباركة قد تشرذم وتحول إلي طوائف متناحرة منقسمة لا تتفق علي رأي ولا تجتمع علي تصور أو تلتقي علي خطة عمل. لقد كانت المفاجأة المزلزلة للنظام السابق وأعوانه وحلفائه في الداخل والخارج هي وحدة المصريين في المشاعر والأحاسيس في كره النظام وتسلطه ودولته البوليسية، في الخروج معاً للميادين بصورة سلمية، في الاصطفاف حول هدف واحد هو إسقاط النظام، في الوقوف معاً جنباً إلي جنب، ساعداً بساعد رغم اختلافات واضحة من أجل الوصول إلي هدف محدد. هذه الروح العظيمة، وهذا المشهد المهيب أدي إلي وقوف الجيش في صف الشعب ليحمي ثورته ويبارك غضبه النبيل فكان توفيق الله ورعايته مع الشعب لينتصر في ثورته العظيمة، وسقط رأس النظام، ثم برلمان النظام وحكومة النظام ثم مجالسه المحلية المزورة. وكان فضل الله علي مصر وشعبها عظيماً فهل شكرنا الله علي هذا التوفيق والسداد. للأسف الشديد سرعان ما دبّ الخلاف وساد الشقاق. ولكننا بالعودة الي الشعب من جديد كان الدرس الثاني العظيم من دروس الثورة، ظهر إصرار الشعب المصري علي أن يمتلك بنفسه زمام المبادرة، وأن يقول لكل الدنيا إنه بعد إسقاط النظام يريد بناء نظام ديمقراطي دستوري حديث. فكانت طوابير المصريين في استفتاء 19 مارس علي خريطة طريق تؤدي في نهايتها إلي: انتخاب مجلس شعب جديد بإرادة مصرية صحيحة حرة. انتخاب مجلس شوري جديد في انتخابات حرة نزيهة، اختيار جمعية تأسيسية من مائة عضو لوضع دستور جديد بالتوافق الوطني العام بإرادة الشعب لأول مرة في حياته الحديثة ودولته الوطنية، ولا تفرضه النخبة ولا يكرس فرعونية الحاكم ولا يصادر إرادة الشعب، بل يختار ممثلو الشعب هذه الجمعية التأسيسية. انتخاب رئيس جمهورية جديد من بين متنافسين أكفاء بضوابط موضوعية وليس بشروط تعجيزية. باختصار تغيير شامل في النظام السياسي المصري يؤدي إلي بناء دولة وطنية ديمقراطية دستورية حديثة أي دولة مدنية بمرجعية إسلامية وفق اختيار الشعب الذي كان الجميع يعلم انه شعب مؤمن، مسلميه ومسيحييه يرفض كل ما يخالف العقائد الدينية، ويرفض كل ما يخالف الشريعة الاسلامية التي تحفظ الحقوق المتساوية لكل ابناء الوطن والتي عشنا في ظلالها قروناً عديدة إخوة متحابين، وشركاء في المسئولية، نشرب من نيل واحد، ونعيش علي أرض واحدة، وندافع عن الوطن فتسيل دماؤنا لتمتزج علي الأرض دون تفرقة ودون تمييز، تعرضنا للظلم جميعا في العصور الاستبدادية قديما وحديثا، وبنينا معا بنيان الوطن اقتصاديا وتنموياً في عصور النهضة، وسنتمتع جميعا بثمرات صبرنا الطويل وجهدنا الحالي وفي المستقبل عندما نشيد نهضة مصر الحديثة. لقد اختلف البعض حول جدول التحول الي النظام الديمقراطي الدستوري.. وارتفعت أصوات تتهم الشعب بالغباء أو تغييب الوعي وغيرها من الاتهامات الباطلة. وها هي الانتخابات توشك علي النهاية. وظهر للجميع من يحترم إرادة الشعب، ويقبل القيم الديمقراطية، ويعمل وفق الآليات والوسائل الديمقراطية. ونريد من كل القوي السياسية، والنخب الفكرية، والعلماء والباحثين، والإعلاميين أن يتحلوا الآن بروح المسئولية. مسئولية وضعتها الملايين الذين صوتوا في الاستفتاء ثم الانتخابات لأول مرة في تاريخ مصر الحديث في أعناق الجميع. مسئولية بناء الوطن وصنع نهضته وتنمية موارده وعدالة توزيع عوائد التنمية علي كل المصريين مع الحفاظ علي كرامة المصري وحقوقه الإنسانية. هذه المسؤولية تحتاج إلي عودة لروح المصالحة بين كل الأطياف من جديد. لن نستطيع القيام بأعباء النهضة المرتقبة أو إعادة الحقوق إلي كل المصريين إلا إذا سادت روح التوافق من جديد وكان التسامح هو شعار المرحلة الجديدة، إن تصور البعض ممن فاز في الانتخابات أو كانت حصته قليلة أو خسر بصورة كبيرة أن الأغلبية هي التي تتحمل المسئولية فقط تصور خاطئ، إننا جميعا في سفينة واحدة، إذا أبحرت ونجت نجونا جميعاً. إن الشعب هو صاحب القرار وهو الذي يتحمل المسئولية في المقام الأول، وعليه أن يعمل علي مساعدة البرلمان القادم ثم الحكومة والرئيس المنتخبين فيما بعد علي قيادة البلاد الي النهضة. علي كل مصري ومصرية أن يدرك أن هذا الوطن وطنه وأن هذا البلد بلده، وأن بناء هذا الوطني يحتاج الي سواعد الجميع وأنه تحول من مجرد مقيم إلي شريك. علي الجيش أن يدرك ان مسؤوليته لم ولن تنتهي بمجرد تسليم السلطة للرئيس الجديد، بل علي الجيش أن يساعد الادارة الجديدة للبلاد من برلمان وحكومة ورئيس علي تخطي الصعاب، ليس فقط بحماية البلاد والدفاع عنها بل أيضا بالولاء لسلطة الشعب التي فوضها الشعب لمدة قابلة للتجديد. علي جهاز الشرطة أن يراجع حساباته ويتعلم من أخطاء المرحلة السابقة وأن يعود إلي العمل بكل طاقته في إطار من روح المصالحة والتوافق مع فرز كل من أجرم ومحاسبته وفق القانون ليتطهر من أدران النظام السابق الذي ورطه في حماية الاستبداد والفساد والتوريث فالوفاء لدماء الشهداء يقتضي القصاص العادل ممن قتلهم. علي الأحزاب السياسية أن تتعاون ولا تتعارك، أن تتوافق ولا تتنافر، أن تلتقي علي المصالح العليا للبلاد، وهي معروفة وواضحة، لإعداد دستور جديد يعلي من إرادة الشعب ويحقق السيادة للشعب، ويوازن بين السلطات الثلاث، ولا يصنع فرعونية جديدة. كما علي رجال المال والأعمال والمستثمرين كبارهم وصغارهم أن يعملوا بجد وحماس علي تحقيق آمال المصريين في اقتصاد قوي ومتين خلال سنوات قليلة بحيث يجد معظم العاطلين، وأخص الشباب، فرصة عمل تجدد ولاءه للوطن. علي رجال الإدارة العليا للبلاد النظر بعين الاعتبار إلي التغيير الهائل الذي أحدثته الثورة في مصر، فلا يتمسكوا بالرواتب الخيالية التي كانت لشراء الولاء للنظام السابق وأن يقبلوا بالحد الأقصي للأجور والمدد الزمنية المحددة للبقاء في المناصب العليا وأن يساعدوا علي بناء كفاءات جديدة من الشباب تتسلم المسئولية جيلاً بعد جيل. لن نستطيع أن نحقق تلك الآمال وهذه الأحلام التي فجرتها الثورة المصرية إلا إذا سادت روح التسامح والمصالحة والتوافق الوطني، وعدنا من جديد مع إقبال العيد الأول للثورة إلي روح ميدان التحرير وهنا أذكّر الإعلاميين والنخبة بمسئوليتهم لتدارك أخطاء الشهور السابقة. فلنقطع الطريق علي المتربصين بمصر والذين يعملون ليل نهار علي إجهاض أحلامنا وتمزيق وطننا وتفتيت جبهتنا الداخلية. لندرك أن هذا الوطن مسئولية الجميع، ولن ينهض إلا بتكاتف الجميع. نقلا عن صحيفة الاخبار