الجمهورية 4/1/2008 ما هو المفهوم والمستفاد من الأزمة المصطنعة التي افتعلتها تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية بتصريحاتها الاستفزازية التي انتقدت فيها مصر واتهمتها بعدم الكفاية في مراقبة الحدود ومنع تهريب الأسلحة إلي قطاع غزة؟؟ وما هو الهدف أو الأهداف الحقيقية من هذه الأزمة؟ هل هو مجرد الضغط علي مصر لكي تقوم بدور الشرطي المكلف بتوفير الحماية والأمن الإسرائيلي وضرب الفلسطينيين لحسابها؟؟ الواقع أن هذه الأزمة المفتعلة تأتي في سياق عام من السياسة الإسرائيلية التي لا تؤمن بسلام حقيقي يقوم علي احترام حقوق وإرادات الشعوب. وعلي تبادل الحقوق والالتزامات والواجبات سواء المنصوص عليها في المواثيق أو المعاهدات الدولية أو في أي اتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف. السياسة الإسرائيلية تقوم علي المناورات والمؤامرات والضغوط والابتزاز وتجنيد العملاء من سياسيين وقادة وإعلاميين يعملون لحسابها سرا أو جهرا. وتقوم هذه السياسة علي التسويف والمماطلة وكسب الوقت والتنصل من أي التزام سواء أكان التزاماً شفوياً أم مكتوباً. وأمامنا في الأسابيع القليلة الماضية عدة نماذج صارخة لهذه السياسة الإسرائيلية وتجلياتها. وكل منها يكشف أكثر من وجه من وجوه السياسة الإسرائيلية. النموذج الأول: لقد دعت الإدارة الأمريكية لعقد مؤتمر للسلام في مدينة أنابوليس الأمريكية. ودعت إليه حشدا من الدول والمنظمات الدولية بما فيها الدول العربية. وأعلنت أن المؤتمر سيكون منطلقاً جديداً لعملية السلام بحيث تقوم الدولة الفلسطينية المفترضة خلال عام 2008 الذي بدأ منذ أيام والذي يعرف الجميع أنه عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية ونهاية فترة بوش الرئاسية الثانية ومن ثم فإن الإدارة الامريكية سوف تكون عاجزة عن اتخاذ أي قرارات أو ممارسة أي ضغوط خصوصا في اتجاه إسرائيل التي لم تمارس عليها الإدارة الأمريكية أي ضغوط حقيقية في أي وقت. أما النموذج الثاني :-:فهو الضغوط التي مارستها الحكومة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني الأمريكي علي الإدارة والكونجرس مما أدي في النهاية إلي وقف مبلغ مائة مليون دولار في المعونة العسكرية الأمريكية لمصر بسبب دعاوي عدم قيام مصر بواجباتها في وقف تهريب الأسلحة إلي داخل قطاع غزة. والأمر ليس أمر مائة مليون دولار. وليس أمر حراسة حدود. ولكن الهدف الحقيقي لإسرائيل هو إحداث نوع من القطيعة أو التوتر في العلاقات المصرية الأمريكية. والذي يدركه الساسة الأمريكيون أن العلاقات المصرية الأمريكية في غاية الأهمية بالنسبة لكلا البلدين. ونحن المصريين نتمني أن يأتي اليوم الذي تتوقف فيه حاجتنا للمعونة الأمريكية سواء الاقتصادية أو العسكرية وأن يكون القرار في هذا الشأن قراراً من جانبنا بالاستغناء عن هذه المعونة وليس قراراً أمريكياً بوقف المعونة أو خفضها. ولكن إلي أن يأتي هذا الوقت الذي نرجو أن يكون قريباً فنحن نرفض أن تكون هذه المعونة مرتبطة بأي شروط تمس السيادة الوطنية المصرية وخصوصا عندما تكون هذه الشروط بإيحاءات إسرائيلية ولمصالح إسرائيلية وليست لمصالح أمريكية حقيقية. والشاهد في الأمر هنا أن السياسة الإسرائيلية تعتمد أسلوب التحريض والتآمر وإثارة التوتر وممارسة الضغوط. وهو ما مارسته الحكومات الإسرائيلية منذ قيام إسرائيل حتي الآن. والذي لا تريد أن تفهمه تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية أن وجود اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل وحرص مصر علي هذه الاتفاقية وعلي السلام وأنه لا يعني بأي حال - ويجب ألا يعني بأي حال - الخضوع لأي ضغوط أو أي ابتزاز من جانب إسرائيل. وأما النموذج الثالث :-فهو هذه التصريحات المستفزة وهذه الأزمة المفتعلة التي تعرف ليفني أنها إنما تستند فيها إلي أكاذيب وادعاءات باطلة فيما يتعلق بالدور المصري والكفاءة المصرية في مراقبة وحماية الحدود. فوزيرة الخارجية الإسرائيلية تعلم أنه في جميع المناطق الحدودية في العالم تحدث عمليات تهريب. ولا يمكن لأي دولة مهما أوتيت من قوة وتوافرت لديها حتي أجهزة ونظم استطلاع أن تسيطر سيطرة كاملة علي مناطق الحدود وتوقف عمليات التهريب. وتعرف وزيرة الخارجية الإسرائيلية أن جزءا رئيسياً من تسليح المقاومة والميليشيات الفلسطينية مصدره إسرائيل. وأن هناك عصابات يهودية تقوم بسرقة السلاح وبيعه للفلسطينيين. وأن جزءا من عمليات البيع يتم برعاية أجهزة حكومية إسرائيلية بهدف إثارة النزاع بين القوي الفلسطينية واستنزاف أموالها وقواها. وزيرة الخارجية الإسرائيلية بالأزمة التي افتعلتها إنما تسعي لتحقيق عدة أهداف في وقت واحد: - الأول: محاولة الفوز في مزاد السباق إلي رئاسة وزراء إسرائيل خلفاً لرئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت. وهو سباق يشارك فيه إيهود باراك وزير الدفاع ورئيس الوزراء السابق ونتنياهو رئيس الوزراء الأسبق فضلاً عن ليفني وأولمرت. ولعلنا نلاحظ هنا أن ثمة نوعاً من توزيع الأدوار بين ليفني وبين باراك. ففي الوقت الذي أثارت فيه ليفني هذه الأزمة جاء باراك إلي مصر ليلتقي بالرئيس حسني مبارك والمشير حسين طنطاوي وعمر سليمان لبحث عملية السلام!! ماذا كان يفعل الآخرون إذن!! - الثاني: العمل علي الإلهاء وتحويل الأنظار عن عملية الاستيطان التي تواصلها الحكومة الإسرائيلية بكل همة لاستكمال عملية تغيير الواقع علي الأرض. وهي نفس السياسة التي اتبعت وتكررت بنجاح علي مدي ستين عاما حتي الآن ولم يتمكن العرب من كسر دائرتها حتي الآن. - الثالث: الضغط علي مصر حتي لا تقوم بدور فاعل لصالح الجانب الفلسطيني. فليس خافياً أنه مع وجود أدوار أو محاولات أدوار من جانب دول عربية فإن الدور المصري يبقي هو الأكبر وهو الأهم وهو المطلوب عربيا. ولكن السياسة الإسرائيلية التي تمثلها ليفني تسعي إلي إلغاء أو تقليص هذا الدور المصري. ولكن.. إذا كان السلام مهما لنا فهو أهم لإسرائيل حتي وإن ادعت الحكومة الإسرائيلية أو حاولت أن توحي بغير ذلك. ونحن لسنا في الموقف الضعيف ولا ينبغي أن نشعر بذلك. ولذلك علينا أن نرفض أي ابتزاز إسرائيلي. وأن نقابل أي ضغط بضغط أكبر وأن تعلم ليفني ومن علي شاكلتها من سياسيين إسرائيليين أدب الدبلوماسية واحترام الأعراف والتقاليد. المزيد من اقلام واراء