لم يهنأ جوردن براون رئيس وزراء بريطانيا بمنصبه منذ خلف بلير في رئاسة الوزراء في يونيو الماضي بعد أن بدأت تظهر حركة تمرد واسعة النطاق من داخل حزبه وكان شعار الذين يقودون الحملة أن براون يفتقد الرؤية السياسية. ثلاثة من زعماء الحزب وهم, تشارلز كلارك وستيفن بايرز وألن ملبورن أعلنوا أنهم مستعدون لبدء سلسلة من الحملات يتحدون فيها سياسات براون. وهؤلاء الثلاثة وهم وزراء سابقون في حكومة بلير يجهزون خطة لإلقاء خطب وإجراء أحاديث صحفية يشرحون فيها بالتفصيل النقاط التي يعتقدون أن حكومة براون تفتقد الرؤية فيها, والتي تجعل هذه السياسات بعيدة عن تفكير الرأي العام في بريطانيا. بما في ذلك الضرائب وإصلاح أجهزة الخدمات الجماهيرية والمدارس والمستشفيات. كما أن هؤلاء الوزراء السابقين الثلاثة قد افتتحوا موقعا لهم علي الإنترنت لتحفيز الرأي العام علي الدخول في مناقشات سياسية واسعة يحرجون فيها براون. وفي المقابل فإن أنصار براون ومؤيديه اعتبروا هذا الموقف من الوزراءالسابقين في حكومة بلير عملا عدائيا يتحدي قيادة براون الحالية لحزب العمال. بالرغم من أن هذه الحملة مركزة علي براون ووراءها تأييد من عدد كبير من النواب في مجلس العموم, إلا أن هذه الحملة قد تكون لها انعكاسات أخري ليس بالنسبة لبراون فقط ولكن بالنسبة لحزب العمال نفسه لأنها تأتي بعد سلسلة من الحملات الهجومية علي توني بلير وسياساته الداخلية والخارجية وخاصة موقفه من حرب العراق وهي الحملات التي أدت إلي خروجه من السلطة. لكنها في نفس الوقت كانت تعتبر في نظر الكثيرين دليلا علي فشل السياسة العمالية أكثر من أي شيء اخرولذلك فإن استمرار الهجوم من داخل حزب العمال علي براون يعد استمرارا للهجوم السابق علي بلير وحزبه. أو من خارج حزبه والذي كانت تعبر عنه أصوات كثيرة ليس فقط من حزب المحافظين المعارض وإنما أيضا من رجل الشارع في بريطانيا وهو ما قد يؤدي في النهاية إلي إضعاف موقف حزب العمال لدي الناخبين لأن حزب المحافظين المعارض لن يترك هذه الفرصة دون التركيز علي نقاط الضعف في سياسات الحكومة العمالية مستغلا ما يقدمه له الذين يقودون حملات الهجوم علي حكومة براون وسياساته. وتقول مجلة الإيكونومست الأمريكية أن براون كان قد بدأ منذ توليه رئاسة الوزارة بعد بلير في يونيو الماضي يظهر نفسه بشكل مختلف سياسيا تماما عن بلير, حتي إنه لوحظ عليه أنه يستخدم أحيانا بعض الأفكار التقليدية لحزب المحافظين المعارض. كما حاول أن يصور نفسه بأنه شخصية قوية وجادة وكأنه بذلك علي النقيض من توني بلير حتي أنه بدا وكأنه يحاول إقناع الناخبين بأنه يرأس حكومة جديدة وانه ليس استمرارا لتوني بلير, بالرغم من أنه كان الرجل الثاني في حكومة بلير لمدة عشر سنوات. وهذا الموقف من براون أساء للبعض من زملاء بلير في حكومته السابقة وهم الذين كانوا أيضا زملاء لبراون لأنهم كانوا مشاركين في القرارات التي كان يتخذها بلير. وأن براون يمثل استمرارا لحكومة بلير وليست عهدا جديدا مختلفا عن سابقه. ولذلك فإن ما يفعله براون هو محاولة لإبعاد نفسه عن عهد بلير خوفا من أن تطوله موجات الهجوم السابقة علي سياسات بلير نظرا لأنه كان عضوا في حكومة بلير ومسئولا أيضا عن سياسات الحكومة ككل. وتقول صحيفة الصنداي تليجراف البريطانية أن أصدقاء الوزراء السابقين الثلاثة قالوا إن أعضاء آخرين في مجلس العموم من حزب العمال كانوا قد اتصلوا بهم في أعقاب سلسلة من النكسات السياسية لبراون تشمل قراره للدعوة لانتخابات مبكرة وكذلك الهجوم الذي شنه عليه مؤخرا ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين في مجلس العموم. وذكر نائب عمالي في مجلس العموم لصحيفة الصنداي تليجراف أن عددا من الأعضاء العماليين الذين اتصلوا بالوزراء السابقين الثلاثة طلبوا منهم إجراء مناقشات حول سياسات براون وأنهم كانوا قد التزموا الصمت في بداية تولي براون السلطة من أجل وحدة الحزب واستمروا علي هذا الالتزام إلي أن وجدوا أنه يجب عليهم مواجهة أخطاء براون وكان رد براون علي هذه الحملات قوله أنه يقود حكومة تضم جميع الكفاءات وأن الجميع يشهد بأن مؤتمر الحزب الذي عقد في بورن ماوث الشهر الماضي أظهر أن حزب العمال يتمتع الآن بأكثر حالات وحدته منذ جيل كامل. ويقول المقربون من رئاسة مجلس الوزراء إن مزاج براون ليس في حالة جيدة منذ تصاعد هذه الحملات ضده بالإضافة إلي النكسات السياسية التي أصابته وأن أكثر ما يقلقه هو أن تتزامن هذه الحملات مع هجوم من المعارضة في مجلس العموم علي سياساته. في نفس الوقت بدأت موجة أخري من الهجوم علي براون بعد أن أبدي40 نائبا عماليا في مجلس العموم استعدادهم لتحدي براون بشكل مباشر بسبب رفضه إجراء استفتاء بين الشعب البريطاني حول المعاهدة المقترحة لإصلاح الاتحاد الأوروبي. ومعني اتخاذ هذا العدد الكبير من النواب موقفا موحدا من المعاهدة أن تخسر حكومة براون أغلبيتها في مجلس العموم بالتصويت بالموافقة علي المعاهدة. وفي نفس الوقت شنت جيسيله استيورت الوزيرة السابقة في حكومة بلير هجوما علي براون لرفضه معاهدة إصلاح الاتحاد الأوروبي, وقالت أن عليه أن يغير من موقفه إذا أراد أن يكسب ثقة الشعب البريطاني. وهكذا يبدو أن براون أصبح محاصرا بجبهات هجومية متعددة من داخل حزبه سواء من وزراء سابقين أو من نواب في مجلس العموم, وهو ما يشكل خطورة علي حكومته أكبر مما يمكن أن تشكلها معارضة حزب المحافظين. ومن الواضح أن هذه الحملات في طريقها للتصاعد وليس للتوقف ولكن الفرصة الوحيدة التي يمكن أن يفلت بها براون من هذا الحصار هي أن يحقق إنجازا داخليا كبيرا, يجعل الرأي العام في بريطانيا يلتف حوله أو أن يحرز انتصارا ملموسا في الانتخابات القادمة مما يخفف من مواقف المتمردين ضده.