بدأت التساؤلات حول ماهية المباحثات بين طهران والاتحاد الأوروبي بشأن البرنامج النووي الإيراني تزداد في الآونة الأخيرة, حيث ركزت هذه التساؤلات علي الموضوعات والقضايا التي يتناولها علي لاريجاني مسئول الملف النووي الإيراني مع خافيير سولانا المنسق الأعلي للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. سبب هذه التساؤلات يرجع إلي أن هذه المباحثات التي تهدف في الأساس إلي البحث عن أرضية مشتركة بين الجانبين يمكن من خلالها أن تنطلق المفاوضات الأساسية, وحسب تصريحات لاريجاني نفسه أنها أصبحت تسير في منحي آخر ووصفه بالعقلانية. وجاء هذا التصريح ردا علي سؤال حول اذا ما كانت المباحثات قد تركزت علي تعليق أنشطة التخصيب من عدمه, وهذا يعني أن الغرب ربما يكون قد تخلي عن هذا المطلب برغم اعلانه رسميا في كل مرة. ويستنتج المراقبون تخلي الاوروبيين عن مطلب تعليق التخصيب من ان المباحثات مستمرة ويعلن الجانبان في نهاية كل جولة منها تحقيق تقدم. ولو كان تعليق التخصيب موضوعا جوهريا ورئيسيا في المباحثات لكان الجانبان أعلنا منذ فترة فشل مباحثاتهما لتجمد المواقف بينهما.لكن بعض المراقبين يرون الأوروبيين مازلوا يسعون مع الجانب الايراني لوقف التخصيب وهم ينتهجون في ذلك سياسة النفس الطويل. ومع نفس المسار الذي تسير فيه المباحثات التي ستشهد جولة جديدة في الأيام القليلة المقبلة تعد الولاياتالمتحدةالامريكية مشروع قرار جديدا لينظره مجلس الأمن الدولي ويتضمن تصعيدا جديدا للعقوبات المفروضة علي طهران بموجب قرارين سابقين للمجلس ضري بهما ايران عرض الحائط. والمتابع للقاءات لاريجاني وسولانا وآخرها لقاء مدريد يلاحظ ان الجانبين لم يعدا ينتهجان لهجات متشددة لعلمها بان هذه السياسة لن تساعد بأي حال من الاحوال في التوصل إلي حل للأزمة بل ستزيدها تعقيدا فالضغط أو التهديد لايمكن أن يكونا طريقا للحل, بل يجب أن يكون الحوار العقلاني هو اللغة الوحيدة علي مائدة المفاوضات. الأمر الثاني ان الاوربيين يتفاوضون مع الايرانيين بعلم الولاياتالمتحدةالامريكية بما يدور عما ستسفر عنه هذه المفاوضات, أي ان الأمريكيين طرف غير مباشر في المباحثات, يؤيد الحل الدبلوماسي للأزمة مع عدم استبعاد الخيار العسكري رغم التحذيرات الدولية من خطورة هذا الخيار وعدم اعتباره حلا للازمة لأنه لايمكن ضرب القدرات والمعرفة النووية الايرانية. وهنا يجب الاشارة إلي أن العلاقة بين ايران والغرب لاتقتصر فقط علي الملف النووي, بل تتعداها إلي قضايا أخري كثيرة وهامة وفي مقدمتها المسألة العراقية. ففضلا عن أن المستنقع العراقي الذي انغرست فيه القوات الامريكية يعتبر مانعا وسببا قويا يحول دون توجيه واشنطن ضربة عسكرية لايران فان تزايد دور طهران في العراق مبعث قلق للأمريكيين خشية تصدير الثورة الاسلامية إلي بغداد وتغيير الصورة التي رسمتها الولاياتالمتحدة للعراق. * ويري المراقبون أن الامريكيين في حاجة إلي ايران لمساعدتهم علي الخروج من المأزق العراقي, بينما يري الايرانيون أن تحقيق هذا الأمر مرهون باعتراف الأمريكيين بفشل سياستهم في العراق وبوجود نية حقيقية في تصحيح الوضع الحالي ومساعدة الشعب العراقي وحكومته علي ارساء الأمن. * كما تسعي ايران ووفقا لما يراه بعض المراقبين إلي الحصول علي موافقة الولاياتالمتحدةالامريكية للعب دور في منطقة الخليج ولبنان واطلاق الأموال الايرانية المجمدة وحوافز اقتصادية أخري, هذا بالاضافة إلي برنامج نووي سلمي. * الأمر الثالث أن الطرفين الايراني والأوروبي برغم عدم اعلانهما التوصل إلي اتفاق علي حل القضية فإنهما اعترفا باحراز تقدم وانهما أجريا مباحثات ايجابية وأنهما مصممان علي استئناف الحوار, وهذا في حد ذاته يمثل نصف الحل, أما النصف الأخري فيتوقف علي جهودهما وارادتهما والاوراق التي يلعب بها كل طرف في مواجهة الطرف الآخر. * الأمر الرابع أن القول بأن الحوار الدبلوماسي سيقود إلي حل سريع للقضية وفقا لما يعتقده البعض, هو امر ليس صحيحا علي الاطلاق ولايجب علي المرء ان يكون متفائلا إلي هذا الحد. فالتوصل إلي حول دبلوماسية يحتاج في كل الأحوال وكل القضايا إلي مزيد من الوقت, ويجب ان يتم التعامل بهدوء بعيدا عن التهديدات والضغوط. * الامر الخامس ان ايران تحاول خلال المباحثات تجاهل قرارات مجلس الأمن الدولي حتي لا تكون ورقة ضغط يتمسك بها الغرب ويلوح بها في كل مرة في مواجهة طهران برغم أنها ترغب أساسا في إعادة ملفها النووي إلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن ناحية أخري تعتبر ايران ان قراري مجلس الأمن الدولي واي قرار مماثل سيصدر بتصعيد العقوبات ضدها هي قرارات غير شرعية وتخالف معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي تعطي الحق للدول الأطراف في استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية. كما يعتبر الايرانيون ان احالة ملف بلادهم النووي إلي مجلس الامن أفقد الوكالة مصداقيتها لأن الدول الكبري تعاملت مع القضية بمنهج ذي طابع سياسي وبمعايير مزدوجة من شأنها تقويض مصداقية نظام منع الانتشار النووي وعدم تحقيق عالميته لان الدول الكبري تركز وبشكل مكثف علي البرنامج النووي الايراني برغم عدم دليل علي امتلاكها سلاحا نوويا أو تخصيص برنامجها لهذا الغرض بينما تغض البصر عن اسرائيل الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي ترفض الانضمام لمعاهدة منع الانتشار, كما ترفض اخضاع مرافقها وأنشطتها النووية لنظام الضمانات الشاملة للوكالة وتمتلك ترسانة نووية عسكرية اعترف بها مؤخرا رئيس وزرائها ايهود اولمرت. ويجمع المراقبون علي أن عدم تصعيد مجلس الامن الدولي العقوبات علي ايران بقرار جديد أمر مرهون باتخاذ الطرفين الايراني والأوروبي خطوات مهمة نحو حل المشكلة وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة. * الامر السابع ان الايرانيين يعتبرون أن القضايا العالقة في الملف النووي مع الوكالة قد تم حلها بمرور الوقت وان هناك بعض القضايا الجزئية التي يقع حلها علي عاتق الوكالة وأن سببها التعامل السياسي لمجلس محافظي الوكالة مع الملف النووي. * الامر الثامن أن بعض المراقبين يتكهن أن يكون الاقتراح الذي أبداه الدكتور محمد البرادعي مدير عام الوكالة مؤخرا وتضمن الاشارة إلي احتفاظ ايران بجزء من انشطة التخصيب من الممكن ان يكون موضوعا أساسيا في مباحثات لاريجاني وسولانا. وعلي أي حال فإنه لو صح ذلك فان الموضوع الأساسي الذي يجب أن يبحثه الطرفان هو ماهية الضمانات التي يمكن أن تقدمها ايران لعدم استخدام الوقود النووي في أغراض التصنيع العسكري وصناعة قنبلة نووية خاصة أنها تسير في اتجاه تخصيب اليورانيوم علي مستوي صناعي, وهو الامر الذي حرص البرادعي علي الاشارة له لكنه قوبل باحتجاجات من قبل الولاياتالمتحدة والدول الاوروبية. اما النقطة الرئيسية المهمة والتي تثار في كل مرة تذكر فيها أزمة الملف النووي الايراني فهي خيار الحل العسكري للقضية. الدبلوماسيون وكثير من الساسة يؤكدون ان الخيار العسكري ليس حلا للقضية, بل يؤكدون أن المفاوضات هي الطريق الوحيد للحل بسبب تعقيدات المسألة علي النحو السالف ذكره وارتباط الملف النووي الايراني بعناصر أخري تحكم العلاقة بين طهران والغرب اهمها الوضع في منطقة الشرق الاوسط التي تعتبر طهران جزءا منها. ومع عدم استبعاد الامريكيين الخيار العسكري يبقي التساؤل الأهم حول موعد توجيه واشنطن ضربة عسكرية. المراقبون اجمعوا علي أنه لو تم ذلك فانه سيكون في الأشهر القليلة المقبلة أي قبل ان يسلم الرئيس جورج بوش السلطة لخلفه. ويري البعض أن الأمريكيين في خلال ذلك سيسعون بجميع الطرق إلي استصدار قرار من مجلس الأمن يبيح استخدام القوة العسكرية.فهل سيشهد الملف النووي الايراني حسما عسكريا, أم ستظل المفاوضات هي الطريق الذي تسلكه جميع الأطراف؟.