رغم كل الجدل الصاخب الذي يدور الآن حول قضية الدستور فإن عجلة الانتخابات دارت وسيبدأ العمل الجاد لإصدار قانون "مجلس الشعب " بعد مشاورات عميقة وستحدد الأحزاب السياسية التي تستمر في التحالف الانتخابي الموسع وستمضي عجلة الحياة الديمقراطية لتزيل كل المخاوف من الصدور. وأود هنا أن أقرر أن الجدل به نقاط اتفاق ونقطة اختلاف وحيدة. الاتفاق قائم علي الأمور التالية: ضرورة إعداد دستور جديد يتم بالتوافق بين كل الأمة المصرية وليس فقط التيارات الفكرية والأحزاب السياسية. المواطنة أساس الدولة، والعدل أساس الملك (استقلال القضاء )، والعدالة الاجتماعية شرط للاستقرار. مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وحقوق الاخوة المسيحيين وفق الشريعة في أحوالهم الشخصية مكفولة وحق الاعتقاد والعبادة تكفله الشريعة وهي أسمي من كل تشريع. النظام الديمقراطي السياسي يقوم علي دوران السلطة بانتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة وحرة تحت الإشراف القضائي والفصل بين السلطات وكفالة الحريات العامة في التعبير والتنظيم والتعددية الحزبية. الجيش مؤسسة وطنية غير سياسية ولا حزبية، يحمي البلاد، ويحمي الإرادة الشعبية. الاختلاف يمكن في نقطة رئيسية ونقاط فرعية يمكن الحوار حولها في الجمعية التأسيسية. النقطة الجوهرية هي: من يقوم بإعداد الدستور وصياغته؟ الشعب اختار طريقا واضحاً مرسوماً ومحدد الخطوات: يتم انتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تضم كل الخبرات والكفاءات والتيارات من كل التخصصات القانونية والسياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية. هذه الجمعية التأسيسية يتم انتخابها علي مرحلتين: الأولي: انتخاب مجلسي الشعب والشوري. الثانية: يقوم اعضاء المجلسين المنتخبين خلال ستة أشهر باختيار المائة عضو من خارج أو داخل البرلمان بالتوافق أو بالتصويت. الخطوة الثانية: تقوم الجمعية التأسيسية بإعداد الدستور. الخطوة الثالثة: يتم استفتاء الشعب علي مشروع الدستور خلال 15 يوماً. وهناك جدول زمني لهذه الخطوات محدد ومرسوم جاء في الاستفتاء الشعبي بموافقة 77٪ من 18 مليون مصري ومصرية، وصدر في الإعلان الدستوري في المادة 60 الصادر في نهاية مارس 2011 م. تبدأ اجراءات انتخاب مجلسي الشعب والشوري خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا الاعلان (مادة 41). يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشوري في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة، خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولي إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها. مادة(60). يعرض المشروع (مشروع الدستور) خلال خمسة عشر يوما من إعداده علي الشعب لاستفتائه في شأنه. (مادة 60) ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء (مادة 60) إذن هذه خطة واضحة ومرسومة الخطوات ولها جدول زمني يؤدي في النهاية إلي أن يمنح الشعب المصري لأول مرة في تاريخه لنفسه وبنفسه دستوراً عصرياً يليق بثورته العظيمة بعد أن اغتصب الملك فؤاد لنفسه عام 1922 سلطة تعيين لجنة الثلاثين أسماها زعيم الأمة سعد باشا زغلول " لجنة الأشقياء"، وأصدر الدستور الذي نتفاخر به (1923م) منحة منه للأمة. وجاهد الوفد والحزب الوطني طوال 30 سنة ضد القصر وأحزاب الأقلية والاحتلال الذين لم يحترموا الدستور تلاعبوا به إلي الحد الذي ألغاه اسماعيل صدقي بجرة قلم عام 1930 وأصدر دستوراً تفصيلا عليه سماه دستور الشعب ولم يلبث الشعب بقياده الوفد أن استعاد دستور 1923 من جديد ليستمر النضال من أجل احترام الدستور المعيب. ثم جرت الحوادث بالانقلاب عام 1952 الذي تحول إلي ثورة اجتماعية واقتصادية غير دستورية وتلاعب العسكر ( قيادة الثورة ) مع نخبة قانونية (ترزية دساتير وقوانين ) لتغيب الشعب عن الإعداد الحقيقي للدستور، فألغوا الدستور الذي شكل له محمد نجيب لجنة من كافة الأطياف عام 1953 وألقوه في صندوق القمامة، وعاشت البلاد في ظل دساتير مصنوعة " تفصيل" علي الضباط السياسيين الذي تركوا الواجب الوطني الأول في حماية البلاد بإعداد الجيش وتجهيزه وحراسة الحدود وحماية الأمن القومي للاشتغال بالسياسة فكانت النتيجة وبالاً علي البلاد في الأمرين: هاجمت القوات الصهيونية مصر عام 1956 مع تحالف العدوان البريطاني والفرنسي ثم عادت عام 1967 م بمساعدة أمريكا وفشلت القوات التي لم يتم إعدادها (لانشغال قادتها بألاعيب السياسة ) ولم يتم تدريبها ولم يتم تهيئتها للحرب ولم تنجح الا بعد ابعاد الجيش عن السياسة تماماً بحركة التطهير التي بدأها عبد الناصر بقتل عبد الحكيم عام ومحاكمة القيادات وتطهير المخابرات ثم استكملها السادات بعزل القيادة الجديدة التي تحالفت سياسياً مع خصوم السياسيين (محمد فوزي) وتفريغ الجيش تماماً لاستكمال الإعداد لحرب الشرف واستعادة الكرامة (رمضان / اكتوبر 1973). التلاعب بالدستور وعشنا في ظل دساتير مؤقتة وإعلانات دستورية منذ أعوام 4591 و6591 و4691م. وكانت نهاية التلاعب ما فعله السادات بما سماه الدستور الدائم عام 1971 م وحرف فيه بعض مواده وأدخل عليه تعديلات عام 1980 لتسمح له بالبقاء مدي الحياه. لا يوجد بديل يطرحه أصحاب الصوت العالي تحت عنوان جذاب مخادع " الدستور أولا" ليست له ملامح وليست له خطة طريق وليس له جدول زمني محدد ولم يستفت عليه الشعب، بل يرفضه أصحابه من علٍ في تحد ٍ صريح للإرادة الشعبية. نقول لهم: أين خطتكم للنقاش حولها؟ نقول لهم: أنتم تريدون سرقة الثورة وخطف الارادة الشعبية. نقول لهم: تعالوا إلي كلمة سواء. يقولون: لا حتي ترضخوا للدستور أولاً. نقول لهم: فلنتحالف في الانتخابات القادمة حتي يكون هناك تمثيل لكل التيارات. يردون: لا، وألف لا. ثم يتهمون من استجاب للدعوة بأنه يغازل " الحرية والعدالة ". ونقول: هل أنتم يا دعاة الحرية والليبرالية والديمقراطية تحرمون حتي الغزل السياسي بينما تبيحون لأنفسكم ما هو أخطر من ذلك وأشنع.. عجباً. يسأل أحدهم منصباً نفسه خبيرا دستورياً وتشريعياً: ما هو دور البرلمان القادم بعد اختيار الجمعية التأسيسية، ويتندر هل يجلسون في بيوتهم؟ ويرد عليه الإعلان الدستوري الذي يقرأه صباحاً ومساء ولكنه يتعامي عن نصوص واضحة في المادة (33) يتولي مجلس الشعب فور انتخابه: سلطة التشريع، ويقرر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة. كما يمارس الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية." والمادة (30): "يؤدي الرئيس أمام مجلس الشعب قبل أن يباشر مهام منصبه اليمين التالي " والمادة (37) يتولي مجلس الشوري فور انتخابه دراسة واقتراح ما يراه كفيلا بالحفاظ علي دعم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وحماية المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، ويجب أخذ رأي المجلس فيما يلي: مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. مشروعات القوانين التي يحيلها اليه رئيس الجمهورية. ما يحيله رئيس الجمهورية إلي المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية. ويبلغ المجلس رأيه في هذه الأمور إلي رئيس الجمهورية ومجلس الشعب. وعلي الأخوة الديمقراطيين الذين ينادون بالدستور أولاً أن يعلنوا علي الملأ فوراً: احترامهم للشعب وعدم احتقارهم له. خضوعهم للإرادة الشعبية التي صدرت في 19 مارس 2011. التزامهم بالقواعد الديمقراطية والاحتكام الي الشعب في الانتخابات النزيهة. الاستعداد للانتخابات متحالفين أو متنافسين بالنزول الي الناس مستقلين أو في أحزاب سياسية جديدة أو قديمة. الإعداد الجيد لما يريدونه من أعضاء للجمعية التأسيسية أو أفكار للدستور الجديد للحوار حولها في البرلمان لاختيار الجمعية أو داخل الجمعية لإعداد الدستور. النقاش الهادئ حول مشروعات القوانين التي يجب علي المجلس القادم إصدارها: في محاسبة المسئولين السابقين. في محاربة الفساد. في تحقيق العدالة الاجتماعية. في تحسين الاداء الحكومي والادارة العامة للبلاد. في الموازنة العامة للدولة. في تلبية الحاجات العامة للمواطنين خاصة في الصحة والتعليم والمرافق. في السياسة الخارجية. وأقول لهم مخلصاً وقد عشنا معاً أحلي سنوات العمر ضد النظام البائد، لا تصرفوا أوقاتكم فيما لا يفيد، وتخلصوا من عقدة المعارضة علي طول الخط ، وتحملوا معاً مسئولية البلاد والعباد، وقولوا للغربيين الذين يريدون فعلاً سرقة أحلامنا وثروتنا مثل توني بلير وهيلاري كلينتون وكاترين أشتون وغيرهم: لقد مضي عهد التبعية والمعونات والمنح والقروض، لسنا في حاجة إليكم ولا الي مشورتكم ولا معوناتكم ولا تدريبكم، دعونا لشأننا وأهل مكة ادري بشعابها. نقلا عن صحيفة الاخبار