بقلم : د. جمال زهران رئيس قسم العلوم السياسية - جامعة بورسعيد لمن يريدون حسم النظام الانتخابي في مصر فإن عليهم ان ينظروا أولا وأخيرا إلي صاحب الحق والمستفيد الأول وهو »الناخب« الذي هو مصدر الشرعية والسلطة. كما أن عليهم أن يقدموا المصالح العامة علي الخاصة، وألا ينقلوا عن النظم الاخري نقلا أعمي في الوقت الذي تراجع هذه النظم نظامها الانتخابي لثبوت فشله وتعقيده، وفي تقديري فإن النظام الفعال هو أن يكون نظاما احاديا إما القائمة أو الفردي، وقد ثبت بطلان نظام القائمة المشوة والذي قدم المصلحة الخاصة للحزب الحاكم آنذاك، علي المصلحة العامة، فكانت النتيجة الفشل وعدم الدستورية خلال عامي 4891، 7891 كما انه قد ثبت ان النظام الانتخابي الفردي المعروف بنظام الاغلبية أو العكس، يحتاج الي مراجعة شديدة نظرا لتراكم الخبرة العملية في اساءة استخدامه في ظل سيطرة المال والسلطة والبلطجة وهي عوامل نشيطة في اطار النظام الاستبدادي الذي يعتمد منهج تزوير الانتخابات وتزوير ارادة الشعب باستمرار. والسؤال الأول هو: ما الذي نريده من النظام الانتخابي المأمول؟ الاجابة الحاسمة هي ان يكون حصاد هذا النظام التيسير علي الناخب للوصول الي ارادة شعبية حقيقية تتجسد في برلمان أكثر تعبيرا عن التركيبة السياسية للمجتمع. والسؤال الثاني هو: ما هي الأهداف السياسية المنشودة لتأسيس نظام ديمقراطي؟ الاجابة الحاسمة ايضا هي: ان النظام الديمقراطي يتطلب إعمال مباديء المساواة وتكافؤ الفرص والسيادة للشعب واقرار نظام الاغلبية، الامر الذي يستلزم تفعيل خيار التعددية نتيجة الحرية وهي العمود الفقري في النظام الديمقراطي. وهنا فإن الاشارة واجبة الي ان قضية الاحتكار السياسي لا وجود لها في مثل هذا النظام الديمقراطي وان الاعتراف بالاخرين وحقهم في الوجود السياسي آلية اساسية تتجسد فيما يسمي بالتعددية السياسية اي الاحزاب السياسية المختلفة وغيرها من قنوات تترجم التعددية ومن ثم فإننا نريد احزابا سياسية قوية. والسؤال الثالث هو: كيف نوفق بين هدف دعم الاحزاب السياسية وتقويتها الي ان تصبح احزابا قوية قادرة علي المنافسة، وبين النظام الحزبي محدود التأثير في الوقت الراهن؟ بعبارة اخري كيف نوفق بين نظام قائمة نسبية تجسد واقعا حزبيا قويا، وبين نظام فردي يكرس الفردية وسطوة رأس المال؟ والاجابة الحاسمة هي: هذا هو التحدي حيث اننا نواجه واقعا صعبا يحتاج إلي رؤية خلاقة تخلصنا تدريجيا من النظام الفردي وتقربنا من نظام القائمة النسبية تدريجيا ايضا، وذلك خلال فترة انتقالية. وفي هذا السياق فإنني اطرح رؤية للنظام الانتخابي الملائم في هذه الفترة، وقد سبق ان طرحته في مشروع بحثي عام 6002 ومكثت ادافع عنه حتي اقتنعت القوي السياسية به ونجحنا في ان ندرجه في مشروع قانون الحقوق السياسية الذي قدمه اكثر من »001« نائب للبرلمان الاسبق في مارس 0102 كما ان قوي اخري عديدة ادرجته في مشروعاتها التي اعلنتها في مؤتمرات صحفية حضرت اغلبها، ومنها حركة كفاية ومصريون من أجل انتخابات حرة وسليمة، وغيرهما. وقصدت بذلك ان هذا المشروع له قبول سياسي واسع، ويحتاج الي الاخذ به في الانتخابات القادمة. ويقوم هذا النظام الانتخابي علي فكرة جوهرية باعادة تقسيم الدوائر الحالية وعددها "222" دائرة، يمثل كل دائرة نائبان مراعاة لنسبة العمال والفلاحين التي عفا عليها الزمن، باجمالي "444" نائبا حيث يتطلب الامر دمج كل ثلاث دوائر في دائرة واحدة، مثل نظام مجلس الشوري حاليا وعلي ان يرشح في كل دائرة جديدة "6" مرشحين، لتصبح عدد الدوائر "47" دائرة، ويمكن ان يصبح عدد أعضاء مجلس الشعب القادم هو 054 نائبا لتصبح عدد الدوائر "57" دائرة وذلك علي أساس الغاء تعيين رئيس الجمهورية لأي نائب في البرلمان وبافتراض ان عدد الناخبين هو "05" مليونا تقريبا، يصبح نصيب المقعد نحو "005211" ناخب مقيد بالدائرة حسب محل الاقامة الموجود في الرقم القومي. ومن ثم يصبح نصاب الدائرة الجديدة هو "057" ألف ناخب يمثلهم "6" نواب في البرلمان. وتطبيقا لذلك فإن الدائرة الجديدة هي نموذج للقائمة النسبية والمحدودة والمفتوحة، فهي نسبية حيث ان كل مقعد يحصل علي نسبته من الذين صوتوا في الانتخابات "عدد المصوتين علي عدد القائمة وهو ستة مرشحين". بمعني ان نسبة نجاح المقعد هي سدس عدد المصوتين دون اهدار صوت واحد. وهي محدودة بمعني انها ليست قائمة علي مستوي الجمهورية أو علي مستوي المحافظة ولا هي تمثل قيدا علي الحزب بضرورة الحصول علي نسبة معينة للنجاح أو الفوز بمقعد مما يعني الاهدار لمقاعد حصلت علي نسبتها في اي دائرة، بل قائمة محدودة بمنطقة اوسع من الدائرة الفردية الحالية، وليست بالاتساع غير الملائم لفعالية الاحزاب السياسية الان. وهي مفتوحة: بمعني انها ليست مقصورة علي الاحزاب السياسية فقط بل تسمح بقائمة للمستقلين، كما تسمح بالائتلاف بين الاحزاب في قائمة مشتركة، وموضحا امام كل مرشح صفته الحزبية أو انتماؤه السياسي لمعرفة الخريطة السياسية بعد النجاح، ومن ثم تصبح هذه القائمة متفقة مع المعايير الدستورية المستقرة في العالم كله حيث اعملت مباديء المساواة وتكافؤ الفرص. كما انها مفتوحة بحيث لا يجبر المرشحون في قائمة الالتزام بالعدد الكامل لكنها تشترط ان يكون عدد المرشحين اثنين علي الاقل إعمالا للعمال والفلاحين الجاري العمل بها حاليا. ومن مزايا هذا النظام ان جمعت بين مزايا النظام الفردي حيث تعود الناخبون عليه وبين مزايا القائمة حيث سيدخل الناخب للتصويت علي ورقة واحدة أي اختيار واحد وبسرعة فائقة، ولن يحتار كثيرا مثلما يحدث في القوائم كبيرة العدد، ولن يقوم بعمليتين في الاختيار مثلما هو حادث في النظام الفردي حيث يدخل الناخب ليرشح شخصين، وكذلك في النظام المختلط "فردي وقائمة" حيث يقوم الناخب بثلاث عمليات ويحتاج وقت طويل، بينما هذا النظام يحتاج الي اختيار واحد فقط من الناخب لقائمة واحدة وهو اختيار سريع وعملي، فضلا عن مزايا اخري كثيرة يضيق المقام بذكرها وربما عدنا إليها في مقال اخر إن تطلب الأمر. نقلا عن جريدة الأخبار