رغم كل شيئ مازال الأمن غائبا فى العراق في بلد مثل العراق من الصعب أن تعرف من أين تبدأ الكتابة, وعن أي المشكلات الكارثية تتحدث, وفي واقع مثل واقعنا العربي المهترئ تتردد أن تكتب عن أي واقع, لأنك إن كتبت فلمن تكتب, هل للعامة, أم للخاصة, أم لكليهما؟.. وإن كتبت وذكرت الواقع, هل ستجدي الكتابات نفعا أمام جهابذة الكتاب و المعايشين للواقع العراقي والعربي المر من خلف مكاتبهم الفخمة وفي سياراتهم الأكثر فخامة أو في استديوهات النضال الفضائي الدولارية والمكيفة الهواء, سواء في بغداد أو غيرها من العواصم العربية؟! إن الجميع الآن في أزمة, سواء داخل العراق أو خارجه, وإذا كانت الأزمات العراقية كارثية ومتحققة ودموية ولا نهائية, فإن الكوارث الأخري بدأت تنخر المجتمعات العربية بعد أن سيطر مفهوم المصلحة والفائدة والتسلق الوظيفي والاغتصاب المهني والاغتيال المعنوي, بدلا من الانتماء والمواطنة والقيم علي الجميع, بمن فيهم مدعو الثقافة والوعي والوطنية والنضال من أجل قضايا الوطن والمواطن في الكثير من الدول العربية. ومن المؤسف أن الواقع العربي سواء علي مستوي النخبويين وعلي المستوي العام, يلاحق ما يلاحق من أحداث من منطلقات أخري دون النظر إلي الماضي والاستفادة من الواقع, لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المستقبل, وفات الجميع أن الجزء لا يمكنه أن يعيش دون محيطه القريب أو البعيد, بمعني أصح فكرة الدوائر والأمن القومي العربي التي هي من أسس ثورة23 يوليو التي تم الاحتفال بها قبل أيام, سواء من قبل الذين اتخذوها أساسا للشرعية والمشروعية, أو من الآخرين الذين اتخذوا من رموزها ومبادئها أساسا للاسترزاق ومن مختلف الجهات. عموما, فإن ثورة يوليو وغيرها من الثورات العالمية والعربية ليس لها مجال الآن في العراق, لأن البلد يعيش يوميا مئات الثورات وأصبحت جميع النواحي والأقضية, وإن اختلفت المسميات لديها ثورة وقائد وزعيم وأعداء.. إلخ, والقاسم المشترك بين معظم( الثوار) هنا هو الجهل والدم, مع وجود احتلالات للبلد وغياب تام لأي توافق بين رموز العملية السياسية واتفاقهم علي شيء واحد هو استمرار تدمير البلد والإنسان, ومحاولة إلقاء أعباء ما يحدث وما حدث في العراق علي كاهل الدول العربية, والانتقام ممن تبقي من رعايا هذه الدول بلا أي ذنب, مع بقاء العراق المستمر والدائم في منطقة المجهول المصحوب بأنهار من الدماء. ويكفي أن نشير إلي أنه منذ بداية شهر يوليو الحالي وحتي يوم20 منه, كان المتوسط اليومي لعدد الجثث المجهولة الهوية22 جثة يوميا, أما الجثث المعلومة الهوية, فقد تصل إلي ضعف هذا الرقم, كما أكدت العديد من المصادر, أما عمليات التهجير القسري داخل بغداد, فوفقا لما كشف عنه الناطق المدني باسم خطة فرض القانون تحسين الشيخلي, فهي30 ألف عائلة مهجرة في بغداد, وإن شككت العديد من المصادر في هذا الرقم, لأن عمليات التطهير المذهبي للأحياء مستمرة علي قدم وساق, وضد العرب السنة في الأغلب الأعم, تنفيذا لمخطط واضح وواحد, وهو جعل بغداد شيعية المذهب تحت دعاوي الإرهاب. ويقول أحد العراقيين: إن القضاء علي الميليشيات هو الحل الأمثل لإعادة الأمن, لأن هذه الميليشيات تغذي العنف المضاد من قبل السنة, إلا أنه يري أن الأمر صعب في ظل سيطرة الميليشيات والأفكار المتطرفة علي الأجهزة الأمنية ومركز صنع واتخاذ القرار الآن في العراق, ويؤكد أن الميليشيات هي التي جعلت الكثيرين يلجأون إلي التنظيمات المتطرفة دفاعا عن أنفسهم وبيوتهم وليس حبا في هذه التنظيمات. وتقول آلاء طالباني, عضو البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني: إنك إذا دخلت إلي البرلمان لا تشعر بأن هناك مشكلة في العراق, فالجميع يضحكون ويتبادلون الأحاديث الودية. وتضيف أن المشكلة الأساسية هي عدم صدق النيات بين العراقيين أنفسهم والقائمين عليها في البرلمان, فحالة عدم الثقة والصراع هي الأساس, رغم الكلمات الودية والضحكات وكل طرف لديه مشروعه وأسلحته التي ينفذها به خارج البرلمان لتكون المحصلة كم القتل والدمار والخراب اليومي. وبسؤالها عن المستقبل, قالت: أتحدي أي شخص أن يقول ما يمكن أن يحمله المستقبل.. إننا جميعا لا ندري, نحن نناقش قوانين ونصوت ولا شيء يحدث, الخدمات الأساسية غائبة منذ أربع سنوات, وعمليات القتل والتهجير مستمرة ومتواصلة, ولا يبدو أن هناك أفقا مضيئا, وجميعنا داخل البرلمان لا نعرف ولا نملك أي مؤشرات عن المستقبل. أما بالنسبة للقوات الأمريكية أو ما يسمي بالاستراتيجية الأمريكية في العراق, فأرقام القتلي من الجنود الأمريكيين تؤكد الفشل التام لهذه الاستراتيجية, والفشل هنا عائد للتخبط الأمريكي في تحديد العدو, وضد من تعمل القوات الأمريكية, هل ضد المقاومة أو القاعدة أو الميليشيات, أم ضد من, وأصبحت مسألة تحديد العدو من الأولويات الأمريكية الآن. وبرغم مشاركة عشرات الآلاف من الجنود الأمريكان في عمليات عسكرية سواء في الأنبار أو دياللي, إلا أن الحال علي ما هو عليه, بل إن الهجمات ضد القوات الأمريكية بلغت أعلي مستوياتها وفقا لأرقام وزارة الدفاع الأمريكية, فجميع الوقائع تؤكد أن أمريكا غرقت في سفينة العراق الغارقة أيضا, وهناك من يقف علي الشاطئ بانتظار الغرق التام لينتشل حطام السفينة العراقية لمصلحته, بعد أن أسهم في غرقها وإغراق الولاياتالمتحدة بها. ولاشك فإن الأمور باتت الآن واضحة للجميع, والجميع يعلم الخاسر والفائز من الوجود الأمريكي في العراق, وكذلك في الخروج منه في هذه المرحلة, وأمام كل هذا تتفاقم يوميا الأزمات بين الشعوب العراقية التي كانت شعبا واحدا ونجحت الولاياتالمتحدة وأطراف عراقية وإقليمية في تفتيت الإنسان العراقي وبناء خنادق من الدم بين العراقيين في سياق سيناريو باتت معالمه واضحة لتقسيم العراق, وإن تعددت المسميات وإدخاله في معادلة إقليمية جديدة دفع وسيدفع العراق والعراقيون ثمنها, وكذلك الدول العربية والخليجية منها بصفة خاصة.