يتضمن العدد الجديد من مجلة "بلومبرج ماركتس Bloomberg Markets" تقريرا يفتح ملف شائك وهو الاتجار بالمواطنة و جلب الاستثمارات ببيع جوزات سفر الدول ، ويروى رحلة نجاح جزيرة صغيرة بالكاريبى فى التغلب على ازمتها المالية وعبورها الازمة العالمية بعد ان اصبحت وجهه مقصودة لمن يرغب فى الحصول على المواطنة وشراء جواز سفر يتيح له حرية الحركة و التنقل فى العالم … ويبدا التقرير بانه في عام 2006، كانت الدولة الكاريبية صغيرة " سانت كيتس ونيفيس " في ورطة كبيرة. حيث كانت مزارع السكر قد أغُلقت في العام السابق، وكان عنف العصابات قد تفشى ليعطى انطباع لوجود أعلى معدلات جرائم القتل في العالم ،وحكومتها ترزح تحت ثقل الديون …. الدولة الكاريببية التى يقطنها نحو 50 الف شخص فقط ، لا تتصل بالعالم الا عبر رحلة تستغرق ثلاث ساعات تقوم من جنوبمياميالامريكية ، وفوهتى البركان الذان يتوسطا جزر الهندالغربية لا يجذبان الكثير من الاهتمام إلى العالم الغني. ثم ظهر محامي سويسري اسمه "كريستيان كالين Christian Kalin" الذى وصل الى الجزر ليفتح لها باب تجارة رابحة ، وهو بيع الجنسية لمن يريد .. وعلى الرغم من ان "سانت كيتس ونيفيس" كانت قد بدات بالفعل عام 1984 برنامجا استثماريا لتشجيع المواطنة عبر الاستثمار ببيع جوازات السفر الا ان البرنامج لم يحصل على الكثير من الاهتمام. وبفضل "كالين" الذى طور برنامج الاستثمار بالمواطنة على الجزيرة ، أصبحت "سانت كيتس" المكان الأكثر شعبية في العالم ويسعى الكثيرون لشراء جواز السفر الخاص بها ، حيث اصبحت تقدم المواطنة لكل من يريد ويملك 250،000 دولار بدون اى شروط للمتقدمين الراغبين فى العيش عى شواطئ الجزيرة التى تعانقها الشمس ، مع مزايا عدة على راسها امكانية حصول حامل جواز السفر على تأشيرات سفر إلى 132 بلدا فى العالم مجانا، فى الوقت الذى يطالب فيه بالإفصاح المحدود عن المعلومات المالية، مع عدم فرض ضرائب على مكاسب الدخل أو على رأس المال. ولقد أصبح البرنامج ناجحا لدرجة أن "سانت كيتس" خرجت من الأزمة المالية العالمية متقدمة بفارق كبير عن جيرانها في منطقة البحر الكاريبي ، وهو ما وصفته " جوديث جولد" رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للبلاد، بانه برنامجا ناجحا ويعد بمثابة "التحول الكامل" . وحينما وضع "كالين" الجزيرة الصغيرة على الخريطة، اصبحت له سمعته العالمية ، و بعد ان كانت شركته "هينلي وشركاه , Henley & Partners" لإدارة الثروات واستشارات الهجرة ، شركة غامضة مجهولة لها مكتب صغير في زيوريخ. وكان " كالين" معروفا كباحث، كما يقول، وليس كصانع صفقات و لكن شهرته بعد نجاحه مع "سانت كيتس" جعلته يحرر دليلا يتكون من 766 صفحة لممارسة الأعمال التجارية في سويسرا، وهو دليلا تجده الان في كل السفارات داخل سويسرا . . ولم يمر وقت كبير حتى اصبح " كالين" قريبا من رؤساء الوزراء من مختلف أنحاء العالم والذين يسعون للحصول علىة مشورته ، وعلى أمل أن يتمكن من اعادة إنتاج سحر "سانت كيتس". قبل الازمة المالية العالمية كان هناك العديد من الدول التى تسمح للأجانب الأثرياء بشراء بطاقات الإقامة من خلال ما يسمى برامج المهاجر المستثمر، ولكن جزيرة "سانت كيتس" وجزيرة "دومينيكا" كانتا الدولتين الوحيدتين التان تبيعا المواطنة الكاملة لمن يرغب ،ومنذ ذلك الحين، انضمت خمس دول أخرى الى اللعبة المربحة والطريق مفتوح امام دول اخرى . واعتمدت جزيرة قبرص عام 2011 على استشارات "كريستيان كاتلين" لاصدار برنامجها للمواطنة ، تلتها جرينادا فى عام 2013، كما صمم برنامجا يشبه إلى حد كبير جدا لبرنامج المواطنة فى سانت كيتس لجزر الكاريبى فى أنتيجوا وبربودا. وفي عام 2014 وضع كالين خطة لجزيرة مالطا، وهى أصغر عضو في الاتحاد الأوروبي. و الا ن في جزيرة "سانت لوشيا" تدرس مقترحات من شركة هينلي وغيرها من الشركات، كما تبحث ألبانيا وكرواتيا وجامايكا، والجبل الأسود، وسلوفينيا في هذه البرامج أيضا. . و يقول " كالين" أن المزيد من الدول اصبحت منفتحة على جعل حقوق المواطنة متاحة من خلال الاستثمار، واعطاء الجنسية للأشخاص الذين يساهمون بالكثير لاجل البلاد . منذ تجديد برنامج "سانت كيتس " للمواطنة في نوفمبر عام 2006، تحولت شركة "هينلي" لأكبر شركة في صناعة تحويل المواطنة إلى سلعة.. حيث تشير الارقام الى انفاق المستثمرين حوالي 2 مليار دولار على شراء جوازات سفر جديدة في العام الماضي وحده فقط ، ويتوقع "كالين" أن ينمو الطلب جنبا إلى جنب مع تزايد صفوف الأثرياء في البلدان الناشئة. . ولكن وكما يقول " كالين " تبقى مسألة التنقل والأمن شرطان اساسيان لنجاح تجارة المواطنة والاستثمار، فالمستثمر بالمواطنة يسعى اليها اذا كان من بلد غير مستقر سياسيا، او حيث لم يكن متأكدا ما يخبئه المستقبل، ويريد أن يكون لديه البديل . ولا تتحدث شركة "هينلي و شركاه" عن الايرادات و مكاسب الشركة ، ولكن ارقامها تشير الى انه في نهاية عام 2014، ساعدت الشركة عشرات الحكومات فى جلب اكثر من 4 مليارات دولار من خلال الاستثمار المباشر ببرامج المواطنة أو الإقامة. ونصحت أيضا الآلاف من المليارديرات حول العالم الى أين يتوجهون وكيف يمكنهم شراء جواز سفر للراحة و الامان و الاستقرار ، وبالطبع جمعت الشركة الرسوم والعمولات من كل جميع هذه الجهات. وفي العام الماضي، ومع بلوغه سن 42 عاما ، أصبح "كالين" رئيس شركة "هينلي" كبرى شركات بيع المواطنة بالعالم . والأعمال الرائدة كالتى يفعلها "كالين" لها نصيب من النقد، فمن ينتقدها يرى انها تجارة تخص الاثرياء وتعطى لهم مساحة أكبر لتجنب الضرائب وتوفر الملاذ الآمن للأشخاص الذين جمعوا أموالهم بطريقة غير مشروعة، ويخلق نظام مالى موازى يمكن هؤلاء من اخفاء الاموال . بينما يرى البعض الاخر ان تجارة جوازات السفر والمواطنة، شانها شان بقية المهن و الصناعات، لها مالها وعليها ما عليها ، ولكن يظل السؤال: هل من الصواب تحويل المواطنة إلى شيء يمكن أن يباع ويشترى؟ وهذا لا يزال السؤال مفتوحا بالنسبة لمعظم الناس، و"كالين" نفسه يعترف بقدر ما "انها قضية حساسة"، ووراء تلك الحساسيات، قلق ايضا من استغلال المجرمين، أو حتى الإرهابيين،لهذا الباب المفتوح لشراء جوازات ثانية. و ليس ادل على هذا من اصدار وزارة الخزانة الامريكية تحذيرا فى مايو 2014 أن سانت كيتس قد منحت جوازات سفر لمواطنين إيرانيين يسعون لتجنب العقوبات التجارية المفروضة على بلادهم بسبب برنامجها النووي. وفى نوفمبر الماضى أعلنت كندا أنها لن تسمح للمواطنين من سانت كيتس بالدخول بدون تأشيرة، بسبب المخاوف من "ممارسات غير مسئولة لإدارة الهوية داخل المواطنة من خلال برنامج الاستثمار". لقراءة المقالة الاصلية