الحوار الوطني يستهدف أساسا استمرارية الاتصال والتفاعل الاجتماعي وتبادل المعلومات والآراء والأفكار والتجارب. والدعوة إلى الحوار الوطني في المرحلة الحالية تعكس بأمانة أصالة الشعب المصري بمختلف أطيافه الاجتماعية والسياسية, ومثل هذا الحوار الوطني ليس نوعا من الديالوج المسرحي الذي يعتمد على التلقين من وراء الستار. فالحوار الوطني يعكس وطنية كل المتحاورين ومصداقية أجندات كل أطرافه, ولا عجب فإن من حسن حظ هذا الجيل أن المجتمع بكل متغيراته ومستجداته وتجربته الديمقراطية ونهضته التنموية وحراكه الاجتماعي يهييء لكل أطراف الحوار الوطني سبل الاتفاق على حل أية خلافات سياسية أو تنموية أو اجتماعية.. الخ في اطار ثقافة المواطنة وأصالتها جيلا وراء جيل. وهي ثقافة ممارسة الحقوق وأداء الواجبات التي كفلها الدستور والقانون وذلك في اطار مناخ ديمقراطي دون تفرقة أو تمييز ودون عقبات إدارية. ولقد آن الأوان وأكثر من أي وقت مضى أن تسمو الوطنية وتعلو على درج حياتنا وأن نعض عليها بالنواجذ ونسعى للمشاركة في إرساء أساسها, وتشييد أركانها بالتوافق لا بالعراك, بالتفاهم لا بالخصام, بالفكر لا بالشعارات, بالتعليم والتثقيف والاتصال لا بالاعتصام ولا بالأحزاب, ولا بالتظاهر, لأن المواطنة أساسا أول عقد اجتماعي مصري في التاريخ الحضاري القديم, بمعنى أن المواطنة لظاهرة قديمة نحن صانعوها باعتبار أن مصر أول دولة موحدة منذ التاريخ القديم للبشرية ومن هنا وعبر عصور التاريخ وحتى الآن صارت المواطنة المصرية بمثابة أول عقد اجتماعي في التاريخ يحرره المصريون فيما بينهم كوثيقة تعاقدية توافقية مكتوبة وعرفية, تعبر عن إرادة شعب موحد وإرادة أمة وهي جماع ارادات المواطنين جمعاء نظرا لوحدة الهوية التي تجمعهم, ومن ثم فإن ثقافة المواطنين هي ثقافة معرفة وممارسة الحقوق وأداء الواجبات التي كفلها الدستور والقانون وذلك في اطار مناخ ديمقراطي بمعنى حرص المواطن على القيام بسلوكيات واجباته وفي مقدمتها: التعبير عن الرأي, المشاركة في العمل العام, استخراج البطاقة الانتخابية, التصويت في الانتخابات, والاستفتاءات العامة, الانضمام إلى الأحزاب والاتحادات العامة والنقابات والعمل التطوعي والأهلي, والدفاع عن حقوق الإنسان.. إلخ.. وفي هذا السياق فإن التنشئة السياسية والثقافة السياسية والمشاركة السياسية تشكل أضلاع مثلث متكامل هو مثلث الديمقراطية الذي قد تختلف أشكالها ومظاهرها من مجتمع إلى مجتمع آخر ولكنها( أي الديمقراطية) تظل في جوهرها واحدا. وتقتضي الديمقراطية هنا كفالة حريات التعبير بجميع صورها وأشكالها وفي مقدمتها حرية الصحافة ووسائل الاعلام السمعية والبصرية والالكترونية, حيث تلعب وسائل الاعلام المختلفة دورا مهما في كل مراحل التنشئة السياسية والمشاركة السياسية عن طريق ما تنشره وتبثه من أفكار وقيم واتجاهات بشكل مبسط وجذاب مما يسهل تأثيرها على المتلقى. وهكذا يتركز دور الاعلام أساسا في تمكين المواطن من فهم ما يجري محليا وعربيا ودوليا وتنمية قدراته للمشاركة السياسية باعتبارها حق وواجب المواطنة. وهنا أيضا تكتمل رسالة الاعلام في أسمى أدوارها بتوزيع تلك الأدوار بين الكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية ليتحقق مردود اعلامي أقوى وأفضل وأشمل يخاطب الضمير والوجدان جنبا إلى جنب مخاطبة العقول ويترجم مشاعر الولاء الوطني إلى إرادة سياسية تدفع المواطن( طفلا وشابا ورجلا وكهلا) إلى الانخراط في المجتمع والاندماج فيه إلى حد الذوبان, وهنا تتحقق أعلى مراحل المشاركة المجتمعية ككل والمشاركة السياسية على وجه الخصوص. ونجاح الاعلام في هذه المسئولية الوطنية يكتمل بمخاطبة مختلف قطاعات وفئات المجتمع المدني وأيضا فئات المهمشين الذين لا ينتمون إلى أحزاب أو اتحادات ومنظمات المجتمع المدني, ويتحقق هذا بدور الاعلام في بلورة ثقافة سياسية ترسخ قيم الممارسة الديمقراطية وتنشيط دور المجتمع المدني وتروج قيم التسامح الفكري وقبول الآراء ووجهات النظر الأخرى في اطار الحوار البناء لإحداث التفاعل الملائم بين الرأي والرأي الآخر في اطار المصلحة العليا للمجتمع. وفي اطار هذا المشهد الديمقراطي الاعلامي يحقق الحوار الوطني رسالته المنشودة في استحداث عقد اجتماعي جديد والعقد الاجتماعي في الأدبيات السياسية مؤداه الاتفاق بين السلطة والمواطنين سواء على شكل تعاقد مكتوب أو على شكل عقد افتراضي ضمني غير مكتوب, لكن لا يمكن تجاهله أو انكاره ويكتسب صفة العرف أو الأعراف المساندة على مستوى المجتمع ككل, وتشكل الوثيقة أو الأعراف مرجعية لضبط التعامل أو العلاقة بين المجتمع والمواطن في اطار الحقوق والواجبات المكتوبة أو المتعارف عليها بالنسبة لكل طرف. وأخيرا فإن العقد الاجتماعي للحوار سواء كان مكتوبا أو عرفيا هو في حقيقته دستور الدساتير, أو أم الدساتير لأنه إنعكاس أمين وحي وصادق للإرادة السياسية للمواطن ومشاركته المجتمعية على أرض الواقع. وإذا كانت مواد الدستور تبدو في صياغتها نصوصا قانونية جافة, فإن العقد الاجتماعي في صياغته منظومة فكرية أخلاقية ارتضاها المواطن ميثاق عهد متبادل مع المجتمع, ومن هنا يكتسب الحوار الوطني أهميته ومرجعيته الشعبية مع صياغة مشروع هذا الميثاق. نقلاً عن صحيفة الأهرام المصرية