"التضخم" كلمة صماء بالنسبة لكثير من الناس، بالرغم من ظهورها بشكل شهري في الصحف والمواقع الاليكترونية الا ان المواطن ربما لا يعبأ بها، ولكن انتبه عزيزي المواطن فهذا المصطلح مرتبط ارتباطا وثيقا بما في جيبك. اذا وجدت ان راتبك لم يعد يكفي احتياجاتك الشهرية التي اعتدت عليها، وبدأت تستغنى عن بعض المصروفات التي تضعها تحت بند "الرفاهية" وربما بعض البنود الاساسية لمجابهة ارتفاع الأسعار فإنها اعراض التضخم. مؤشرات التضخم هناك مؤشران لاحتساب التضخم، الاول هو مؤشر أسعار المستهلكين "Consumer Price Index-CPI " والذي يصدره الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، ومؤشر التضخم الأساسي "Core-Inflation الذي يصدره البنك المركزي. ويعد مؤشر اسعار المستهلكين هو الأهم والاقرب للمواطنين، حيث يقوم جهاز التعبئة الاحصاء بمسح شهري لحجم إنفاق الأسرة اخذا في الاعتبار سلة تتكون من 826 سلعة وخدمة بأوزان نسبية مختلفة. في المقابل يعد مؤشر التضخم الأساسي أقل تمثيلا لتكاليف المعيشة، ولا يتعامل مع الصدمات السعرية لأنه يستبعد عدة بنود من مؤشر أسعار المستهلكين من بينها الخضروات والفاكهة، التي تعتبر العناصر الغذائية الأكثر تقلبًا (وتمثل 8.8%، من السلة السلعية للمستهلكين)، وكذلك العناصر المحددة إدارياً كالكهرباء والمياه والخبز المدعم وتمثل 19.4%، من السلة السلعية للمستهلكين. وارتفع معدل التضخم الأساسي، المعد من قبل البنك المركزي 0.3% في ديسمبر 2014 مقابل انخفاضا بنحو 0.15% في نوفمبر السابق عليه، فيما إنخفض معدل التضخم السنوي إلى 7.69 % في ديسمبر من 7.81% في نوفمبر. واعتبرت بسنت فهمي الخبيرة المصرفية ان اسعار التضخم الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء الأصدق، لافتا الى ان التضخم الاساسي الذي يصدره البنك المركزي لا يعكس الواقع المصري لانه يستبعد السلع المحددة اداريا والخضراوات والفاكهة والوقود، واستطردت قائلة "ما يستخدم في أمريكا ليس بالضرورة ان يتفق مع الواقع المصري". ويهدف البنك المركزي من المؤشر الأساسي التنبؤ بمعدل التضخم في الأجلين القصير والمتوسط ومحاصرته من زاوية "المعروض من النقود". وتختلف الدول عند حسابها لمعدل التضخم الأساسي في تحديد العناصر التي يجب استبعادها من "CPI" باختلاف هياكلها الاقتصادية وسياساتها النقدية، فاليابان تستبعد الأطعمة الطازجة، وتستبعد أمريكا الأطعمة والطاقة، وتستبعد كندا الخضار، والفواكه الطازجة، والبنزين، والديزل، والغاز الطبيعي، وتكاليف المواصلات داخل المدن، والدخان، وفوائد القروض المنزلية، وتستبعد الأرجنتين السلع شديدة التقلب أو الموسمية، والخدمات التي يفرض عليها ضرائب عالية أو ذات الأسعار المدارة. سياسات مواجهة التضخم؟ دائما ما تتجه الاعين لقرارات البنك المركزي المصري حيث تعقد لجنة السياسات النقدية 8 اجتماعات محددة التواريخ مسبقا خلال العام لتتخذ القرارات المناسبة لمكافحة الانشطة التضخمية وذلك باستخدام الادوات المتاحة لها، ولكن هل يد واحدة تكفي؟ رفض هشام ابراهيم استاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة تحمل السياسة النقدية – متمثلة في البنك المركزي – عبء مواجهة زيادة الأسعار، مشيرا الى انه يجب ان يصحبها بل ويسبقها دور الدولة التنظيمي والرقابي. واوضح إبراهيم ان الدور التنظيمي اهم وهو احداث توازن بين العرض والطلب، من خلال عدة اليات فدخول البنوك في تمويل التجزئة ينشط جانب الطلب ويزيد الاستهلاك، كما ان لجمعيات حماية المستهلك دور في محاربة ارتفاع الاسعار، كما يمكن للدولة ان تتدخل لزيادة منافذ بيع السلع – المجمعات الاستهلاكية – للحد من الاحتكار، لتوفير السلع التي تشهد زيادة في الطلب تتدخل الدولة بتشجيع قطاع الاعمال بزيادة هذه السلع او التدخل بقرارات ادارية مثل رسم الوارد لسرعة استيراد السلع. وأكد أسامة المنيلاوى، مساعد مدير عام قطاع الخزانة لدى أحد البنوك، أن استخدام سعر الفائدة للسيطرة على ارتفاع التضخم قد لا يعتبر أداة فعالة للسيطرة على معدلاته لاسيما أن ارتفاع مستوى الأسعار ينتج عن التوسع في استيراد السلع وليس عن زيادة في المعروض النقدي أي التضخم المستورد. وبلغت قيمة الواردات نهاية العام المالي 2014-2013 نحو 59.821 مليار دولار بزيادة قدرها 2.138 مليار دولار على العام المالي السابق، في حين تبلغ قيمة الصادرات 26.119 مليار دولار خلال 2014-2013 بزيادة قدرها 869 مليون دولار على العام المالي السابق، وفقاً لبيانات البنك المركزي. وقال المنيلاوي إن أسعار السلع ارتفعت خلال الفترة الماضية بسبب اضطراب أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه، مطالباً بأن يقوم المركزي باتخاذ خطوات جريئة لدعم سعر صرف الجنيه فى الفترة المقبلة. وأشار إلى أن التضخم يرتبط بعلاقة طردية مع صرف الدولار مقابل الجنيه، الأمر الذى يؤكد ضرورة ملاحقته عبر الأداة في الفترة المقبلة. وارتفع سعر صرف الدولار إلى 7.1801 جنيه فى البنك المركزي نهاية ديسمبر 2014 مقارنةً ب 6.9579 جنيه نهاية ديسمبر 2013، ثم قفز سعر الدولار في 19 يناير الى 7.28 جنيه بما يشير إلى تراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار بنحو %3.19 خلال عام. وفي هذا الصدد، قالت بسنت فهمي الخبيرة المصرفية ان البنك المركزي يجب ان يتجه إلى دعم السلعة وليس العملة، لان دعم العملة يعني المساواة بين دعم الكافيار ورغيف الخبز"، بحسب وصفها. وتساءلت فهمي لماذا يصر البنك المركزي على تثبيت سعر الدولار رسميًا بينما يرتفع بالسوق السوداء. بينما أشاد تامر مصطفى، نائب مدير إدارة الخزانة لدى بنك التنمية الصناعية والعمال المصري بدور السياسة النقدية في السيطرة على معدلات التضخم، مؤكداً أهمية قرارات اللجنة التى عملت على امتصاص السيولة المتداولة خارج القطاع المصرفي. ويرى مصطفى أن تدخل المركزي برفع الفائدة مرة واحدة خلال العام الماضي يشير إلى رؤية جيدة وإلمام بكل معطيات السوق، لافتاً إلى أنه رغم استمرار ارتفاع أسعار كثير من السلع لكن ذلك يرجع إلى تدهور سعر صرف الجنيه مقارنة بالدولار وهو لا يعتبر مسئولية المركزي لاسيما فى ظل تواضع الموارد الدولارية للداخل. كانت لجنة السياسات بالبنك المركزي رفعت أسعار الفائدة على عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة مرة واحدة فقط خلال عام 2014، وذلك في يوليو بواقع 100 نقطة أساس 1 % عقب رفع الحكومة لأسعار الوقود في الأسواق، وتوقعات زيادة أسعار كافة السلع والخدمات تأثرًا بزيادات الوقود. وقال محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار انه من الأفضل ان لا تستخدم السياسة النقدية منفردة لمواجهة التضخم بل يجب ان تتكاتف كافة الإجراءات الاقتصادية، مضيفا انه في عام 2008 استحدثت مصر سياسة استهداف التضخم، -وهي سياسة عالمية -تعني ان جميع السياسات الاقتصادية في الدولة تتحرك سويا للسيطرة على التضخم، الا انها توقت بعد ثورة يناير. وأوضح عادل ان سياسة استهداف التضخم تعني، إذا كان سبب التضخم ارتفاع أسعار أسطوانة البوتاجاز يتم اعفاؤها من الجمارك، إذا كان السبب في اللحوم يفتح باب الاستيراد وإذا كان السبب انخفاض العملة المحلية فتتدخل الدولة بشراء العملة المحلية. التضخم في عام 2015 وحول التوقعات للتضخم خلال عام 2015، قال هشام ابراهيم استاذ التمويل والاستثمار ان هناك مؤشرات على انخفاض التضخم خلال عام 2015 وقد بدأت بالانخفاض الطفيف للتضخم خلال شهر نوفمبر وديسمبر، مشيرا إلى ان الشعور بارتفاع الاسعار تزايد بعد قرارات تقليص الدعم في يوليو ثم بدأت تتقلص الارتفاعات إلى ان تحول الاتجاه للانخفاض. وأشار إبراهيم انه يمكن ان نشهد ارتفاع اخر للتضخم مع تحريك الدعم مرة اخرى ربما في يوليو القادم، كما وعدت الحكومة بانها بصدد التخلص من الدعم بشكل تدريجي خلال خمس سنوات، الا ان الارتفاع لن يكون بذات الحدة وذلك لإنخفاض أسعار البترول. وأضاف ان اتجاه الحكومة لتوجيه الاموال للشرائح الاقل دخلا، وذلك من خلال رفع قيمة المعاش الاجتماعي وتوسيع قاعدة المستفيدين منه، لذلك إذا كانت القرارات القادمة تخص الفئة الاعلى استهلاكا سيصب ذلك في صالح الفئة الاقل استهلاكا. وتوقع أحمد العطيفي خبير اسواق المال ان يتجه البنك المركزي إلى خفض الفائدة مرة او مرتين بواقع 100 نقطة اخرى خلال العام لتشجيع الاستثمار والاقراض والتمويل وليعطي اشارة للمستثمرين في المؤتمر الاقتصادي ان هناك تعافي اقتصادي. ورجح ان تواصل العملة الأمريكية صعودها خلال الفترة القادمة وهو ما ينتج عنه بالتالي ارتفاع في معدلات التضخم لان مصر دولة مستوردة بالدرجة الاولى، لذلك يجب احكام الرقابة للسيطرة على معدلات التضخم. كانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري قررت في اجتماعها الاول في يناير 2015 خفض أسعار الفائدة على عائد الإيداع لليلة واحدة بمقدار 50 نقطة مئوية ليصل إلى 8.75% والإقراض لليلة واحدة بمقدار 50 نقطة مئوية ليسجل 9.75%، بالاضافة إلى خفض سعر الائتمان والخصم بمقدار 50 نقطة مئوية ليصل إلى مستوى 9.25%. كان مؤشر أسعار المستهلكين – معدل التضخم- ارتفع خلال عام 2014 إلى 10.1 % خلال الفترة من يناير إلى ديسمبر الماضيين مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2013، بينما تراجع خلال شهر ديسمبر للشهر الثانى على التوالي بنسبة 0.2 % مقارنة بشهر نوفمبر السابق عليه. وتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق النمو العالمي استمرار ارتفاع أسعار السلع في مصر، وأن يصل معدل التضخم إلى 13.5% في عام 2015، مقارنة ب10.1% في 2014 و6.9% في عام 2013. وأشار التقرير إلى أنه رغم استعادة مصر بعض الثقة المفقودة في قدرة الاقتصاد على مواصلة النمو فإن استكمال الخطوات الإصلاحية والبحث عن مصادر تمويل مختلفة ضرورة قصوى لتأمين استقرار الاقتصاد ورفع معدلات النمو وخلق فرص عمل.