انتهت الجولة الأولي من الانتخابات التشريعية; وبقيت جولة أخري للإعادة, وسوف يكون مبكرا الآن الدخول في عملية تحليل ما جري, وإلي أين سارت الأمور السياسية في الدولة. ولكن هناك دائما ما هو ثابت ودائم, وهو أن الانتخابات والمؤسسات وجدت لتحقيق أهداف المجتمع في التقدم والرقي والمكانة. فقبل وبعد الذهاب إلي صناديق الانتخابات توجد دائما الاحتياجات الضرورية للأمة والتي لا يمكن سدها إلا من خلال معدلات عالية من النمو, وهذه الأخيرة لا يمكن تحقيقها دون معدلات عالية من الاستثمار. وربما كان الباعث علي ذلك التفكير تلك الرحلة إلي دول الخليج العربي التي قام بها الرئيس مبارك الأسبوع الماضي والتي كان فيها ما هو معتاد من بحث القضايا العربية والإقليمية وشئون الجالية المصرية المتسعة والمتزايدة الاتساع. ولكن لكل رحلة رئاسية أولوياتها ومهامها الرئاسية وقد كانت هذه المرة جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية إلي مصر بحيث تكون مؤثرة في معدلات النمو المصرية. والمنطق السياسي والاقتصادي يقول ما يلي: تنمو مصر سنويا بمعدل2.1% وهو ما يولد إضافة سنوية لعدد السكان وصلت إلي1.8 مليون نسمة. مثل هذه الزيادة لا يمكن استيعابها, فضلا عن تعويض فترة الأزمة الاقتصادية, والعودة مرة أخري إلي النمو الاقتصادي العالي ما لم نستثمر58 مليار جنيه إضافية بحيث تحملنا إلي معدل نمو7% في السنة وتدفعنا إلي ما هو أكثر في قادم الأعوام. هذه الأموال لا يمكن توفيرها من مصادر داخلية نتيجة انخفاض معدلات الادخار, وارتفاع معدلات الدعم عاما بعد عام. والحل هو الحصول علي هذه الاستثمارات من السوق العالمية وفي المقدمة منها السوق الخليجية. فالحقيقة الساطعة في عالم اقتصاد اليوم هي أن الكتلة الرئيسة من أموال العالم انتقلت أولا إلي الصين, ومن بعدها الدول الصاعدة الآسيوية, ثم بعد ذلك دول الخليج العربية التي راكمت ثروة خلال السنوات الماضية لم تقدر الأحلام علي الحلم بها. وكانت مجلة جلوبال فاينانس العالمية قد ذكرت أن التقديرات الحالية لإجمالي قيمة الأصول التي تحتوي عليها صناديق الثروات السيادية في العالم تصل إلي نحو3.9 تريليون دولار, يتوقع الخبراء والمتخصصون زيادتها إلي ما بين6 و10 تريليونات دولار بنهاية عام2010 وإلي20 تريليون دولار في عام2020, وقد حازت هيئة أبو ظبي للاستثمار علي المركز الأول علي المستوي العالمي, باعتبارها أكبر صندوق سيادي في العالم, حيث وصل حجم الأصول التي تحتوي عليها إلي627 مليار دولار. بينما كان صندوق سما السعودي في المركز الثالث ويحتوي علي حجم أصول بلغ415 مليار دولار. وجاءت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية, وهي أول صندوق سيادي يتأسس في العالم عام1953, في المركز الثامن, حيث وصل إجمالي أصولها إلي202.8 مليار دولار. وحازت هيئة الاستثمار الليبية علي المركز الثاني عشر بحجم أصول وصل إلي70 مليار دولار, فيما حصلت هيئة الاستثمار القطرية علي المركز الثالث عشر بإجمالي أصول بلغ65 مليار دولار, وحاز صندوق تنظيم الإيرادات الجزائري علي المركز الخامس عشر, حيث وصلت أصوله إلي54.8 مليار دولار. وجاءت بعض الصناديق السيادية العربية الأخري علي النحو التالي: مؤسسة دبي للاستثمار التي تأسست عام2006 جاءت في المركز الخامس والعشرين بإجمالي أصول بلغ19.6 مليار دولار, بينما حصلت شركة الاستثمارات البترولية الدولية( أيبيك) التي تأسست في أبوظبي عام1984, علي المركز السابع والعشرين بإجمالي أصول بلغ14 مليار دولار, وحازت شركة مبادلة للتنمية في أبوظبي التي تأسست عام2002, علي المركز التاسع والعشرين بحجم أصول وصل إلي13.3 مليار دولار, وحصلت شركة ممتلكات البحرين القابضة علي المركز الثالث والثلاثين بحجم أصول بلغ9.1 مليار دولار, وجاء صندوق الاحتياطي العام الحكومي في سلطنة عمان في المركز الخامس والثلاثين بإجمالي أصول بلغ8.2 مليار دولار, وحصل صندوق الاستثمارات العامة السعودي علي المركز السابع والثلاثين بحجم أصول بلغ5.3 مليارات دولار, وحازت هيئة رأس الخيمة للاستثمار( راكيا) التي تأسست عام2005, علي المركز الحادي والأربعين بحجم أصول وصل إلي1.2 مليار دولار. نحن نتحدث إذن عن قدرة مالية تزيد الآن وفي هذه اللحظة علي تريليون ونصف تريليون دولار تبحث عمن يستثمرها وإلا فإن هذه الأموال سوف تفقد أجزاء من قيمتها نتيجة التضخم والمضاربات. وهنا تأتي مصر مكانا صالحا للاستثمار, وهو ما أشرنا له مرارا وتكرارا في مقالات سابقة باعتباره مفتاح التقدم المصري كله الاقتصادي باعتباره يرفع مستويات المعيشة, والاجتماعي لأنه يتيح خيارات كثيرة في المجتمع, والسياسي لأنه يزيد من حجم الطبقة الوسطي ويعطيها القدرة علي إقامة الاتزان في المجتمع. ولكن قضية الاستثمار في مصر يمكن التعامل معها من خلال منهجين: واحد جزئي اعتدنا عليه وهو التطوير المستمر في مناخ الاستثمار من خلال قوانين الضرائب وإصلاح القطاع المالي وتقديم التسهيلات البيروقراطية, وهذه حسنت أمورنا قليلا, ودفعتنا من المكانة165 إلي المكانة92 في مدي ملاءمة مناخ الاستثمار لعمل الشركات المستثمرة الداخلية والخارجية. والآخر شامل وكلي ولا يوفر مناخا ملائما للاستثمار والنمو الاقتصادي فقط ولكنه يوفر الأرضية اللازمة للتقدم علي كل الجبهات التي نعاني منها. واقتراحي المحدد هو ما يلي: هناك مجموعة من القواعد التي تحدد إذا ما كان بلد ما مؤهل للانضمام للاتحاد الأوروبي, فيما يتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية فيما يعرف بمعايير كوبنهاجن. تتطلب هذه المعايير أن يكون لدي الدولة قدر من الاستقرار المؤسسي المطلوب للحفاظ علي الحوكمة( الحكم الرشيد) ولضمان ترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون ومبدأ القانونية الشرعية وحقوق الأقليات, ويكون لديها اقتصاد سوق فعال وقادر علي مواجهة قوي السوق داخل الاتحاد, وأن تتعهد الدولة بتنفيذ التزامات العضوية في الاتحاد الأوروبي واعتماد القواعد والمعايير والسياسات العامة التي تشكل القانون العام للاتحاد الأوروبي والتوافق مع البيئة التشريعية السائدة. وكما هو معلوم تطورت تجربة دول الاتحاد الأوروبي من التعاون الاقتصادي الضيق في العمل الإقليمي المشترك الذي جسدته جماعة الفحم والفولاذ ووصلت في مرحلة تالية إلي الجماعة الأوروبية والسوق المشتركة ثم الاتحاد الأوروبي. وقد ضم الأخير خمسة عشر بلدا حتي30 أبريل2004; ثم شهد الاتحاد الأوروبي أكبر عملية توسع في تاريخه في1 مايو2004, حيث انضمت عشر دول; ثم أضيفت دولتان في1 يناير2007 وتبلغ دول الاتحاد الأوروبي الآن سبعا وعشرين دولة. وفي3 أكتوبر2005 بدأ التفاوض مع كرواتيا وتركيا, وقد اقتربت كرواتيا من الانضمام لتصبح العضو الثامن والعشرين فيه بحلول العام2011 أو علي أقصي تقدير2012 ويأتي ذلك بعد إنجازها معظم مراحل الانضمام. ولكن تعد عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي مسألة خلافية داخل الاتحاد; حيث تتحدث ألمانيا عن منح تركيا شراكة مميزة مع الاتحاد ولا تفضل منحها العضوية الكاملة, في حين تدعو فرنسا إلي اندماج تركيا في مبادرة الشراكة من أجل المتوسط, وهي أطروحات ترفضها تركيا جملة وتفصيلا. وبوجه عام, مازالت هناك نقاط غير محسومة بالنسبة للعضوية التركية في الاتحاد ومنها قضية الأرمن أو بشأن الاعتراف بقبرص. وعلي الرغم من ذلك فقد أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان أنه علي الأتراك أن يسعوا إلي تحديث دولتهم وتطويرها علي الأصعدة المختلفة بصرف النظر عن المحيط الذي توجد فيه هذه الدولة, مشيرا في الوقت نفسه إلي أن هدف الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي هدف لن يثني تركيا عن تحقيقه شيء, وقال في هذا الإطار أوروبا الأداة القادرة علي مساعدتنا علي ترتيب البيت التركي الداخلي. هدفنا المركزي هو وضع تركيا علي المسار المؤدي إلي أوروبا. وقد قدمت صربيا طلبا للترشح لعضوية الاتحاد الأوروبي في ديسمبر2009; وعلي الأرجح أن كوسوفو سوف تسير أيضا علي ذات الطريق الذي قد يكون طويلا, ولكنه علي أي الأحوال طريق محدد ومعروف وهو استيفاء معايير كوبنهاجن بالإضافة إلي عدد من المعايير الإستراتيجية والجيو سياسية الأخري. اقتراحنا المحدد هو الآتي: أن نأخذ معايير كوبنهاجن كحزمة استشارية واسترشادية للتنمية والتقدم في مصر ليس فقط لأن دولا مختلفة قد أخذت بها بالفعل وتغيرت أحوالها من الفقر والمسغبة إلي الغني والثروة والأسواق الواسعة; ولكن لأنها تمثل جهدا إنسانيا يوضح في خطوات معروفة ومتكاملة كيفية الانتقال من حال إلي أخري. هنا فإنني لا أعرض الأمر من أجل طلب العضوية في الاتحاد الأوروبي فذلك خارج عن الإمكانية والهوية وأمور أخري; كما أنني لا أعرضه دون إدراك الفارق بين ظروفنا وظروف الدول التي ترغب في الانضمام ومن بينها التسهيلات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للدولة التي تطلب الانضمام إليه. ولكن هذه اختلافات يمكن إدراكها بوسائل أخري مصرية وعربية وعالمية وأوروبية أيضا. والأهم من ذلك كله أنه يقدم حزمة يمكن التوافق عليها بين الأحزاب والقوي السياسية المصرية لأنها خلاصة عمل ليس فقط الأحزاب السياسية المحافظة والليبرالية الأوروبية وإنما أضيف إليها أفكار الاشتراكيين الديمقراطيين وما أنبته المجتمع المدني ومراكز البحوث الأوروبية من أفكار. وأخيرا فإن الشمول هو ما نبحث عنه, ومعايير كوبنهاجن الدليل المتكامل الذي يضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في حزمة واحدة تحقق أهداف المجتمع. تعالوا نحاول التفكير في منهج متكامل لما نحن مقبلون عليه!!. *نقلا عن صحيفة الاهرام