ثم تنسى ثمار الأسئلة لتذبل على غصونك - إلهي.. ما أضعف ما خلقتني.. وما أوهنه من جسد يحملني.. فنسمة هواء تحيلني إلي هواء.. والتفاتة لعندليب تحيلني إلي أغنية.. وملامسة لنقش تحيلني إلي نقش.. وابتسامة في وجه نجم تحيلني إلي نجم.. إلهي.. ما أجهل ما خلقتني.. أرقي إلي الشمس فينطفئ وجهي الذي لا يضيئه إلا السجود.. أدنو إلي البحر وأترك موج الحيرة يتكسر علي شاطئي دون أن يبلل قدمي.. أمد يدي لغصون الليمون وأنسي ثمار الأسئلة تذبل علي غصوني.. إلهي.. ما أبعد ما خلقتني.. ألقيت بي في أماكن لا روح بها ونفخت من روحك في جدران أخري.. فلم لم تجعل تلك الأماكن تمشي وتتحدث حتي نعرفها كما تعرفنا.. نشير إليها كما تشير إلينا.. نمشي إليها كما تنتظرنا.. نصافح حجارتها فتزهي النقوش في جدرانها وتورق اللهفة في أرواحنا فترتوي ونرتوي.. - بالأمس كان أول يوم لي في عملي الجديد عند صانع السلال.. عندما رآني قال إنني لم أزل هاويا.. أغمضت عيني وأسلمت نفسي لإزميله الصغير وهو يقشر جسدي الصغير ببطء وحرص.. ثم يبسط الروح أمامه كصفحة بحيرة رائقة.. يعمل فيها أصابعه فيحولها إلي خيوط.. خيوط شفيفة دقيقة أعجب كيف يراها.. وكيف يضفرها مع خيوط النور ويعقدها ثم يأخذ طرف الخيط بين أسنانه فيشد عليه ليحكم الربطة.. همست له: سيدي.. لا تجزل النور فروحي عذراء لم تزل.. لم تدخل دنيا ولم ترها.. ولم تذق النور إلا أماني.. - أتجنب النوافذ المقفلة التي تحتفظ بالروائح.. وأعشق النوافذ المفتوحة التي تتبادل روائحها مع اليمام الأبيض.. أتجنب الساعات المنضبطة التي تظن نفسها آلهة.. وأعشق الساعات المتعطلة التي تفسح لك الطريق لأن تمسك باللحظات بين أصابعك فتحيي وتميت.. أتجنب الطعام الساخن الذي لا يطيق لمستي له.. وأعشق الطعام البارد الذي يشكو الحنين مثلي.. أتجنب الطرق المستقيمة التي يري منتهاها من مبتداها.. وأعشق الطرق المتعرجة التي أولد فيها مع كل انعطاف جديد.. أتجنب الرفوف المثقلة بالكتب والمحاطة بغبار فوضوي من الحروف.. وأعشق الرفوف التي لا تحمل سوي كتاب أو اثنين.. كي يمكنني أن أضع أذني علي الخشب وأنصت إلي نبضات الحروف الواهنة.. - ذات صباح رائق كهذا استوقفني طفل عند باب منزلي.. أشار إلي أعلي فلمحت كرة صغيرة ملونة معلقة بأعلي شجرة.. بسملت وخلعت حذائي واحتضنت الجذع.. دفعت بقدمي لأسفل فارتفعت خطوة.. زهرها كان يقل اصفراره شيئا فشيئا كلما ارتفعت حتي تحول إلي الأبيض.. مددت يدي إلي الكرة فقفزت مبتعدة.. تعوذت ثم دفعت بقدمي لأسفل فقفزت مبتعدة من جديد.. وهكذا حتي أظلمت الدنيا.. وصارت الزهور كواكب تضيء في العتمة.. وصرت أقف علي فرع دقيق بالأعلي لا يقوي علي حمل عصفور.. هنا نادتني: أيها الشارد.. ألم يأن الوقت بعد لتصعد إلي كرتك المعلقة بأعلي الشجرة.. همست لها: أي كرة؟.. ولماذا ترفضين العودة إلي هذا الطفل الذي ينتظرك؟.. نادت: ذاك الطفل هو ما أعني فعد إليه.. اسأله عن اسمك.. واطلب منه أن يسامحك.. - يا دفء.. يا فاكهة الروح الشتوية.. يا أرضيات محطات الوصول.. يا مسكا يفتدي نفسه لأجل أن تعيش أرواح وترتوي.. يا فاكهة.. كيف لي أن أرويك ودمي رمال.. يا وصول.. كيف لي أن أسعي إليك ورملي دماء.. يا مسك.. بم أفتديك ولم يبق من جسدي سوي نافذة مفتوحة تتبادل الروائح مع اليمام الأبيض.. هذا أنا قد جئت فأين صوتك.. رباه.. هذا صوتك قد جاء.. فأين أنا..