صورة وزير الصحة المصري علي الصفحة الأولى في الأهرام مبتسمًا وسط فريق الأطباء الذي أجري عملية جراحية للرئيس في مصر صورة مخزية ومهينة لوطن بأكمله، ولم أفهم كيف يترك وزير الصحة ملف الفساد في التأمين الصحي مفتوحًا وأحوال مستشفيات الدولة في هذه الحالة المزرية وأزمة معهد الأورام والمرضي النائمين علي الأرض والأولويات المختلفة في وزارة الصحة مكدسة فوق مكتبه ويذهب مع الرئيس. هل هذا وزير صحة مصر أم وزير البلاط الملكي؟ المعضلة الأكبر هو أن يفعلها ثم يتم نشرها- عادي- ولو أنه ذهب يومين عطلة نهاية الأسبوع وعاد لما شعر أحد بالأمر، خاصة لو أقنع نفسه ومن حوله بأنه موقف إنساني وأنه تربطه بالرئيس صداقة وأن هذا شأن شخصي. لكن يبدو أن نخبة النظام لم تعد تميز بين المؤسسي الرسمي.. والشخصي، ولا السيادي القومي.. والفردي، وهذه مشكلة ضخمة ضربت كل القطاعات، وتساؤلات صحف المعارضة عن إدارة رئيس الوزراء لموضوع تعارفه الأسري مع خطيبته مثال صغير، حتي القطاع الأمني الذي شكونا وسنظل نشكو من احتكاره للشوارع وضربه عرض الحائط بالقواعد وانتشار الفساد فيه وإهانته لكرامة المواطنين كل يوم بل ترويعهم بدلاً من تأمينهم أصيب بهذا منذ زمن، وما يحدث اليوم من نقاش عام حول أمن الدولة واعتدائهم علي المواطنين بالضرب والتعذيب وآخر جرائمهم مع الدكتور طه عبد التواب في الفيوم الذي أهانه وعذبه أمن الدولة هناك لاستقباله البرادعي أمر لا يمكن السكوت عنه.. ومن أجمل ما قرأت مؤخرا القصة القصيرة التي كتبها علاء الأسواني علي صفحات الشروق عن الدم علي كف ضابط أمن دولة الذي لم يعد يجدي غسله ولا مسحه فقرر في النهاية الاستقالة من الجهاز.. نهاية متخيلة، وإن كنت أتمني أن تكون النهاية الحقيقية تغييرًا حقيقيًا في الجهاز الذي يحتاج إلي وقفة مراجعة جادة بشأن أثر ما يفعله علي شرعية النظام الذي يزعم حمايته قبل شرعية الدولة ذاتها التي اهتزت في عين المواطن. هذا نظام يتستر القائمون عليه بشبكة مخيفة من العلاقات غير الرسمية، وعلاقات فساد مركبة تتم من خلال قواعد وقوانين وضعها أفراده لضمان سيطرتهم ومراكمة ثرواتهم، وخلق مساحات تعيد إنتاج البطش والهيمنة، وتحفظ مساحاتهم المتضخمة في حين يغزون مساحاتنا، ويؤمنون ابناءهم في حين يستحلون كرامة أبنائنا، وفي ظل هذا الوضع تفقد أجيال كاملة الأمل في التغيير وتسقط في الإحباط، ويصبح بأس الناس بينهم شديد، فيفقدون شعورهم بالانتماء ويسبون البلد ليل نهار ويستشري العنف الاجتماعي بشكل غير مسبوق حتي في أبسط نفاصيل الحياة اليومية. تأملت هنا من قبل في فكرة البديل السياسي، وقلت إن المشكلة في نخبة المعارضة الحالية، وفي صمت الجماهير الغفيرة، لكننا أيضاً نحتاج لأن نفكر في مشكلة جهاز الدولة الذي يحكم مسارنا والذي يحتاج لإعادة تأهيل كاملة كي يمكن تغيير المشهد. لكن يثور مجددا سؤال: هل نغير النظام فيتغير الجهاز ونري أثر التغيير متداعيا من أعلي إلي أسفل حتي يشعر به المواطن، أم نصعد بالتغيير من أسفل؟.. فيصمم كل مواطن علي الحصول علي حقه وعلي الدفاع عن كرامته في كل موقف، ويتضامن الناس مع كل مظلوم حتي النهاية إلي أن يحصل علي حقه؟ طلب مني قارئ اتصل بي وأنا أكتب المقال أن أكتب عن الأقصي، وعما يجري في القدس، ونحن لن نتوقف عن نصرة القدس ودعوة الأنظمة لحماية الأقصي، لكن المشكلة في تقديري أن تلك الأنظمة لن تتحمس للأقصي ما دامت لم تحترم أضعف مواطن في أقصي بقعة في الوطن ولم توفر له الحد الأدني من العيش الكريم، وأن هذه السدود والحدود تحول بيننا وبين أن نشعر بالأمن كما نوفره لغيرنا وندافع عن حقهم فيه. مستقبل النهضة العربية-والاسلامية- يبدأ من هنا، وعندي من الشعور بمركزية مصر ودورها التاريخي وقدرها أن تكون ما كانته عبر القرون علي خريطة العالم والمنطقة ما يدفعني للقول بلا فخر ولا استكبار بل بعنفوان وكبرياء إن التغيير في العالم العربي يبدأ من هنا.. لا من أبراج يتطاول أصحابها في البنيان ولا من مجتمعات تحولت لساحات تسوق ولا من أرض دمرتها تنازعات الطوائف وحروب القبائل. هذا النظام فقد الرؤية، وفقد المصداقية، وفقد الكفاءة، وصار يحكمنا بالخوف، وهو ما أورث العديد من القائمين عليه في قطاعات مختلفة وعلي كل المستويات أمراضاً نفسية تحتاج إلي علاج.. وخللا في السلوك يحتاج لإعادة تأهيل، وعلي الناس أن تطالب وتضغط بكل السبل وتدفع نحو التغيير لأن الحرية تحتاج إلي يد تدق علي بابها حتي.. يفتح.