لكل من لعب به شيطان خياله وظن أنه كان يجب علينا أن ننتخب شفيق، وأن الوضع معه سيكون أفضل مما نعيشه، أهديه هذا المقال الذى نشرته صباح يوم انتخابات الإعادة، وإذا كانت القراءة المستقبلية لعهد مرسى قد صحت بنسبة، فالأمر نفسه ينطبق على شفيق، الفرق ليس شاسعا كما تتخيل ولكن الأمل موجود أيضا. «مصر اليوم تختار بين اثنين لم يحلما يومًا ما بأن يكون أحدهما رئيسا للجمهورية، حتى بعد فتح باب الترشيح، تختار اليوم بين مرشحَى الصدفة والقضاء والقدر، مرسى استبن مشروع النهضة وشفيق استبن بلا مشروع، واحد مرشح تحت وطأة كبرياء الجماعة التى وجدت نفسها فجأة تمسك ببعض مفاتيح البلد، لكن بلا صلاحيات وبمزانق سياسية ب(تقل قيمتها) بالوقت. وواحد مرشح تحت وطأة استرداد كرامته المهدرة على الملأ مدفوعا بطموح سكان الجحور فى العام ونصف العام الماضيين، والذين كانوا محط شماتة كل المقربين منهم ويحلمون باللحظة التى يستطيعون فيها أن يضعوا ساقا فوق ساق أمام الجميع من جديد.
شفيق يعنى استفحال مساحة (الرداحين) مرسى يعنى استفحال مساحة (الملاوعين)، مرسى يدعمه صاحب السماحة الإعلامية الكاذبة المعتذر الذى يخرج من أفراح أصدقائه ليفضحهم فى بيان رسمى، أو الواد المؤمن صاحب مهارة لىِّ عنق الدين، وشفيق قدامى النظام القادرين على لىِّ عنق المنطق وتستيف الباطل، بحيث يبدو أنه الحق.
مصر تختار اليوم بين مرشحين، كلاهما يحاول أن يستميل الثورة فى صفه بالكذب، ولا منطق للأمر، فالثورة تعنى إقامة دولة القانون، وكلاهما ضد القانون، وضع جماعة الإخوان غير المفهوم قانونيا والذى اكتمل بتحدى قانون حظر تكوين الأحزاب على أساس دينى بإقامة الحرية والعدالة. أما شفيق فهو ضد قانون محاسبته على بلاغات الفساد أو حتى حجم الإنفاق المريب على الدعاية الانتخابية.
الإخوان لا نعرف بالضبط (فلوسهم جابوها من فين؟) على رأى أحد الأصدقاء، أما شفيق وأنصاره فلا نعرف (ودّوا فلوس البلد فين؟) شفيق يؤمن بأن الجِمال نزلت التحرير، لكى ترقص وتشارك الثوار الفرحة، وبجملة الأفراح يرى أنصار الإخوان أن الثوار يتعاطون الترامادول (وهى عادة أصيلة فى أفراحنا الشعبية.. بما يعنى أن شفيق بيغنى والإخوان بيردوا عليه.. أو العكس)، كلاهما لا ضامن لكلمته، شفيق فى عز سيطرته قال إنه يضمن سلامة الثوار برقبته وبشرفه، ثم مات من مات، والإخوان (الحقيقة هذا البند بالنسبة للإخوان يحتوى على ما لا تكفيه هذه المساحة، ولكن اختصارا للمسألة سنكتفى بشعار «مشاركة لا مغالبة» الذى انقلب «مغالبة موتوا بغيظكم»).
مصر تختار اليوم بين مَن زرع فكرة (التكويش) على السلطات ولم يجن ثمارها، وبين من حصد ثمار هذه الزَّرْعة تحت إشراف المجلس العسكرى، تختار بين اثنين لا واحد منهما قادر على مخاطبة الجماهير أو تكوين جملة مفيدة خالية من الهذيان الشيك أو عموميات خطب الجمعة فى مساجد الأقاليم. تختار بين واحد يلوح بأمن الدولة إذا فاز وآخر يلوح بالحرب إذا خسر (لا يقين على بعض الصراحة)، بين ميزان «كفته طبّة» دائما فى صالح من يحمل كارنيه الجماعة، وبين سُلَّم سيصعده فى أقرب فرصة مجموعة الأقزام الذين دهستهم الثورة بحذائها.
هذه اختيارات تبدو صعبة، لكننى أثق تماما أنها تقودنا إلى مرحلة جديدة من ثورة تنضج وتستفيد من أخطائها وتكسب كل يوم أرضا جديدة، الحلول العظيمة لا بد أن تسبقها عقدة درامية، قد تعتقد أنها مشهد النهاية لكنها فى الحقيقة مفتاح الفرج.