كابوس ما زال جاثما على صدور المصريين اسمه «أزمة النقل والمواصلات» إحدى أخطر المشكلات المزمنة والمرعبة فى حياة المصريين، حيث وصلت حالة القطاع الأهم والأكثر تأثيرا إلى حالة مزرية مع تفاقم الأزمات والمشكلات والحوادث القاتلة فى ظل تَردٍّ مرعب وغير مسبوق، ليس آخرها حادثة تصادم قطارى الفيوم الذى أودى بحياة 4 وإصابة العشرات، إضافة إلى الشلل المرورى الكامل الذى ضرب القاهرة الكبرى أول من أمس الثلاثاء بسبب إضراب العمال فى مترو الأنفاق، وتسبب فى فوضى عارمة وزحام وتكدس غير مسبوق فى الشوارع والطرق الرئيسية. فى هذا الحوار ردود وزير النقل والمواصلات الدكتور محمد رشاد المتينى على تساؤلات الشارع حول الأزمات الأخيرة..
■ لماذا لم يتم التعامل من البداية مع عمال وسائقى المترو بالاستماع إلى شكاواهم والنظر فى مطالبهم قبل إعلانهم الإضراب وتفاقم الأزمة؟
- لم يكن إضرابا فى البداية، بل كان احتجاجا على ما سموه مخالفات لرئيس الشركة، وقد تحدثنا معهم مرات عديدة، لكن مطالبهم كانت كثيرة ومتعددة، وهددوا بالدخول فى إضراب كلى، لكننا لم نعلم أنهم جادون فى ذلك، خصوصا بعد أن صعّدوا مطالبهم وركزوا على المطالبة بإقالة المهندس على حسين رئيس شركة المترو.
■ عمال المترو اتهموك بالتعنت معهم ورفضك مقابلتهم فى مكتبك؟
- غير صحيح، فهم قد أرسلوا وفدا منهم للتفاوض على مطالبهم، ووعدتهم بدراسة بعض المطالب وضرورة أن يمهلونا بعض الوقت، لكنهم صعدوا من مطالبهم وأصروا على إقالة رئيس الشركة، وهذا ما رفضته وقلت لهم «طلبكم غير مقبول بالمرة»، لكنهم كانوا مصرين على طلبهم بشكل عجيب، ولا أدرى لماذا وصلت العلاقة بينهم وبين على حسين لهذا الوضع، حيث أيقنت أنها لن تستمر ولا يمكن أن يكملوا معا بأى حال من الأحوال.
■ حينما أيقنت بهذا الأمر لماذا لم توقف الإضراب قبل أن يبدأ وتقيل رئيس الشركة من منصبه استجابة لمطالبهم؟
- عندما علمت أنهم لم يتراجعوا فى قرارهم، وأنهم سوف يبدؤون إضرابا كليا، قلت لهم «ما ينفعش يمشى دلوقتى.. وممكن ينتقل لمكان تانى»، لكنهم رفضوا هذا الاقتراح وتمسكوا برحيله فورا، فقلت لهم «هذا ليس فى مصلحة الشركة ولا مصلحتكم ومصلحة البلد»، لكنهم لم يتفهموا الأمر.
■ يبدو من كلامك تمسكك الشديد بعلى حسين ومحاولة إقناع العمال ببقائه خلال تفاوضك معهم.. فلماذا أصدرت قرارا بإقالته؟
- لأنه لا يصح أن يقرر عمال الشركة إقالة رئيسهم مهما كانت الظروف والحجج والملابسات، لذلك قلت لهم «ما ينفعش إنتم تقرروا إنه يمشى»، خصوصا أنهم لا يمتلكون أى مستندات تدينه ولا توجد ضده واقعة فساد محددة أو إدانة من أى نوع، وأصدرت القرار مراعاة للصالح العام، وحتى لا تتأزم الأمور أكثر من ذلك، وتدخل البلد فى نفق مظلم.
■ بعد نجاح إضراب سائقى وعمال المترو والرضوخ لمطلبهم بإقالة رئيس الشركة.. هل ترى أنك أخطأت فى هذا القرار؟
- فى الحقيقة، أنا كنت مصرا على أن يستمر على حسين فى منصبه، ولم أكن أرغب فى الاستجابة لهم، لكنهم بدؤوا فى التصعيد، ووقفوا «وقفة جامدة» لكل زملائهم الذين يرغبون فى عدم تنفيذ الإضراب، ومع التصعيد المستمر جاءنى المهندس على، وقال لى «أنا مستعد أبعد، ويتم التحقيق معى» وهذا كان مخرجا جيدا منه، وأنا شخصيا لم أكن أرغب فى إقالته أو الرضوخ لمطالب العمال، لكن التصعيد كان سيؤدى إلى شلل تام فى المرور، والمتضرر هم المواطنون العاديون الذين ليس لهم فى الأمر ناقة ولا جمل، لذلك قلت للزملاء بالوزارة «اتصلوا بيهم وبلغوهم قرار عدم استمراره»، لكنهم لم يتجاوبوا وكانوا مصرين على رؤية القرار الرسمى، فنفذنا لهم ما أرادوا، وانتهى الموضوع على كده.
■ فى ظاهر الأمر استجبت لمطالب العمال وفى باطنه قمت بتكريم رئيس المترو المقال بإسناد وظيفة مستشار المكتب الفنى بالوزارة إليه.. كيف تفسر ذلك؟
- على حسين ما زال فى الخدمة، لأنه لم يتخطَّ السن القانونية، وأنا لا أستطيع فصله، لأنه لو قام برفع قضية ضدى فى القضاء الإدارى ستحكم له المحكمة بالعودة إلى عمله، وسوف يحصل على أضعاف مرتبه الحالى، ومن الناحية القانونية لا يحق لى فصله أو منعه من العمل إلا إذا ارتكب جريمة يحاسب عليها القانون.
■ رئيس شركة المترو المقال قال إن وزيرى الدفاع والداخلية أكدا لك قدرتهما على تأمين المحطات ومسار خطوط المترو الثلاثة لكنهما لم يفعلا.. فهل تراجعا عن تنفيذ وعودهما؟
- لم يحدث ذلك، لكنهما قالا «لو حصل حاجة هنتدخل ونحميكم»، وأنا تحدثت مع اللواء وجيه صادق مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات، وقالوا إنه لم تحدث مواجهة لكى تتطلب الحماية ولم يحدث اشتباك، و«السواقين طلعوا ناصحين»، ومنعوا زملاءهم «السواقين» من ركوب القطارات، وكان البديل أننا ندخل معركة بيننا وبين السائقين، لكننا لم نفعل ذلك، وتعاملنا بحكمة مع الأمر وأغلقنا الأبواب ومنعنا الجماهير من الدخول، فضلا عن ذلك فقد قمنا بإبلاغ القوات المسلحة بهذا الإضراب وطلبنا منهم تدعيمنا بأوتوبيسات لنقل مرتادى المترو لأماكن عملهم، وبالفعل نزلت تلك الأوتوبيسات فى الفترة الصباحية، لكن لم ينزل العدد الذى اتفقنا عليه كاملا، وأيضا النقل العام تم الاتفاق معهم على النزول وهذا ما حدث.
■ رئيس النقابة المستقلة للعاملين بمترو الأنفاق تم استدعاؤه من قِبل النيابة للتحقيق معه بتهمة تعطيل العمل.. فما تعليقك؟
- يحق لنا أن نعاقب المضربين والمحرضين على الإضراب، فهم ارتكبوا خطأ جسيما بمنع الآخرين من العمل، وهذه جريمة تصل إلى حد «الجناية»، ونحن إذا أردنا التصعيد ضد العمال فلن يمنعنا أحد وسوف نصعد، لكن الوزارة وشركة المترو لم يفعلا ذلك حتى الآن ولم يستدعوا أحدا للتحقيق معه، وهذا شأن النيابة، ومن الممكن أن تكون شرطة النقل والمواصلات هى التى قامت بتحويلهم إلى النيابة لحماية مؤسسة النقل.
■ التحقيقات الأولية لحادثة تصادم قطارى الفيوم الذى راح ضحيته 4 قتلى وإصابة 35 آخرين، تشير إلى تحميل سائق القطار مسؤولية الحادثة فهل هذا صحيح؟
- لا شك أن هناك خطأ جسيما قد وقع، وهذا الخطأ يُسأل عنه واحد من هؤلاء الثلاثة «ناظر المحطة أو عامل التحويلة أو سائق القطار». فأحد هؤلاء خالف التعليمات وارتكب خطأ فادحا، حيث تشير النتائج الأولية لتقرير اللجنة الفنية، تجاوز قطار الركاب رقم 1110 القادم من القاهرة للسرعة، وعدم وقوفه بمحطة «الناصرية» بالفيوم، مما أدى إلى اصطدامه بالقطار رقم 153 القادم من الفيوم.
■ بم تفسر زيادة ظاهرة تصادم القطارات واحتراق بعضها منذ توليك مسؤولية وزارة النقل فى حكومة الدكتور قنديل؟
- هذا كلام غير صحيح وليس مطابقا للواقع، فقد راجعت بنفسى حوادث القطارات التى وقعت منذ 7 سنوات مضت فى سجلات حوادث السكة الحديد، ووجدت أن نفس عدد الحوادث متكرر بنفس الشكل وبنفس الطريقة، ورصدت وقوع 40 حادثة من هذا النوع طوال عمر السكة الحديد، علما بأن حوادث الطرق تُزهق فيها أرواح أكثر من ذلك بكثير، لكن التركيز الإعلامى هو الذى يبرز تلك الحوادث ويثير حولها المشكلات.
■ منذ أيام أعلنت أنك مستعد لتقديم استقالتك لو ثبت تقصيرك فى واقعة تصادم قطارى الفيوم.. فهل تراجعت عن موقفك؟
- ما زلت أقول لو ثبت تقصيرى، فلن أتردد فى تقديم استقالتى، وسوف أتحمل المسؤولية كاملة ولن أتهرب من ذلك، ولو تبين من خلال اللجنة الفنية التى شُكِّلت بقرار النيابة العامة للبحث عن ملابسات حادثة قطارَى الفيوم، أن حجم المسؤولية يقع على عاتقنا وأن سبب التقصير من جانبنا عن طريق العمالة أو المعدات، فأنا أعتبر نفسى مسؤولا مسؤولية مباشرة عن هذه الحادثة، ولا أريد تحميل أى موظف صغير المسؤولية، فالمسؤولية تضامنية بين الجميع.
■ على غرار سائقى المترو أعلن سائقو السكة الحديد دخولهم فى اعتصام مفتوح يوم الثلاثاء القادم إن لم تتم الاستجابة لمطالبهم، وعلى رأسها إقالة المهندس مصطفى قناوى رئيس الهيئة.. ما تعليقك؟
- أقول لهم رغم الضغط الذى وقع علينا ورضوخنا لمطلب عمال المترو بإقالة رئيس الشركة، فإننى غير راض عما حدث وعن الطريقة التى عبر بها العمال عن مطالبهم، وهى أقرب إلى الابتزاز، لذلك لن أكررها مرة ثانية مهما وصلت الضغوط وكانت المبررات، لذلك أقول لهم «اتقوا الله فى بلدكم»، وأود أن أحيطهم علما بأننى وضعت يدى على أمور كثيرة داخل الوزارة وقدمت أشياء كثيرة، رغم الإمكانيات التى هى أقل من المستوى المطلوب ولا بد للجميع أن يصبر حتى تعبر مصر لبوابة الاستقرار والتقدم.