علي النهج ذاته الذي انتهجه الأستاذ النجل جمال مبارك عندما صرح الأسبوع الماضي بأنه شخصيًا وحزب حكومة والد سيادته ولجنة «عز سياسات» جنابه، لن يغيروا شيئًا في الدستور الحالي القائم علي احتكار وتركيز السلطة كلها في يد العائلة الكريمة وتفصيل القواعد والشروط علي مقاس حضرتها، كذلك فعل وسار الأستاذ صفوت الشريف أمين عام حزب الأستاذ الأول إذ قال وبالقدر عينه من الصرامة والحزم «لن تكون هناك تعديلات دستورية أخري قبل الانتخابات (الرئاسية والتشريعية)، لأن الحزب لايقبل ضغوطًا من فرد أو جماعة».. أو «شعب»!! والمشكلة في هذا النوع من الكلام والتصريحات النارية المتغطرسة، ليست مشكلة واحدة ولا اثنتين بل ثلاث مشاكل علي الأقل، أولاها أن المتكلمين والمصرحين ينطلقون من شعور عميق واقتناع راسخ بأن الدستور دستورهم والبلد عزبتهم و«الدفاتر بتاعتهم» (كما هتف الشيخ الأفاق في فيلم «الزوجة الثانية») و.. كل عام وأنتم بخير. والمشكلة الثانية أنهم أنفسهم، والذين هم أكبر منهم، سبق في تواريخ قريبة أن قالوا وصرحوا وأرغوا وأزبدوا بما هو أشد من هذا الكلام انتفاخا والتهابا، لكنهم سرعان ما عادوا عنه وخالفوه وأقدموا علي اللعب و«النخورة» في الدستور وأتوا بشياطين الأرض جميعا ووضعوها في بنوده ونصوصه بحيث أضحي كثير من خلق الله يتمنون عودته إلي حالته السيئة الأصلية بعدما ذاقوا طعم التعديلات السامة التي أدخلت عليه وجعلته أسوأ وأكثر تشوهًا.. وهنا بالضبط تتجلي المشكلة الثالثة وهي أن هذا البلد لم يعد فيه الآن عاقل واحد (ولا حتي مجنون) يريد أن يعيد الكَّرة مرة أخري ويمد يده تاني في جحر الثعابين طالبا من هؤلاء الناس أنفسهم ومن تلك الأشياء ذاتها (أي الحزب والسياسات والعائلة وخلافه) ممارسة العبث و«اللغوصة» من جديد في أحشائنا الدستورية ويكفي ما حدث، فلقد كان عندنا علي سبيل المثال قبل أن يلتقطوا من علي ألسنتنا مطلب تعديل الدستور وتغييره، نظام استفتاء رئاسي مزور يضمن بقاء منظومة الحكم بالعافية والطوارئ وشتي صنوف النهب والفساد إلي ما شاء الله، فلما عدّلوا ولغوصوا أصبح لدينا نظام انتخابي رئاسي جهنمي فريد ومنزهًا تمامًا ونظيفًا بالمطلق من الناخبين والمرشحين علي السواء!! وكان عندنا أيضا إشراف قضائي منقوص علي الانتخابات العامة لا يمنع التزوير وإنما يمنحنا فرصة الكلام فيه فحسب، فإذا بنا بعد اللعب الدستوري التعديلي وقد فقدنا هذا الإشراف القضائي الصوري من أصله، وصرنا أمام آلة تزوير من المنبع قوية ومحكمة، ما يجعل نتائج كل انتخابات مقبلة مختلقة اختلاقًا من العدم شخصيا، ومن ثم لاتعود هناك أي فرصة أو إمكانية لمجرد الكلام والرغي والتسلي بنوادر وحكايات التزوير القديمة!! و.. كذلك كنا نتمتع بنصوص دستورية تتحدث حديثا نظريا جميلا (ليس له أدني علاقة بالواقع القائم) عن العدالة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسواد الأعظم من الشعب، وكانت هذه النصوص مزدانة ومحلاة في مواضع عدة بتعبير «الاشتراكية» ومشتقاتها المختلفة، وأشهرها ذلك المأسوف علي شبابه المرحوم الأستاذ «المدعي العام الاشتراكي» الذي فقدناه في حمأة اللغوصة ولم نعد نملك من حطام الدنيا شيئًا.. ولا حتي مجرد «اسدعاء باطل» بالاشتراكية أو العدالة!! والخلاصة، ياسيادة الأستاذ النجل ويا معالي الأستاذ صفوت.. «نحن لا نزرع الشوك» ولم نطلب منكم أساسا تعديلا ولا تبديلا لكي ترفضوه أو تقبلوه، لهذا سوف نكون لكم من الشاكرين لو نقطونا بسكاتكم شوية، أو حتي يقضي المولي أمرا كان مفعولا.. قريبًا إن شاء الله.