لا يحتاج حوار الأديان إلى الانتهاء بخاسر وفائز، ولا ينبغي أن يكون الهدف من الحوار هو اعتناق دين الطرف الآخر، لكن مشاركته في المبادئ "الوسط الراديكالي: تشييد جسور بين العالمين الإسلامي والغربي" .. كان هذا عنوان مقال فضيلة مفتي الجمهورية، علي جمعة، في المجلة الرسمية للأمم المتحدة، "يو إن كرونيكل"، الذي تحدث فيه عن صراع الحضارات والثقافات.
بدأ جمعة مقاله مشيرا إلى قائمة مطولة من أحداث لا حصر لها وقعت في السنوات القليلة الماضية وكشفت التوتر المكثف بين العالمين الإسلامي والغربي. ومن ذلك هجمات 9/11 الإرهابية، والحروب على العراق وأفغانستان، والصراع الذي لا ينتهي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهم مجرد أمثلة امتدت تداعياتها لمستويات محلية وإقليمية جدا، بحسب جمعة.
كما أشار فضيلة المفتي إلى انتشار الإسلاموفوبيا في أجزاء من العالم، والتي تظهر في أفعال غريبة، على حد قوله، مثل حرق أجزاء من القرآن للتعبير عن كراهية الإسلام.
فضلا عن وصول هذا النوع من التعصب إلى السياسات الحكومية، ويظهر ذلك في نجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، نظرا لخططهم في تهميش المجتمعات المسلمة، بحسب ما ذكره جمعة في المقال. مضيفا: "من ناحية أخرى، نرى شكوك متزايدة وتحفظ من قبل العالم العربي والمسلمين فيما يتعلق بإشراك الغربيين في شؤون ربما تساعدهم على تنمية مجتمعاتهم".
وقال جمعة إنه يرى من وجهة نظره أنه "إلزاميا أن نستجيب بطريقة استباقية إلى توترات عالمنا من خلال العمل بنشاط وبشكل منهجي لتحسينها، واستبدال عدم الاستقرار بالاستقرار، والكراهية بالصداقة، والعداء بالتحالفات".
كما أشار فضيلة المفتي إلى مجهودات المنتديات والمؤسسات الدولية بما في ذلك الأممالمتحدة، من أجل جلب شتى ضروب الأشخاص إلى مائدة حوار واحدة للمشاركة في حوار ثقافي متداخل وحقيقي. مضيفا أن التزامهم بنشر التفاهم بين الثقافات "أمر جدير بالثناء".
وأشار جمعة إلى إنه من المنظور الإسلامي، المطلوب هو فهم ملائم لطبيعة الحوار والهدف منه مع الآخرين. مضيفا أن الإسلام هو عالم مفتوح لا يسعى أبدا إلى إقامة حواجز بين المسلمين والآخرين.
جمعة قال أن حوار الأديان لا يحتاج إلى الانتهاء بخاسر وفائز، فلا ينبغي أن يكون الهدف من الحوار هو اعتناق دين الطرف الآخر، لكن مشاركته في المبادئ. مضيفا أن الحوار هو شكل من أشكال الجهاد في سبيل الله.
وضرب مثالا بمصر، حيث قال: "كنت دائما أحاول التركيز على القواسم المشتركة بين المسلمين والأقباط، من أجل تحديد المناطق التي يمكن من خلالها تحقيق تواصل مثمر وتوطيد العلاقات بينهما. وتابع جمعة القول إن العالم في حاجة ماسة إلى منتديات تسهل حوار حقيقيا وسط عالم متضائل. واستمر المفتي قائلا "إن واحدة من أهم إسهامات العالم الغربي للثقافة العالمية هو مفهوم الحداثة نفسه" مشيرا إلى أن الحداثة ليست فترة محددة في تاريخ العالم، لكنها تغييرات مادية وملموسة تؤثر في حياة الشعوب على المستوى العالمي.
وتابع قائلا "بدلا من البحث عن الفوضى حول العالم، فالإسلام يسهل تطبيق الحكمة والأخلاق الدينية في الأوقات المتغيرة والمتذبذبة، ومن خلال تبني هذا الاتجاه فالإسلام المعاصر الوسطي المتسامح يمكنه أن يعطي حلول لكافة المشاكل التي تواجه العالم الإسلامي اليوم"، ولكنه قال إن الأزمة تكمن في أن "هناك اتجاهات غربية شاذة فتحت الباب أمام أمثلة متطرفة للإسلام ليس لها أساس من الواقع هدفها سياسي بحت وليس لها أي أساس ديني؛ تسببت في صعود الإسلاموفوبيا بصورة مثيرة للقلق".
وأشار جمعة إلى أنه سيكون مقصرا لو لم يعلق على آثار بعض وسائل الإعلام الحساسة، التي ترغب في الربح مقابل الإضرار بالسلام العالمي، من خلال إشعال الكراهية والخوف وجعل العقول أكثر تعصبا.