"عشرات من المصريين الفقراء يجلسون على الأرض غير الممهدة وإلى جوارهم أنابيب البوتاجاز الفارغة، ينتظرون بصبر، على أمل أن تصل شاحنة تحمل حمولة جديدة من أنابيب الغاز الذي تدعمه الحكومة بنسبة كبيرة إلى مستودع كائن في منطقة أرض اللواء العشوائية بالقاهرة، كان الوقت في بداية الظهيرة؛ لكن أغلبهم ينتظر بأنابيب الغاز الفارغة منذ السادسة صباحا، في حين يقف البعض في الطابور لليوم الثاني أو الثالث. ليس بينهم من يثق إذا كانت شاحنة نقل الغاز ستأتي بأية حال هذا اليوم، فيما أصر مدير المستودع أنه ليس لديه معلومات". صورة واقعية نقلتها صحيفة "فايننشال تايمز" تجسد حال المصريين في ظل أزمة أنابيب البوتاجاز في مشهد يجسد معاناة أبناء الطبقة الكادحة من هذا الشعب.
وبالعودة إلى لغة الأرقام أوضحت الصحيفة البريطانية أن الحكومة تنفق نحو 11 دولارا (نحو 70 جنيها) لكل أنبوبة بوتاجاز، من المفترض أن يتم بيعها ب 50 سنت (نحو 3 جنيهات) ومع ذلك، حالما تصل إلى مركز التوزيع الرسمي، تتكلف الأنبوبة 1.5 دولار (نحو 10 جنيهات)، أما هؤلاء الذين لا يريدون التزاحم في الطابور، فأسعار السوق السوداء قد تحلق إلى 12 دولار (75 جنيها) للأنبوبة في أوقات نقص الإمدادات.
وبالنظر إلى أنه مكلف وغير فعال -وفقا للصحيفة- فإن دعم أنابيب البوتاجاز يمثل أسوأ سياسات الطاقة المصرية التي أكدت ولسنوات على توفير الوقود الرخيص مقابل السلام الاجتماعي.
واستمرارا للحديث بلغة الأرقام، قالت إن البلاد تخصص 20% من ميزانيتها -17.2 مليار دولار العام الماضي- للدعم على الوقود بداية من الديزل الذي تستخدمه المزارعون الفقراء لتشغيل جراراتهم إلى بنزين عالي الأوكتان تستهلكها بغزارة سيارات الدفع الرباعي التي يملكها الأثرياء.
غير أنها أشارت إلى أنه في ظل عجز موازنة البلاد الذي تزايد إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي، تسعى الحكومة الإسلامية الجديدة للحصول على قرض بالغ الأهمية من صندوق النقد الدولي، ولكنها تضع إصلاح الدعم على جدول الأعمال.
واستشهدت الصحيفة بتصريح سابق في لقاء مع هشام قنديل، رئيس الوزراء، قال فيه: "إنه يريد خفض دعم الطاقة الكلي بنسبة الثلث، أو نحو 6.57 مليار دولار، في السنة المالية المنتهية في يونيو 2013، على الرغم من اعترافه أن الهدف قد لا يتحقق بالكامل لأنه مع بلوغ منتصف السنة المالية تقريبا لم تبدأ الاستقطاعات بعد".
وكشفت الصحيفة البريطانية أن الحكومة مدينة بالفعل بمبلغ يصل إلى 7مليارات دولار، متأخرات لشركات النفط الدولية العاملة في البلاد، كما تدين ب 1.5 إلى 2 مليار دولار أخرى لاستيراد الوقود؛ علاوة على أن مشاكل التدفق النقدي تسببت في نقص الوقود والطوابير الطويلة في محطات البنزين، والمساهمة في مناخ الأزمة.
الصحيفة أبرزت ما قالته منى عبد الحميد، مستشار استثماري لشركات البترول: "إن الدعم ليس بالأمر السهل التعامل معه، تأخر الأمر وليس لدينا بديل آخر"؛ مضيفة "إذا كنت ترغب في تطوير مشاريع البنية التحتية في مجال الطاقة المتجددة والنقل والطرق، سيعتمد على ما يحدث للدعم. ونحن لن نكون قادرين على جذب المستثمرين الأجانب في هذه القطاعات ما لم يحصلوا على عوائد تتناسب مع مستوى الاستثمار المطلوب".
ومن جانبهم المسئولون أوضحوا أنهم يريدون أن تبدأ الاستقطاعات بدعم أنابيب البوتاجاز المهدر، لكنهم -بحسب الصحيفة- لم يعلنوا عن تفاصيل كيفية تنفيذ التغيير، واكتفوا بالقول إنه سيستخدمون نظام الكوبونات أو البطاقة الذكية.
وأشارت الصحيفة إلى مقولة ل أسامة كمال، وزير النفط، بأن: الحكومة تعمل على برنامج لتمكين جميع المواطنين من الحصول على حصة مجموعة من منتجات الطاقة بسعر المنخفض المدعوم، والاستهلاك الذي يتجاوز المبلغ المخصص سيكون "مدعومة جزئيا" فقط.
رغم الضرورة الملحة -والحديث للصحيفة- يقول المراقبون إن الإصلاحات الكبيرة على الدعم أمر غير مرجح قبل الانتخابات البرلمانية المقررة مطلع العام المقبل. والسلطات، على حد قول المراقبين، ستريد موافقة البرلمان على أي استقطاعات الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع مؤلم للأسعار. كما تريد الحكومة تجنب ضياع الفرص الانتخابية لحزب"الحرية والعدالة"، حزب الرئيس محمد مرسي.