أثار تصريح البرادعي بالترحيب بحزب سياسي للإخوان المسلمين تحفظات لدي العديد من المسيحيين والعلمانيين (ليبراليين ويساريين)، وكان المراقبون قد لاحظوا حفاوة كبيرة بالبرادعي في أوساطهم خاصة بعد تصاعد أحداث العنف الطائفي التي دفعت الكثيرين من المسيحيين للبحث عن حل لمشكلة المواطنة في دولة مدنية حديثة تقوم علي المساواة بين المواطنين بديلا عن الاحتماء بالكنيسة، وهو ما بدا أن مشروع البرادعي يحققه لهم. وسرعان ما تلقف النظام الحاكم الرسالة وتتابعت تصريحات المسئولين وعلي رأسهم الرئيس مبارك، مؤكدة رفض التطرف الديني وعلي أن النظام لا يفرق بين مسلم ومسيحي. ولم يقف الأمر عند تصريحات المسئولين ومانشيتات الصحف الحكومية (روز اليوسف مثلا)، بل تم تحريك أعوان النظام في قيادة حزب التجمع لركوب الموجة والهجوم علي البرادعي بزعم أنه يؤيد وجود أحزاب دينية في مصر. اللافت للانتباه أن أحدًا من قيادات الإخوان أو التيار الإسلامي بشكل عام لم يعلق علي تصريح البرادعي، واستمر موقفهم المتحفظ إزاءه. وهكذا بدا أن البرادعي يريد حزبا للإخوان لا يريدونه هم أنفسهم. لا شك أن الإخوان يمثلون معضلة للحياة السياسية ولمستقبل الديمقراطية في مصر. فهم يمثلون أكبر قوة سياسية معارضة أو منافسة للنظام الحاكم وينالهم النصيب الأعظم من بطش هذا النظام، من اعتقالات وتزوير للانتخابات إلي المحاكمات العسكرية التي تعقد لقادتهم طالما تعذر تلفيق اتهامات لهم أمام المحاكم الطبيعية. وذلك رغم كل التطمينات التي تصدر من جانبهم للنظام والإشارات بالاستعداد للتعاون والتنسيق وعقد الصفقات وصولا إلي المساعدة في تمرير توريث الحكم لنجل الرئيس. وفي الوقت نفسه يتسم تعاملهم مع القوي السياسية الأخري بالاستعلاء الشديد، ربما بحكم الأوزان النسبية التي تدفعهم لرفض أي تعاون أو تنسيق ما لم تتحقق لهم الهيمنة الكاملة عليه، رغم كل الكلام المعسول عن المشاركة لا المغالبة والذي يبدو أنه موجه للنظام الحاكم وحده. موقف الإخوان من التعاون أو التنسيق مع القوي السياسية الأخري قد يخصهم وحدهم، ولكن مواقف أخري سياسية وفكرية تهم المجتمع كله ومستقبله لا يمكن التغاضي عنها. كتب الكثيرون ينتقدون برنامج الإخوان الذي ينتقص من حقوق غير المسلمين والمرأة (أكثر من 60% من المصريين) ويعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية لا يحق لهم ما يحق لغيرهم، أي الرجال المسلمين من أهل السنة. ولا يمكن القبول بالحجج التي ساقها الإخوان ردا علي هذا النقد وكون هذا الموقف غير ملزم لغيرهم، فمبدأ المساواة بين المواطنين مبدأ ملزم للجميع في الدولة المدنية الحديثة. ولكن الإخوان لا يقبلون بهذه الدولة بل يريدون العودة بنا إلي ما قبلها أي دولة الخلافة الإسلامية، دولة الطوائف، التي يحكمها مجلس من علماء الدين حسب البرادعي والإخوان فهمه للشريعة الإسلامية، وهو شكل آخر من أشكال ولاية الفقيه في الدولة الإيرانية. هكذا وجد المصريون وقواهم الديمقراطية أنفسهم بين شقي الرحي، الدولة الاستبدادية من ناحية والإخوان الذين يتناقض مشروعهم مع الديمقراطية بشكل جذري من ناحية أخري. هذه هي باختصار معضلة الإخوان التي أربكت الجميع. أغمض الكثيرون أعينهم عن بطش النظام بالإخوان بل وأيدوه، واختار آخرون التذيل لهم والتغاضي عما تحمله أفكارهم وممارساتهم من كوارث ليس أقلها انتشار هذا المناخ الطائفي الكريه في المجتمع، بينما تمسكت الأقلية بموقف مبدئي قوامه نقد ومعارضة النظام المستبد وقمعه للإخوان ونقد ومعارضة مواقف الإخوان في الوقت نفسه. وبقي السؤال بلا إجابة، أي كيف يمكن حل معضلة الإخوان في إطار النضال من أجل إشاعة الديمقراطية في مصر؟ القبول بقمع الإخوان، وبصرف النظر عن تناقضه مع مبادئ الحرية والديمقراطية، معناه أن ننسي الحلم الديمقراطي لسنوات طويلة قادمة فالاستبداد والقمع سيطال الجميع حتما، والقبول بالإخوان دون التحول عن مواقفهم السابق الإشارة إليها يؤدي للنتيجة نفسها كونه يمهد الطريق لدولة دينية أكثر استبدادا. الحل الممكن الوحيد هو ممارسة أقوي الضغوط عليهم لدفعهم للقبول بالممارسة السياسية في ظل دولة مدنية ذات دستور ديمقراطي يكفل المساواة بين الجميع ويضمن للجميع الحريات الخاصة والعامة المنصوص عليها في المواثيق الدولية والتي تمثل تراثًا إنسانيًا عامًا لا يتعارض قطعا ورسالة الأديان جميعا، أي التحول إلي حزب علي نمط حزب العدالة والتنمية في تركيا أو الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا، وهذا بالضبط ما قاله البرادعي وأثار الزوابع ضده، لأن البعض فهم أن المقصود هو أن الإخوان مثلهم مثل هذه الأحزاب ذات المرجعية الدينية، بينما الواضح من سياق الكلام ومن مجمل طرح البرادعي الواضح حول العلاقة بين الدين والدولة، أن المقصود حزب للإخوان بعد أن يصبحوا مثل هذه الأحزاب وليس بصورتهم الحالية. موقف البرادعي إذن من الإخوان هو نفس موقف القوي والتيارات الديمقراطية في مصر الساعي لدمج قطاع مهم ورئيسي من التيار الإسلامي في الحياة السياسية علي أساس من قبولهم بالشروط المبدئية للدولة المدنية التي لا غني عنها في الدول الحديثة. ولا يمثل اتخاذ الإخوان أو غيرهم للشريعة الإسلامية مرجعا لهم أي عائق في هذا السبيل، فهذا حقهم الذي لا يجب أن ينازعهم فيه أحد، بل المرفوض هو فرض مرجعيتهم علي المجتمع. ليست هذه بالمهمة السهلة ولكنها أيضا ليست بمستحيلة، وخصوصا مع التطورات والتغيرات المتلاحقة في مصر والمنطقة والعالم، ولكن مفتاحها الرئيسي هنا في مصر وتحديدا في موازين القوي بين الفاعلين السياسيين، واتساع النضال الديمقراطي ليضم المزيد من هؤلاء الفاعلين وما يمثلونه من قوي اجتماعية.