اعتقد موزعو السينما العربية أنهم قد عثروا على صفقة العمر من خلال عرض الفيلم التركى «السلطان الفاتح». وهكذا وفى نفس التوقيت عُرض الفيلم فى كل من القاهرة وبيروت.. فى لبنان احتجوا عليه واعتبروه مسيئا لمشاعر المسيحيين وحقق فشلا ذريعا فى شباك التذاكر، وهو ما تكرر أيضا فى القاهرة ولكن لأسباب أخرى، حيث إنه رُفض جماهيريا، لأنه لم يلامس مشاعر الناس.
الحقيقة هى أن هذه هى المحاولة الثانية خلال عامين للدفع بفيلم تركى إلى الشارع، حيث سبق عرض فيلم «وادى الذئاب» الذى لاقى نجاحا ضخما عند عرضه كمسلسل ولكنه تبخر سريعا من دور العرض.
هناك من يحاول أن يعثر على تفسير سياسى لنجاح الدراما التركية فى العالم العربى، مشيرا إلى أن إعجاب المواطن العربى بالمواقف السياسية لتركيا الداعمة لثورات الربيع وحقوق الفلسطينيين والرافضة فى نفس الوقت لإسرائيل هى التى تدفعهم إلى التماهى مع المسلسل التركى.. لا ينبغى أن يشطح خيالنا بعيدًا فى محاولة للعثور على أسباب سياسية لحالة فنية متعلقة بذوق الناس.
هل هو غزو كما يحلو للبعض أن يطلق عليه؟ لا أتصور أن توصيف غزو تعبير دقيق عن حقيقة ما يجرى، ولكنها ظاهرة امتدت وحققت قدرًا من الاستقرار النسبى فلم تسع تركيا إلى ذلك ولم تخطط له، ولكنها الصدفة التى لعبت دورها فى البداية حيث نجح مسلسل تركى ثم حدث انتشار لهذه المسلسلات التى تمت «دبلجتها» إلى العربية باللهجة السورية قبل أربع سنوات لتنتقل من فضائية إلى أخرى حتى أصبحت بمثابة طبق درامى ثابت، لا يمكن الاستغناء عنه فى البيت العربى.
إلا أن السؤال: هل مزاج المشاهد التليفزيونى يتوافق أيضا مع مزاج وإيقاع الجمهور السينمائى؟ هناك مسافة ما بين مشاهد التليفزيون الذى ينتظر المسلسل فى البيت وبين متفرج السينما الذى يتهيأ لكى يذهب إلى دار العرض.. الحالة النفسية تختلف ولهذا لا يمكن أن يصبح مؤشر النجاح التليفزيونى هو دلالة على ترقب النجاح السينمائى. وكما أن هناك نجمًا يلمع تليفزيونيا وآخر سينمائيا، فإن هناك تباينات نفسية وموضوعية بين المجالين، وكل هذا بالطبع يؤثر سلبا على الرهان التجارى.. فيلم «السلطان الفاتح» للمخرج فاروق أكسوى ملحمة تاريخية، حيث حصل السلطان محمد الثانى على لقب «الفاتح»، لأنه فتح مدينة «القسطنطينية» ذات الحصن المنيع والتى كانت مجرد حلم عاشته الأمة الإسلامية على مدى يزيد على 8 قرون عندما قرر سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، أن يقتحمها وتعددت المحاولات من بعده ليتم الفتح الإسلامى لها فى 29 مايو 1453 على يد «محمد الفاتح» ليطلق عليها «إسلام بول» وكلمة «بول» تعنى «دار» ومع الزمن صارت «إسطنبول».
هل الفيلم يقدم إلى الجمهور فى هذا التوقيت نوعًا من تضميد الجراح النفسية بعد مساحة الغضب التى اجتاحت العالم الإسلامى بضراوة بعد الفيلم المسىء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام «براءة المسلمين»، فصارت المشاعر تطوق إلى استعادة صفحات مضيئة للإسلام، خصوصا أن السلطان الفاتح أكد فى الجزء الأخير من أحداث الفيلم بعد أن فتح القسطنطينية السماح لأهلها بممارسة شعائرهم الدينية وعلى حقهم فى دفن مليكهم طبقا لعقيدتهم؟!
المشهد الرئيسى هو عملية اقتحام الحصن المنيع الذى يحمى مدينة القسطنطينية الذى فشلت أعتى الجيوش فى اقتحامه، حتى إن البعض من بين القواد فى الجيش التركى كان قد تغلبت عليه مشاعر الهزيمة، لولا أن السلطان محمد الفاتح استطاع أن يلهب حماس جنوده ويعزز الروح القتالية داخل نفوس جنوده ليواصلوا اقتحام الحصن المنيع، بينما كان الآخرون يثبطون من همم الجنود.
فى عدد من التفاصيل شاهدت بعض مقاطع من فيلم «الفاتح»، وكأنها تُقدم شيئا من فيلم «أحدب نوتردام» الذى لعب بطولته قبل 60 عاما أنتونى كوين، وكأنه تنويعة أخرى خاصة فى تلك المشاهد التى حاولوا فيها اقتحام الكنيسة فى الفيلم الأمريكى الشهير.
رغم النجاح الذى لا يمكن إنكاره عبر الشاشة الصغيرة للدراما التركية فى البيت العربى، فلقد تعثر قطار الفيلم التركى عن السير فى الشارع والعبور إلى مشاعر الناس.. إنها هزيمة سينمائية، ولا شك كانت من نصيب هذا الفيلم بعد الانتصارات المتعددة التى حققها «مهند» و«فاطمة» و«لميس» فى البيت العربى!