سؤال يلقي نفسه بين أحشاء صراخك مع أصدقائك نتيجة حماستكم في لعب "البلاي ستيشن" في أحد الكافيهات، لماذا لم تحقق الثورة أهدافها؟؟ سؤال يمر بعقلك بعد أكلة سمك دسمة مصحوبة بزجاجة "ساقع" من الحجم الكبير ممداً قدمك على أقرب أريكة، لماذا لم تحقق الثورة أهدافها؟؟
سؤال يفرض نفسه عليك وأنت "ملخوم" بين الأوراق والملفات في عملك لا تدري من أين تبدأ ومتى تنتهي، لماذا لم تحقق الثورة أهدافها؟؟
سؤال تفوح رائحته في أي مؤتمر حزبي أو أمسية ثقافية أو رحلة نيلية أو برنامج تلفزيوني أو حتى عند الحلاق، سؤال تفوح رائحته حتى لو لم ينطق به أحد المتحمسين الثوريين "اللي لابسين الشال"، سؤال تفوح رائحته في الأفق كسماء ملمبدة بالغيوم يراها الجميع، لكنهم مع ذلك يتحاشون الحديث عنها على أمل ألا تمطر، خوفاً من الطين والبلة في ظل شوارع مكسرة، وأتربة كثيفة، وقمامة متناثرة.
الإجابة التقليدية المريحة للعقل والقلب تتمثل في إلقاء كل المسئولية على النخبة السياسية (أفراد – حركات – أحزاب)، فما يثار عن المصالح الشخصية، والتمويل الخارجي، والأفكار المسمومة، والتلون الثوري، وإدعاء البطولة، وإستغلال الدين، والجهل السياسي، كثير منه صحيح، وكثير من خاطئ، وكثير منه لا أبيض ولا أسود، بل لون كاكي مٌموّه، لا تدري حقاً هل هو من أنصف الثورة، أم الثورة هي التي أنصفته.
هناك أمر آخر يحاول القلب والعقل الابتعاد عنه وكأنها تهمة تلطخهما مدى الحياة، فالثورة كالنبتة الصغيرة، لا يكفي أبداً تواجد شخص يحب الزراعة، لا يكفي أبداً شراء أغلى أجهزة الري، لا يكفي أبداً توافر المياة، لا يكفي أبداً أن يعمل ذلك الشخص بكل طاقته معطياً النبتة كل وقته ومجهوده، النبتة باختصار تحتاج إلى أرض خصبة تصلح للزراعة، أرض تحتضن الجذور، تغذيها من أسفل فتصل للسحاب.
لا يكفي أبداً وجود شباب متحمس للتغيير أو للثورة، لا يكفي أبداً وجود أحزاب تنتمي للثورة، لا يكفي أبداً وجود حركات ولدت من رحم الثورة، كل هذا لا يكفي مادام الشعب انصرف عنها، وانشغل بغيرها، وابتعد عن روحها، مهما كان عدد هؤلاء فهو عدد غير كافي، ببساطة كل هؤلاء المتحمسين لا يمكن أن ينبتوا في أرض باردة جامدة، لكنهم دوماً- ينبتون في أرض ثائرة ملتهبة.
هو سر نجاح ثورة ال 18 يوم، وهو سر ذبلانها الآن، فلقد احتضن الشعب الثورة وآمن بها، حتى من ظل في منزله كان حاضراً بقلبه وعقله في الميدان، شباب يتحرك وشعب يؤيد تكن النتيجة دوماً نجاح مبهر، أما الآن، فشباب يتحرك وشعب يسب ويلعن تكن النتيجة بكاء على أطلال الثورة، أرجعوا الثورة إلى قلوب الشعب، أحيوا الثورة في عقول الشعب، أفيقوا قبل أن يثار عليكم.