نستكمل الحديث عن إعادة إنتاج الأفلام القديمة في شكل مسلسلات درامية.. الغريب في الأمر أن موقف المنتجين متناقض جدا في هذه المسألة مما يعكس غيابًا تامًا لفكرة التيار أو الاتجاه الفني وحضور مستفز ومزعج للفكر التجاري النفعي البحت.. فروايات جميلة مثل نقطة النور وواحة الغروب لبهاء طاهر تم شراء حقوق استغلالها بشرط أن تتحول فقط إلي أفلام ولا يجوز تحويلها إلي أي شكل فني آخر خصوصا المسلسلات، وذلك تجنبا لما حدث من قبل فيما يخص عمارة يعقوبيان! وأنا بصراحة لا أعرف ماذا حدث فيما يخص يعقوبيان؟ فكما قلت في الحديث السابق إن العالم كله يعترف ويقدر فكرة إعادة إنتاج الروايات والأفكار والشخصيات طالما المعالجة طازجة ومفيدة (بالمفهوم التلاميذي حتي) ولكن منتجينا يعلمون أن أفق المشاهدة لدينا محدود وكل منهم يخشي أن يحرق المسلسل الفيلم أو العكس.. خصوصا مع سياسة التسقيع التي يمارسونها.. أي شراء الروايات وتجميدها في ثلاجة المشاريع المحفوظة أو الواجهة الدعائية (إحنا حنعمل حاجات جد بس اصبروا علينا) والربط بين هذا الخوف من الحرق وبين إعادة إنتاج الأفكار والقصص القديمة يجعلنا نتأكد من سيطرة شهوة التربح علي المنتجين دون أي اعتبارات فنية فالكل يريد أن يراهن علي المضمون من وجهة نظره متناسين أن من انتجوا وكتبوا وحولوا هذه الأفكار والقصص كانوا تقدميين بالفعل وكانوا فنانين بالفعل ومحمود أبو زيد نفسه هو الذي أنتج سيناريو فيلمه العار أي استطاع أن يوازن بين فنه كمبدع ورغباته المادية كمنتج محققا معادلة أن الفن مضروبا في التجارة = سينما حقيقية أو إبداع حقيقي.. وفي نفس الوقت نجد أن تليفزيون الدولة نفسه لا يقل جبنا وترددا عن المنتجين فكم عدد المسلسلات التي تم إنتاجها عن روايات في السنوات الخمس الأخيرة مثلا من قبل التليفزيون المصري أو قطاعات الإنتاج الحكومية؟وحتي ما تم إنتاجه من الروايات والقصص انصب علي قدامي الكتاب وكلاسيكيات الانتاجات الأدبية.. بل إن يعقوبيان التي هي أحدثهم أصبحت من وجهة نظري رواية كلاسيكية سواء علي مستوي شخصياتها أو إحداثها.. في حين أن الاهتمام الأكبر لا يزال منصبًا علي روايات عبد القدوس.. وحتي عندما أفلتت روايتان لعمرو عبد السميع (العنكبوت والأشرار) تم التعامل معهم علي أنها «دراما رقاصات» وتبارت نرمين الفقي ولقاء الخميسي في الإبداع الكباريهاتي نتيجة المعالجات المبتذلة لكلا الروايتين. كل هذا مع غياب تام لاسم أي رواية حديثة أو روائي شاب أو حتي كبير لكنه غير مكتشف دراميا أو سينمائيا! وبعد ذلك يأتي أحدهم ليعلن أن النجاح الكبير لمسلسل مأخوذ عن فيلم مأخوذ عن رواية مستهلكة التفاصيل هو سر الموضة الجديدة وأن الموضة الجديدة ليس سببها الإفلاس الفكري وضيق الأفق وقلة الثقافة وغياب دور المستشار الدرامي ولجان القراءة الجدية ولكنها غيرة إنتاجية ورغبة في التلويح للقنوات الفضائية وشركات الإعلانات أن لديهم امبراطورية ميم هذا العام مثلما كان لديهم الباطنية العام الماضي بينما «العار» في الطريق.