ربما لأنه لا يحمل هموم السياسة والعشوائيات ولا يدّعي طرح القضايا الكبرى، ربما لأنه عمل اجتماعي خفيف وسط شاشة مكتظة بمسلسلات جيدة وضعيفة تتناول موضوعات ثقيلة وعميقة وكئيبة أحياناً، ربما لأنه قصة تقليدية جذبت أنظار المشاهدات بعروض الأزياء الجذابة! ربما لأن مؤلفه تامر حبيب وبطلته يسرا، ربما لأنه تم تتويجه بصاحب أخف " ظل " عرفته السينما المصرية سمير غانم، ربما لهذه الأسباب جاء هذا العمل الذي أخرجه خالد مرعي مختلفاً. راهن المؤلف على أسطورة "بيجماليون".. التي وصلت لجمهور المسرح عن طريق الأديب الأيرلندي جورج برنارد شو وكذا توفيق الحكيم في مسرحيتين لهما نفس الأسم، وقُدمت في نهاية الخمسينيات في المسرح الأمريكي ومن بعده المصري تحت أسم "سيدتي الجميلة". بدأت الحلقات بحبكة قوية متقنة تتنقل بين الواقع البراق الخادع أحياناً للطبقة المخملية التي تمثلها عائلة حكيمو، وبين شربات العاملة في مصنع حكيمو للملابس وعائلتها بأحلامهم وهمومهم البسيطة..
بدت الشخصيات مرسومة بدقة والأحداث مشوقة، ووصل التألق ذروته في الحوار والأداء التمثيلي عندما التقى صاحب العمل (سميرغانم) بشربات (يسرا) مرة أخرى بعد فصلها من العمل وبعد شقاق بينهما، ليشرف على عملها من أجل الإنتهاء من فستان الأميرة العربية.
كان من أجمل المشاهد التي جمعت بطلي العمل حيث يتذكر البطل شبابه عندما كان أفضل من يقوم بالشغل اليدوي، ويستعيد مذاق المتع البسيطة ككوب الشاي وسماع الراديو "بروقان" بعيداً عن عبء النجاح والشهرة التي تفسد متعة العمل البسيط.
وكان ذلك تمهيداً لعلاقة حب توشك أن تولد بين البطلين، لكن فاجئتنا الأحداث بسعي حكيمو لإقامة علاقة في مقابل المال مع شربات والتي بدورها تستجيب له. وإن كان هذا التطور له ما يبرره بالنسبة لحكيمو بتاريخه الذي قدمه المؤلف، إلا أنه لم يتماشى مع شخصية شربات التي تتحدث دائماً عن الشرف والستر، فهي كما رسمها المؤلف " بنت البلد التي تجنن الرجال دون أن تقع في الخطأ " وفق المفهوم المصري!
حتى أن سيرالأحداث قد أوحى للمشاهد أنها بصدد تدبير "مقلب" لحكيمو بدون شك.. وهو ما لم يحدث، بل استجابت له، وفاجأته أبنته ورأتهما معاً مما اضطره لاقناعها بأنهما متزوجان عرفياً.. وبدأت التمثيلية التي يلعبها البطلان على باقي أبطال العمل لإقناعهما بتلك القصة المصطنعه.
وازدادت الأمور لا منطقية عندما فاجئها بطلب الزواج منها دون مبررات قوية يقدمها التسلسل الدرامي للعمل مما أدخلنا في حالة من التخبط تهدف فقط لاستدعاء حالة "بيجماليون" و التيمة أوالخلطة التي يحبها الجمهور حيث المفارقات بين العائلة الثرية وبنت الحارة الشعبية التي "تردح" بشكل مبالغ فيه وبلا مبرر قوي..
بل وتحول البطل"سمير غانم" من شخصية حريصة متغطرسة نافرة من الجميع إلى شخصية ساذجة أحياناً يسلم نفسه لشربات وأسرتها دون مقدمات، بل ويبدأ في الاختلاط والسهر مع الصناديلي(سامي مغاوري) الموظف بمصنعه وجار شربات...مما جعل البناء الدرامي كله في مهب الريح.. صحيح أن جمال الدراما ينبع أحياناً من المفاجأة والتحولات الكبرى، إلا أننا كمشاهدين لم نجد أنفسنا في إطار أحداث تمهد لذلك ..رغم روعة المشهد الذي جمع بين البطلين العملاقين عند العمل في فستان الأميرة والذي كان من الممكن البناء عليه تدريجياً لكنه لم يحدث، بل تسارعت الأحداث بشكل غير مقنع ..
وبعد أن كانت الأبنة نسرين "ريهام حجاج" هي محور الشر، بدأت في التحول بشكل مفاجئ بعد حوار مع زوجها سيف"محمد شاهين" في الحلقة العاشرة لتتقرب بعدها من باقي أفراد أسرتها وتبدأ في السخرية من شخصيتها(القديمة) " ما أنا كنت النكدية الشريرة...الخ"
بالأضافة للكشف عن الزواج السري لتوفيق سكر "شعبان حسين" وتكتل الجميع ضد الزوجة الأولى عواطف "رجاء الجداوي" حتى أولادها...ثم انهيار المنزل الخاص بالزوجة السرية لأبنهما ياسين "محمد فراج" فقط ليصبح مضطراً لأن يتولى أمر أبنته الرضيعة ويكشف سر زواجه لوالدته...وغرق حمزة أبن حاتم " تامر هجرس" وإنقاذ شربات له ليرى المشاهد أنها "جدعة"، ورغم ذلك لا تجد هذه الجدعنة صدى عند الأب "حاتم" وبالتالي تصبح دون أثر درامي يغير العلاقة بين شربات وأخو زوجها"حاتم"...
وفي الحلقة الثامنة عشر يحدث اجتماع عائلي بمنزل "حكيمو" يحضره أيضاً محمد الصناديلي "سامي مغاوري" بلا داع يذكر..حيث يشرب أفراد العائلة العصير
الذي خلطه سيف "محمد شاهين" بالمشروب الكحولي ليستدعي إلى ذاكرتنا مشهد تناول العائلة للطعام المخلوط بالحشيش في فيلم " في محطة مصر" حيث تبدأ الاتهامات بين الجميع بطريقة مسرحية ..ورغم ذلك تألقت في أداء المشهد يمنى" أنجي المقدم"، وكذلك ياسين"محمد فراج"، كما تألق الأخير في مشهد سرده لأول لقاء جمعه بزوجته الراحلة.
الإصرار على إظهار عواطف " الجداوي" في صورة الشريرة الذي يتحدث عنها الجميع، وسيف " شاهين" واللازمة الشهيرة التي يلقيها الجميع في وجهه "جتك نيلة في تقل دمك !" كانت مشاهد بها بعض التكلف، إلا أنه قد خفف من حدتها بعض المشاهد في الحلقات الأخيرة التي تعد بمثابة لحظات مكاشفة للشخصيات الدرامية .
تعطي مصداقية للعمل الفني وترينا الوجه الآخر للعملة بسلاسة وبدون قفزات غير منطقية، وتخفف من حدة "التنميط" والتصنيف النهائي للشخصيات إما طيبة أو شريرة ... سمير غانم يفاجئ ابنته المتمردة بوصيته حيث تكتشف لأول مرة حبه لها وثقته في توليها الشئون الماليه لشركته بعد رحيله ..
رجاء الجداوي تتعامل بحنان مع حفيدتها في مشاهد رائعة، محمد شاهين يغار على زوجته وكرامته ويقرر أن يصبح أباً صالحاً، ورشا " صبا مبارك" رغم رجاحة عقلها، لديها ضعف إنساني يجعلها تكاشف ياسين في الحلقة قبل الأخيرة وتسأله " بتحبني أكتر والا جميلة ؟"
المشاهد الأخيرة للعمل ذكرتنا بالأفلام القديمة حيث يجتمع الأبطال بلا مبرر لتقوم "خناقة" كبيرة بين الجميع لم يكن ينقصها سوى وجود تورته تلقى في وجه محمد شاهين! ورغم ذلك جاءت النهاية خفيفة الدم للغاية .. خاصة في وجود أبن حكيمو الذي يظهر فجأه "كراوية العربجي" بالكاركتر العجيب الذي أداه الممثل ببراعة، وأعاد إلى ذاكرتنا أيضاً ظهور سمير غانم في آخر حلقة من مسلسل "بكيزة وزغلول" و حزلقوم في الحلقة الأخيرة من "الكبير" !
تميز العمل بوجود أكثر من خط درامي لم يجعل يسرا بطلة من "الجلدة للجلدة" وربما كان من الأفضل للتأكيد على هذا المعنى بأن يكون أسم المسلسل "عائلة حكيمو" لننهي بذلك موضة الأعمال التي تسمى بأسم البطل الأول مما يخصم من رصيد باقي الأبطال ولا يأتي في صالح العمل ككل. يسرا كوميدية وتلقائية كالعادة، إلا أن أدائها يتذبذب أحياناً لتطل شخصية يسرا الممثلة من أسفل قناع شربات في بعض الجمل الحوارية، كما ذكّرنا فستانها الأحمر وشعرها المنسدل بشخصية فردوس التي قدمتها في حرب الفراولة لخيري بشارة..
سمير غانم " الأستاذ" الذي يضحكنا رغم الأداء المتزن الجاد ..شخصية مرسومة بعناية في كل تفصيلاتها.. صورة دافئة نقلها مدير التصوير سامح سليم، وتترات مليئة بالحركة وموسيقى حية لهشام نزيه وساري هاني رغم تشابهها في بعض اللمحات مع موسيقى المسلسلين التركي "نساء حائرات" والمصري "الجامعة" في اللحن والتوزيع الموسيقي..
ديكور موفق لكن للأسف ظهر المنزل ذاته الخاص ب "عائلة حكيمو" في مسلسل باب الخلق، كما تكرر ظهور الممثلين في أعمال أخرى وعلى رأسهم تامر هجرس مما يفقد العمل مصداقيته.. محمد سلام "حمدي" بطل حقيقي للعمل، تألقت أيضاً نسرين أمين في دور حبيبته "بسمة"، وأنجي المقدم "يمنى" في تجسيد مشاعر الصراع والحيرة..
وجه جديد مثل يارا جبران "هالة" يشعرنا بتحرك المياه الراكده في مجال الوجوه الشابة، "مهجة" شخصية جديدة صادقة لعايدة رياض، سامي مغاوري فنان له وزن كالعادة رغم بعض المبالغة في أداء دور العاشق، صبا مبارك " رشا" إضافة جميلة وأداء هادئ..
موت حكيمو أو "سمير غانم" أفقد الحلقات بريقاً لم يعوضه سوى تألق "رجاء الجداوي" في إظهار الأبعاد الخفية لشخصية عواطف بعيدا عن فكرة النمطية لتصبح نجمة الحلقات الأخيرة بلا منازع.