ليست هى الأزمة الصحية الأولى من نوعها التى مر بها السياسى الليبرالى المعروف أيمن نور رئيس حزب غد الثورة الليبرالى. من قبل مرّ بأزمات صحية كادت توقف نبضات قلبه، حتى عندما كان حبيسًا فى سجن مزرعة طرة تعرّض أكثر من مرة لأزمات قلبية نقل على إثرها إلى مستشفى السجن، إلا أن الأزمة تلك المرة جاءت مختلفة لما حملته من مرارة وألم، ليس الألم العضوى للقلب الذى طالما اعتاد الأزمات الصحية، لكن الألم المعنوى الذى حملته رسالة نور التى نشرها على حسابه الشخصى فى «تويتر» قبل ساعات من تعرضه للأزمة ونقله إلى المستشفى. الرسالة التى حملت كثيرًا من الغموض والتلميحات لا التصريحات، تضمنت التالى «لا أريد أن يسير فى جنازتى مَن خانونى فى حياتى وسترتهم فيها، ولا أريدهم أن يواصلوا تضليلهم لى وللناس وأنا أودعها، لا أريد أن يسير فى جنازتى حاكم ظلمنى ولا قاض سجننى ولا محام ادّعى الدفاع عنى وخاننى، ولا نسيب أو قريب باعنى للأمن أملًا فى الإفلات من أحكام شيكات أو مَن عرف هذا كله وسكت عنه»، وأضاف «لا تضعوا جثمانى فى مكان يمكن أن يسكنه يومًا من أجهز عليه حيا واستخدم دمى روج شفايف يتجمل به. ادفنونى بجوار أمى».
تلك كانت نص رسالة أيمن نور قبل ساعات من إصابته بالأزمة القلبية ونقله على إثرها إلى المستشفى، كلمات الرسالة حملت كثيرا من التلميحات والإيحاءات إلى شخوص بعينهم قصدهم نور فى رسالته التى قرر أن يقرؤها الجميع عبر «تويتر» أحد أشهر وسائل التواصل الاجتماعى، ولا تكون مجرد وصية تُحفظ فى الأدراج. الرسالة حملت كثيرا من المعانى السياسية والشخصية، لكن يا ترى مَن هؤلاء الذين قصدهم أيمن نور؟
أزمات مر بها وقرارات قرر أو أُجبر فى أحيان أخرى على اتخاذها، دفع ثمنها الآن، إنها الرسالة التى قرر بها رئيس «غد الثورة» الكشف عن المسكوت عنه لسنوات طويلة.
شخوص منهم القريب قرابة الدم ومنهم الصديق ورفيق الدرب ومنهم أيضًا حكام يرى أنهم أوقعوا عليه ظلما كبيرا، القاضى الذى سجنه وربما قصده نور فى رسالته هو رئيس محكمة جنايات التجمع الخامس عادل عبد السلام جمعة، الذى أصدر ضده حكما بالسجن المشدد خمس سنوات فى قضية توكيلات «الغد»، وعلى الرغم من شهادة الشهود لصالح نور، فإن القاضى أصدر حكمه بالحبس، وهو الأمر الذى اعتبره كثير من السياسيين والمحللين حكمًا سياسيًّا ضد أيمن نور، وكان حكم نور واحدًا من بين أحكام سياسية كثيرة أصدرتها دائرة عبد السلام جمعة ضد سياسيين معارضين معروفين من كل التيارات السياسية، من بينهم أيمن نور وخيرت الشاطر.
أما الحاكم الذى ظلمه فهو نفسه الحاكم الذى ظلم الجميع، وإن كان الحاكم هنا رمزا لكل من كان يملك سلطة يحكم بها ويتحكم فى العباد وحوّلوها من سلطة العدل إلى سلطة ظلم واستبداد ضد الآخرين.
«ولا محامٍ ادّعى الدفاع عنى»، شخص آخر تضمنته رسالة نور. واحد من الذين رفض رئيس «الغد» أن يسيروا فى جنازته لأنه لا يريد أن يحمل جثمانه.. السؤال هو: مَن هو المحامى الذى تحدث عنه وقصده؟ وماذا قصد بكلمته ادّعى الدفاع عنى؟ هل يقصد أنه من بين فريق الدفاع الذى تولى قضيته؟
مَن المحامى الذى لم يفصح نور عن اسمه، وهناك محاميان بارزان فقط توليا هذه القضية فى مراحلها المختلفة؟ فى رسالته إلى النسيب أو القريب الذى باعه للأمن أملًا فى الإفلات من أحكام شيكات أو مَن عرف هذا كله وسكت عنه، الشخص وربما الأشخاص الذى يتحدث عنهم هنا فى الجزء الأول من رسالته تربطهم به صلة قرابة الدم، قرابة من جانب الزوجة السيدة جميلة إسماعيل رفيقة دربه التى كافحت وناضلت لسنوات طوية دافاعًا عن أيمن نور وصاحبة الفضل فى طرح قضيته فى المحافل الدولية وتحويلها من قضية سياسى مصرى معارض مضطهد إلى قضية المعارضة المصرية المقموعة والمضطهدة.
لم يحدد نور اسم النسيب أو القريب الذى يرى حسب رسالته أنه باعه بيعة تصل إلى حد الخيانة، ربما قصد فى رسالته شقيق زوجته الذى انضم إلى غد موسى مصطفى موسى فى مواجهة غد أيمن نور، الذى كانت تدافع عنه جميلة إسماعيل بجوار زوجها،
النسيب أو القريب الذى خان والمحامى الذى ادعى وكذب والقاضى والحكم الذى ظلم.. إسقاطات على شخصيات أراد أيمن نور أن يوصل إليهم رسالة تفيد أن لا تسامح عمن ظلم ولا عفو عمن خان وافترى، رسالة حاول البعض فهم مغزاها وتفسير ألغازها وأبطالها وطرح السؤال الأبدى: هل جميلة إسماعيل أحد هؤلاء الذين تحدث عنهم وقصدهم؟ وعن أى ذنب يعاتبها؟ هل بسبب قرار الانفصال وإنهاء حياة زوجية وسياسية دامت سنينا خلّفت وراءهما ولدين هما شادى ونور؟ لكن المؤكد أن هذه الرسالة كان قد كتبها نور فى ظروف سابقة وضبطها على جهازه المحمول ولم يكتبها وهو يعانى آلام الأزمة الأخيرة، بل هى وصيته التى جهّزها منذ فترة وضغط على زر إرسالها وهو فى انتظار السيارة التى تنقله إلى المستشفى.