إمتلأ الميكروباص تماما بالركاب، جلس السائق على مقعده وقال: الأجرة 75 قرشا ياجماعة.. ثار الركاب كلهم: الأجرة 50 قرشا فقط لا غير.. طلب السائق من ركاب سيارته النزول فرفضوا وأحدهم نطق: مش من حقك تنزلنا وبعدين لم يحدث شيئا يجعل الأجرة ترتفع ربع جنيه مرة واحدة – أى أنه لو وجد المبرر لربما وافق-، ولماذا لم تخبرنا قبل أن نركب؟، وقال آخر أذكر ملامحه جيداً: إحنا معملناش ثورة علشان السواقين – ضع مكان السائقين أى وظيفة تريد بما فيها رئيس الجمهورية – يتحكموا فينا ويفرضوا علينا اللى هما عايزينه.
تحرك السائق فى الإتجاه الصحيح للطريق فهدأ الركاب ظنا منهم أنه أنصاع لهم، وفجأة لف من أول دوران: مش هتنزلوا يا جماعة ده آخر كلام يعنى؟.. رد الجميع: طبعا آخر كلام مش هننزل إلا لما تودينا للمكان اللى احنا عايزينه، سار الميكروباص فى شارع السودان، وفى أول محطة فى الطريق الخطأ نزل اثنين من الركاب رأوا أن ما يحدث تهريج لا توجد منه فائدة.. ثم أن لا أحد يعرف إلى أين يذهب السائق بالركاب؟
كرر السائق الكلام:مش هتنزلوا يا جماعة؟.. ورد الركاب: احنا هنطلبلك الشرطة..أخرج راكب تليفونه وطلب الشرطة ليسأله الشرطي النابغة: هو رقم العربية كام؟.. تضايق الرجل تماماً..كاد يموت غيظا: بقولكم العربية ماشية فى الطريق بسرعة جدا وأنا جواها هعرف رقمها أزاى؟ ثم أخبرهم باسم الشارع وزاد عليه بمكان كمين الشرطة القادم الذى يمكنه إيقاف السيارة.
تحديدا أسفل كوبرى عرابى أوقف الميكروباص اثنين"بتوع كارتة" أجسادهم تشعرك أنهم بنوا الكوبرى بأنفسهم، وحكى الركاب لهم المشكلة، لكنهم لم يفعلوا شيئا.
فى تلك الأثناء العظيمة كانت إحدى السيدات من الركاب قد شتمت السائق بأمه وأبيه وزادت بأن خلعت حذائها وضربته به مرتين على قفاه، وطلب باقى الركاب منها ألا تسبه لأننا لازم نبقى محترمين مع السواقين.
نفس الراكب السابق وآخر اتصلا بالشرطة للاستغاثة بها مرتين متتاليتين، وكان اقتراحهما – أى الراكبين- إرسال سيارة شرطة توقف الميكروباص فى المحطة القادمة لتحرير محضرا بما يحدث.
وصل الميكروباص إلى محطة المحكمة ووقف فى نصف الطريق ليأتى مجموعة من البلطجية يقومون بإنزال كل الركاب رغما عنهم.. ليفجع الجميع.. لكنهم حاولوا مرة أخرى بالوقوف أمام السيارة وإيقاف الطريق إلا أن البلطجية فرقوهم ليسرع الميكروباص بلا عودة، ويعتدى البلطجية على السيدة بالضرب بعد أن شتمت السائق.. ويقول لها أحدهم (على طريقة الإسلاميين): هو إنتى لو ست محترمة تشتمى الراجل؟ انتهت الحكاية وتفرق الركاب وسار كل منهم فى طريقه.
مش حلوة طبعا ومطينة بطين وسمعناها كثيرا..لكنها فى العموم تؤكد أن لاشئ تغير فى الداخلية تحديدا ولن يتغير.. هى الجهة الوحيدة المسئولة عما حدث، لكن طالما قرارات الرئيس مرسى الأولى تأتى بهذه الطريقة التى تفرق وتقسم البلد إلى نصفين كارهين لبعضهم، فكيف سنتحدث عن تطهير الداخلية؟، في وقت لا تفاؤل فيه حتى ب"غسيل مواعين" للوزارة سيئة السمعة.
ولا تقل لى: مش كل السواقين كده؟.. لأن هذه الأمور كالأجرة والسير فى الطرق لابد أن تكون محددة يعرفها السائق والراكب، حتى لا تحدث مشاكل يعلم الله كيف ستنتهى؟
وقس على الحكاية السابقة أمورا كثيرة فى الحياة.
عموما
كنت واحدا من ركاب هذا الميكروباص واتصلت بالشرطة ثلاث مرات، وتضامنت كثيرا مع الرجل الذى تحدث عن الثورة إلا إننى خذلته فى النهاية وقت مجئ البلطجية لأننى خفت، ورأيت فى عينيه انكسارا لم أنساه حتى الآن، وأتمنى لو قابلته واعتذرت له.. لكن بماذا؟ وبأى مبرر؟