يهل علينا شهر رمضان والمسلمون الناطقون بكل اللغات ينتظرون مسلسل «الفاروق» الذى يقدم حياة سيدنا عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- ورغم تكتم جهة الإنتاج فى الإفصاح مباشرة عن حقيقة تجسيد حياة سيدنا عمر، فإن الأمر لم يعد سرًّا، وهو أن المخرج السورى حاتم علِى، أسند الدور إلى وجه جديد وتم الاتفاق معه على أن لا يقدم أى عمل فنى لمدة خمس سنوات قادمة.. وبالتأكيد طالما شاهدنا عمر بن الخطاب، فإننا سوف نرى باقى الخلفاء الراشدين والصحابة والمبشرين بالجنة، مما يتعارض مع قرار الأزهر الشريف الذى يمنع تجسيد حياتهم على الشاشة. تشير الأرقام المبدئية إلى أن هذا المسلسل سيحقق أعلى درجات فى كثافة المشاهدة عربيًّا وعالميًّا، حيث يترقب المسلسل نصف مليار مسلم فى العالم العربى وإندونيسيا وتركيا وإيران، حيث تمت ترجمة المسلسل إلى لغات هذه الدول، بالإضافة إلى الإنجليزية والفرنسية للعرض فى أوروبا وأمريكا.. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تم فيها التفكير لإنتاج مسلسل يتناول حياة واحد من الخلفاء الراشدين -عليهم أفضل السلام- حيث إن المخرج الأردنى محمد عزيزية، سبق وأن أعد مسلسلًا عن حياة سيدنا أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- وذلك بعد عرض مسلسل «خالد بن الوليد» الذى أخرجه قبل أربع سنوات، ولعب بطولته باسم ياخور، ولاقى نجاحًا ضخمًا، ولكن تعثر مشروع مسلسل سيدنا أبو بكر لأسباب اقتصادية. سارع الأزهر الشريف مثلما حدث فى العام الماضى قبل عرض مسلسل «الحسن والحسين ومعاوية» وجدد قراره بالتحريم.. يحدث هذا بينما الفضاء العربى يرسل إلينا عشرات من المسلسلات الدينية التى تلقى قبولًا لدى الجمهور، وبها العديد من هؤلاء المحرمين شرعًا، مثل مسلسل «يوسف الصديق» الذى عرض قبل نحو عامين فى أكثر من قناة فضائية عربية، بل إن بعض القنوات المصرية الخاصة لم تلتزم بقرار الأزهر الشريف الذى يحرم العرض والمشاهدة، وهو ما تكرر العام الماضى فى مسلسل «الحسن والحسين ومعاوية»، الذى عرضته أيضًا بعض القنوات الخاصة المصرية، وهو ما حدث مع مسلسل «مريم» ومسلسل «المسيح» -عليهما السلام- ولا أستبعد بالطبع تكراره هذا العام. لماذا يضع الأزهر الشريف المسلمين فى هذه الحيرة.. علماء الأزهر أو أغلبهم ولهم بالقطع كل التقدير متزمتون فى إباحة العرض، بينما هناك علماء آخرون لا يجدون حرجًا فى ذلك وسوف تتصدر أسماؤهم المسلسل، وعلى رأس القائمة الشيخ يوسف القرضاوى، وعندما نجد أنفسنا بصدد رأيين متناقضين يصبح من حق المسلم أن يستفتى قلبه ولقد استفتيت قلبى ووجدت أن المشاهدة هى الأفضل. بالتأكيد للأزهر الحق فى منع تجسيد صورة سيدنا محمد، ولكن مع الزمن حدث اتساع لدائرة التحريم، فلقد تدخلت أجهزة الدولة المصرية لمنع عرض مسرحية «الحسين شهيدًا والحسن ثائرًا» لعبد الرحمن الشرقاوى، وإخراج كرم مطاوع، وذلك قبل 40 عامًا.. ما المنطق الشرعى الذى يمنع تجسيد هؤلاء الكبار على الشاشة.. خصوصا أن الأزهر كان يمنع أيضًا ظهور سيدنا حمزة بن عبد المطلب، عم الرسول، ولهذا لم يعرض فى مصر فيلم «الرسالة» للمخرج مصطفى العقاد طوال تلك السنوات منذ إنتاجه عام 76، رغم أن كل الفضائيات العربية تعرضه وأبيحت مشاهدته فى التليفزيون المصرى قبل أربعة أعوام، فقط ليؤكد لنا أن الأمر أبسط بكثير من تلك القواعد المانعة التى من الواضح أنها لم تستند إلى تحريم قطعى. الأمر يحتاج من علمائنا الأفاضل إلى قدر من المرونة التى لا تعنى القفز على حقيقة أو تغيير مبدأ إسلامى، ولكن النظر للأمر بمختلف جوانبه، فهل الأجدى أن نغلق أعيننا عن التعاطى مع الأعمال الإسلامية التى تأتى إلينا عبر الانتشار الفضائى أم نتعامل معها بمنطق عقلى لتحدث مواءمة بين الواقع الذى نعيشه وحاجة الناس. الناس فى أنحاء المعمورة تترقب مسلسل الفاروق «عمر بن الخطاب»، ومثل هذه الأعمال الدرامية إذا قدمت بإحساس فنى عالى المستوى وبصدق تاريخى سوف تقدم الكثير للعالم عن حقيقة الإسلام الذى صار مع الأسف هدفًا للهجوم فى العديد من أجهزة الإعلام.. مثل هذه الأعمال الدرامية من الممكن أن تصبح سلاحًا فى أيدينا وقوة إيجابية تسهم فى تقديم صورة صحيحة عن الإسلام، فما جدوى التحريم؟