في نحو الساعة الرابعة من فجر الإثنين 18 يونيو، وبعد ساعات قليلة من غلق باب التصويت في الانتخابات الرئاسية، فوجئ الجميع بالدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة الإخوانى يعقد مؤتمرا صحفيا يعلن فيه فوزه بالانتخابات الرئاسية، وقف مرسي وحوله عدد من قيادات حزبه على رأسهم الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب الإخواني «المنحل» وهو منتفخ و«نافش ريشه» وكأنهم يقولون إننا امتلكنا مصر، وبعدها بساعات بدأ توافد أنصار الإخوان إلى ميدان التحرير يهللون لفوز مرشحهم. الكل فسر موقف الدكتور محمد مرسي ومن وراءه جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بأنه استمرار لسياسة الأمر الواقع التى أصبحت تنتهجها الجماعة في الحياة السياسية والبرلمانية المصرية دون أى اعتبار لقضاء أو قواعد قانونية أو هيئات رسمية مختصة.
وكان ذا مغزى أن يعلن مرسي عن فوزه المبكر وبجواره الدكتور الكتاتني، الذى كان قد أعلن هو الآخر عن رفضه قرار المحكمة الدستورية العليا يوم 14 يونيو بحل مجلس الشعب وعن دعوته اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشعب للانعقاد ودراسة حكم المحكمة الدستورية الذى قضى بحل المجلس.
والغريب أن الكتاتني في تبريره لعدم خضوعه لقرار الحل قال إنه كان لا بد من إجراء استفتاء شعبي على حل المجلس طبقا للسوابق الدستورية التى جرت فى 1987 و1990 عندما تم الاستفتاء على حل مجلسى الشعب والشورى اللذين انتُخبا عامى 1984 و1987.
الكتاتنى قال هذا وهو يعلم أن الاستفتاء كان منصوصا عليه فى دستور 1971 الذى لم يعد قائما وحل محله الإعلان الدستورى، هو أيضا الدستور الذى لا يكف الإخوان عن مهاجمته وتحذير المجلس العسكرى من إعادته فى أى صورة أخرى. والغريب أن الكتاتنى لا يقول إن مبارك احترم حكم «الدستورية» فى عامى 1987 و1990 ونفَّذ قرارات المحكمة الدستورية ليس فقط فى هذين العامين ولكن فى عام 2000 عندما قررت فرض الإشراف القضائى على الانتخابات بينما هو يريد عدم احترام قرارات المحكمة.
والحقيقة أن هناك شعورا سائدا داخل أمانة مجلس الشعب أن برلمان الإخوان عائد بأى صورة، وأن مرسى سوف يعيده رغمًا عن أنف المحكمة الدستورية، ولذلك أخذت وكل الأجهزة فى مجلس الشعب تمتنع عن اتخاذ أى موقف قد ينم عن عداء للإخوان، وأوضح مَثَل على هذا ما حدث يوم الإثنين الماضى عندما قامت إحدى القنوات الفضائية بتصوير عملية إزالة لصورة سعد الكتاتنى من قائمة صور رؤساء مجلس الشعب السابقين. وبمجرد أن أُذيعت عملية التصوير حتى سارعت أمانة مجلس الشعب بالاتصال بالقناة، وتؤكد أنه لم تتم إزالة الصورة، والغريب أن يصدر بعد ذلك بيان من «مكتب رئيس مجلس الشعب» ينفى إزالة الصورة.
واستمرارا لأسلوب فرض الأمر الواقع وسياسة «خدوهم بالصوت ليغلبوكم» تحرك نواب الإخوان من حزب الحرية والعدالة فى طريق خرق القانون وحكم المحكمة الدستورية، وأخذوا يلوّحون باجتياح المجلس أو عقد جلسة فى ميدان التحرير. وكان من قيادات حزب الحرية والعدالة التى سارعت بتحدّى القانون والأحكام القضائية النهائية محمد البلتاجى وعصام العريان وصابر أبو الفتوح وغيرهم وكلهم يتحدُّون المجلس العسكرى والمحكمة الدستورية. ومن وراء هؤلاء هناك نائبان اثنان فقط يدعمان هذه التوجهات وعلى رأسهم المستشار محمود الخضيرى وهو قاضٍ سابق من المفترض فيه أنه أول من يحترم الأحكام خصوصا إذا كانت صادرة عن المحكمة الدستورية.
الخلاصة أن الإخوان الآن يلعبون على ثلاثة محاور للتمكن من السلطة خصوصا أنهم قرروا أن مرسى هو الفائز، وتتلخص هذه المحاور فى: إعادة مجلس الشعب من خلال الضغط عن طريق التظاهر فى ميدان التحرير، فحتى كتابة هذه السطور كان أحد قيادات الإخوان فى المجلس وهو فريد إسماعيل قد ذكر أنهم ينوون بدءًا من الساعة الرابعة عصرا النزول إلى الميدان وعقد جلسة هناك وهو ما يمثل محور التحرك الشعبى- على حد قولهم. أما نائب آخر هو صابر أبو الفتوح فذكر أنهم ينوون رفع قضية أمام المحكمة الإدارية العليا للطعن على صلاحية المحكمة الدستورية العليا فى نظر دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب، وأن هناك خصومة بين المجلس من ناحية والمحكمة ورئيسها فاروق سلطان من ناحية أخرى، علاوة على خصومات سياسية بينها وبين عدد من أعضاء هيئة المحكمة مثل المستشارة تهانى الجبالى.
وعلى مسار آخر ينوى الإخوان الاستماتة فى الدفاع عن اللجنة التأسيسية للدستور والإبقاء عليها باعتبارها أحد مصادر نفوذهم وهيمنتهم وأداتهم لترسيخ الدولة الدينية فى الدستور الجديد. وبالفعل خطوا الخطوة الأولى يوم الإثنين الماضى وقام الدكتور أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى، بتغليب مصلحة الجماعة وقرر فتح المجلس لهم وعقد الجلسة فى قاعته العامة الكبرى.
أما المسار الثالث فهو التصعيد ضد المجلس العسكرى ومهاجمة الإعلان الدستورى المكمِّل الذى صدر مساء الأحد الماضى باعتبار أنه سيحوِّل مرسى فى حالة تأكد فوزه إلى مجرد بطة عرجاء.
الخلاصة نحن أمام أفعال فى الأيام القليلة الماضية تبين أن رجال جماعة الإخوان لم يتحولوا بعد إلى رجال دولة وأن تفكيرهم ما زال فى نطاق تفكير الجماعة. كما كشفوا عن أسلوبهم فى الاستيلاء على السلطة وهو فرض الأمر الواقع وممارسة إرهاب الصوت بأكبر قدر ممكن. ولا أحد يمكن أن يعرف إلى أين يمكن أن يؤدى ذلك.