بعد تعطل دام 4 ساعات.. عودة تطبيق «إنستا باي» للعمل وانتظام الخدمات    عاجل - توقعات الرد الإسرائيلي على هجوم إيران.. ومخاوف من ضرب مواقع نووية    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال ينسف مبان سكنية شمال مخيم النصيرات وسط غزة    سلوفينيا تقدم مساعدات عينية لأكثر من 40 ألف شخص في لبنان    حزب الله يعلن استهداف 23 موقعا لجيش الاحتلال    سيرا على الأقدام.. استمرار دخول الوافدين من لبنان إلى سوريا بعد القصف الإسرائيلي    «لو مكانك اختفي».. رسالة نارية من ميدو ل إمام عاشور (فيديو)    سيراميكا كليوباترا يكشف أسباب فشل انتقال هذه الصفقة إلى الزمالك    أول ظهور ل مؤمن زكريا مع زوجته بعد تصدره «الترند».. والجمهور يدعو لهما    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 31    عاجل - حقيقة تحديث « فيسبوك» الجديد.. هل يمكن فعلًا معرفة من زار بروفايلك؟    عمرو سلامة يختار أفضل 3 متسابقين في الأسبوع الخامس من برنامج «كاستنج»    مهرجان «الموسيقى العربية» يفقد بريقه!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    ميدو يكشف كواليس مثيرة بشأن رفض نجم بيراميدز الانتقال إلى الزمالك    حرب أكتوبر.. أحد أبطال القوات الجوية: هاجمنا إسرائيل ب 225 طائرة    سعر الريال السعودي اليوم في البنك الأهلي عقب ارتفاعه الأخير مقابل الجنيه المصري    خرجت عن السيطرة، وسائل إعلام أمريكية تكشف المستور بين الولايات المتحدة وإسرائيل    مصادر بالمركزي: انتظام خدمة إنستاباي بعد إصلاح عطل بسيط في السيستم    بالأدلة، وكيل القندوسي يدافع عن تصريحات اللاعب ضد الأهلي    وفاة جورج قرداحي في القصف الإسرائيلي على لبنان.. ما حقيقة الأمر؟    غارة إسرائيلية جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت    صحة المنوفية: تنظم 8365 ندوة على مستوى المحافظة لعدد 69043 مستفيد    الكشف ب 300 جنيه، القبض على طبيبة تدير عيادة جلدية داخل صيدلية في سوهاج    أعراض الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والبالغين وأسبابه    اندلاع حريق داخل مصنع بالمرج    حبس تشكيل عصابي متخصص في سرقة أسلاك الكهرباء واللوحات المعدنيه بالأأقصر    إجراء تحليل مخدرات لسائق أتوبيس تسبب في إصابة 8 أشخاص بالسلام    تناولتا مياة ملوثة.. الاشتباه في حالتي تسمم بأطفيح    جثة على رصيف 10 بمحطة مصر.. والشرطة تحدد هويته    عمرو أديب عن حفل تخرج الكليات الحربية: القوات المسلحة المصرية قوة لا يستهان بها    الحوار الوطني| يقتحم الملف الشائك بحيادية.. و«النقدي» ينهي أوجاع منظومة «الدعم»    لمدة 12 ساعة.. قطع المياه عن عدد من المناطق بالقاهرة اليوم    تفاصيل مرض أحمد زكي خلال تجسيده للأدوار.. عانى منه طوال حياته    عمرو أديب عن مشاهد نزوح اللبنانيين: الأزمة في لبنان لن تنتهي سريعا    عمرو أديب: مشروع رأس الحكمة يوفر 750 الف فرصة عمل    دعاء قبل صلاة الفجر لقضاء الحوائج.. ردده الآن    وكيله الحالي: تصريحات قندوسي صحيحة وأسانده.. واستدعاء الأهلي اليوم جلسة وليس تحقيقًا    الكويت.. السلطات تعتقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    الجيش الأمريكي: نفذنا 15 غارة جوية على أهداف مرتبطة بجماعة الحوثي اليمنية    المصرية للاتصالات: جاهزون لإطلاق خدمات شرائح المحمول eSim    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    هيغضب ويغير الموضوع.. 5 علامات تدل أن زوجك يكذب عليكي (تعرفي عليها)    معتز البطاوي: الأهلي لم يحول قندوسي للتحقيق.. ولا نمانع في حضوره جلسة الاستماع    عبداللطيف: طه إسماعيل قام بالصلح بيني وبين محمد يوسف بعد إصابتي في سوبر 94    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولة مؤسسة "light for Orphans"    لمدة 5 أيام.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها (تفاصيل)    عز يرتفع من جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 5 أكتوبر 2024    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    تفاصيل الحلقة الأولى من "أسوياء" مع مصطفى حسني على ON    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    تناولت مادة غير معلومة.. طلب التحريات حول إصابة سيدة باشتباه تسمم بالصف    عظة الأنبا مكاريوس حول «أخطر وأعظم 5 عبارات في مسيرتنا»    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمدان أبو زيد يكتب: شفيق وحكاية 5.4 مليون صوت
نشر في الدستور الأصلي يوم 01 - 06 - 2012

كيف حصد أحمد شفيق 5.4 مليون صوت فى انتخابات كان المفروض أنه لا يقربها ولا يمسها ولا يدخلها، وعملية مفترض أنها ديموقراطية يتحتم عليه فيها (بالتحتيم الأخلاقى قبل التحتيم الثورى) أن لا يشارك فيها؟

أما وقد حصد شفيق الآن هذا الرقم المهول وحقق المفاجأة الكبرى التى لم يتوقعها إلا أكثر المتشائمين، حتى إن البعض ممن رفضوا حازم أبو إسماعيل وفرحوا برحيله تمنوا أن لو كان موجودا حتى كان قد حسمها لصالحه من الجولة الأولى، أما وقد حدث هذا فإننا من العبث أن نحاول التقليل من هذا النجاح الساحق الذى حققه الفريق شفيق، أو تصويره على أنه أمر بسيط، أو أنه حصل على هذه الأصوات من خلال التزوير وشراء الأصوات، فهو لو حاول الحصول على 20% (على الأكثر حسبما أعتقد) من هذا الرقم بالتزوير وشراء الذمم والأصوات، وعلى افتراض أنه اشترى الصوت الواحد ب100 جنيه، فإن الحصول على مليون صوت (وهى نسبة 20% تقريبا من مجموع أصواته) يحتاج إلى تكلفة مادية تصل إلى 100 مليون جنيه، وهو رقم كبير حقا، فضلا عن أنه من غير المعقول أن يدفع هذا المبلغ ليشترى به الأصوات، وذلك يوم الانتخابات فقط، بعيدا عن الحجم الضخم للدعاية الانتخابية التى ملأت الشوارع والميادين والحارات والأزقة... وغطت ملابس وشنط آلاف المؤيدين، هذه الدعاية الانتخابية أعتقد أنها وحدها تخطت حاجز الدعاية الانتخاية بخمسة أضعاف المسموح به على الأقل، وهذا غير ما تم صرفه فى يومى الانتخابات من أموال، ولكن حجم الدعاية الانتخابية والأموال التى صرفها شفيق لا يشغلنى الآن، فالرجل كان وزيرا فى نظام مبارك لتسع سنوات تقريبا وهذا النظام كان يغدق بسخاء منقطع النظير على وزرائه وعماله ورجاله، فضلا عن الدعم المادى اللا محدود الذى تلقاه من أعضاء الحزب الوطنى (المنحل)، ورجال أعماله ممن يهمهم نجاح شفيق لأن مصالحهم معه.

ما يهمنى ليس هذا الآن إطلاقا، لأن أغلب المرشحين (أعتقد) تخطوا حاجز الدعاية الانتخابية المسموح به.

المهم أننى أسعى للبحث عن الأسباب التى أدت إلى حصاد أحمد شفيق أكثر من 5.4 مليون صوت من أصوات الشعب المصرى، ذلك الشعب الذى خرج ثواره ذات يوم (أواخر فبراير 2011) مطالبين بأن يرحل شفيق عن كرسى رئاسة الوزراء لأنه فشل، ولأنه من أعوان مبارك وهو تلميذه النجيب واليد اليمنى له، كيف بعد هذا الهجوم يحصل على هذا التأييد الآن؟ أعتقد أن هذا ليس له سبب واحد وإنما مجموعة من الأسباب لعل أهمها:

1- أعضاء الحزب الوطنى المنحل، ذلك أن هذا الحزب كان يضم نحو 3 ملايين عضو (2.7 مليون عضو حسب إحصائية 2008) ينتمون إليه ويعملون من أجل مصالحه وتمكينه فى البلد، فضلا طبعا عن المنتمين إليه من غير أعضائه وهم أيضا كثر، لأنهم ينتمون بالقبلية العائلية وبالمصالح المشتركة والأهداف المتلاقية.... وهؤلاء لا يمكن إحصاؤهم لكنهم كثيرون، أغلب هؤلاء الأعضاء -إن لم يكن جميعهم- يكرهون الثورة التى زلزلت عروشهم، والثوار الذين أربكوا حساباتهم ودمروا مستقبلهم، فمنهم من كان يحلم أن يكون عضوا فى لجنة سياسات "من أجلك أنت"، ومنهم من كان يحلم أن يكون وزيرا أو رئيسا للوزراء..... هؤلاء الملايين الكثيرة (نفترض أنهم 3 ملايين فقط هم المستفيدون من الحزب الوطنى مع أنهم أضعاف ذلك) رأوا فى شفيق عودة إلى تحقيق حلمهم، والنهوض بمستقبلهم مرة أخرى (وإن كان بشكل مختلف فى رأيهم) لأن عودة شفيق مرة أخرى تعنى نهاية الثورة وقتلها، وتعود ريما إلى عادتها القديمة!

وأعتقد أن هؤلاء (الملايين الثلاثة تقريبا) لم يكن فيهم من يؤيد أيا من المرشحين الاثنا عشر الباقين (بما فى ذلك عمرو موسى المحسوب على فلول وأذناب النظام)، كما أنهم جميعا من مصلحتهم أن يحرصوا على حضورالعملية الانتخابية (بل كان منهم قضاة ومندوبون عن بعض المرشحين ومراقبون)، ذلك الحرص كان إما نصرة لشفيق ومحاولة لإنجاحه إن أمكن بكل السبل وشتى الوسائل (وهو ما حدث)، وإما إفساد العملية الانتخابية برمتها، والعودة من جديد إلى التخوين والتشكيك وفقد الثقة فى كل من حولك.

2- اختار أحمد شفيق شعارا لحملته "الأفعال لا الأقول" الذى صدقه الناس، فالرجل ركز وبشدة على نجاحه (المزعوم) الذى حققه فى شركة "مصر للطيران" (النجاح الحادث لم يتخط مبانى المطار)، كما وجدوا فيه الخبرة السياسية الصادقة، بخلاف شعارات المرشحين الآخرين التى لم يصدقونها، بداية من "مشروع النهضة" لمحمد مرسى المرشح عن الإخوان الذين لم يعد الشعب يصدقهم ولا يثق بهم، كما أنهم لم ينجحوا فى مجلس الشعب ولم يحققوا أى نهضة فيه، ولا الذى كان متوقعا أن يحدثوه، كذلك عمرو موسى الذى اختار شعار "قد التحدى" وطبعا الناس لم تصدق أن ابن السادسة والسبعين قادر على التحدى فعلا، إلا أن حمدين صباحى اختار شعار حملته بعناية، فشعار "واحد مننا" كسب أصواتا كثيرة كانت تريد رئيسا منهم حقا، أما عبد المنعم أبو الفتوح صاحب "مصر الجديدة" فهو الآخر محسوب على الإخوان (وإن كان خرج منها، إلا أن قطاعا عريضا يؤمن أنه إخوانى بأفكاره وآرائه ومشروعاته)، وهم جربوا الإخوان ومانفعوش، كما أن "مصر الجديدة" لا يفرق عن "النهضة إرادة شعب".

3- قطاع عريض جدا من الشعب الذى تعاطف مع الثوار الذين نزلوا يوم 25 يناير من منازلهم متحدين بذلك أعتى جهاز للشرطة وأقوى آلة للأمن خلال الثلاثين عاما الأخيرة، حاملين أرواحهم على أيديهم فداءً لهذا الوطن. هذا القطاع من الشعب تعاطف مع هؤلاء الثوار وساندهم فى ثورتهم ورفع معهم نفس المطالب، وإن كان جميعهم لم ينزلوا فى الشوارع فإنهم كانوا يأسفون لمشاهد القتلى ورائحة الغاز وأصوات البنادق وصور المصابين وهم يحملون على أيدى زملائهم، كانوا يعلمون أن الانفلات الأمنى الذى بدأ ليلة 28 يناير كان مقصودا بهدف إخلاء الميدان وإثناء الشباب الثورى عن مطالبه، لذلك تعاطف معهم الناس، أما الآن وبعدما جرى من تعطيل لعجلة الإنتاج والبسكلتة، فضلا عن حالة الفوضى التى نعيشها من مظاهرات واعتصامات فئوية، بعضها يستحق، لكن أغلبها ليس هذا وقته، هذا وغيره دفع ذلك القطاع من الشعب إلى الكفر بالثورة وبأهدافها وبالثوار وبحقوقهم، وصاروا ناقمين ساخطين عليهم، حتى وصل الأمر بالبعض إلى تكرار "آدى اللى أخدناه من الثورة"، و"ولا يوم من أيام مبارك"، و"ما كنا عايشين واكلين شاربين نايمين..."، فالانفلات الأمنى لا يزال مستمرا (وإن خفّت حدته) والاقتصاد من سيئ إلى أسوأ، والبورصة من هبوط إلى انخفاض، والسياحة تعيش انت يا حاج.
هذا الشعب الناقم على الثورة، والثوار لم يجد أمامه فصيلا آخر يعاقب به هذه الثورة وهؤلاء الثوار سوى فصيل أحمد شفيق بفلوله وفلوليته، لينقذه من الكوارث التى تحدق به، فالرجل تعهد بعلاج الانفلات الأمنى فى 24 ساعة، وتعهد بنهضة الاقتصاد وعودة الاستثمارات الخارجية وإفاقة السياحة وتنشيطها، وإن شاء الله الأشية هتبقى معدن، يبقى ليه مايديلوش صوتهم؟ وأهو من ناحية كمان يبقى عقاب للثورة والثوار واللى خلفوهم لأنهم وقفوا حال البلد وعطلوا عجلة الإنتاج!

4- على الجانب نفسه، كان أمام هذا الشعب فصيل آخر-غير الفلول وأعضاء الحزب الوطنى المنحل- وهم فصيل التيار الدينى الإسلامى (الإخوان المسلمون والسلفيون). وثق هذا الشعب ثقة كاملة بهم وأعطاهم أكثر من 70% من مقاعد مجلس الشعب، وتقريبا مقاعد مجلس الشورى كلها إلا ما يعد على الأصابع، فى البداية أحس الشعب أن الناس دى بتاعة ربنا وعارفاه كويس وكفاية إنهم حافظين القرآن الكريم وبيصلوا الوقت بوقته، يبقى مش هيظلمونا، لكنه فوجئ واستيقظ مفزوعا على خديعة كبيرة اسمها سقوط المبادئ أمام المصالح، فالتيار الإسلامى الذى وثق به الشعب "طرمخ" على ما حدث فى محمد محمود وأمام وزارة الداخلية ومجلس الوزراء، كما أن أداءه كان هزليا بصورة أثارت اشمئزاز الكثيرين، الكل منهم بحث عن الظهور فقط، بدءا بالأذان فى قاعة مناقشة الجلسات، وضرورة عدم تدريس اللغة الإنجليزية، إلى "الخرطوش أهو"، و"الفجل"، وغلق المواقع الإباحية.... إلخ.

لقد انتظر منهم الشعب لكنهم ماكانوش فاضيين، وختمها الإخوان المسلمون بترشيحهم خيرت الشاطر (الأساسى) ومحمد مرسى (الاستبن) بعدما تعهدوا مرارا وتكرارا (كان آخر تعهداتهم على لسان محمد مرسى نفسه قبل يومين من إعلان الشاطر مرشحا) بأنهم لن يرشحوا رئيسا منهم، كما أنهم لن يدعمو أيا من مرشحى التيار الدينى أيا كان (وقتها كان أبو الفتوح وأبو إسماعيل - قبل استبعاده - مرشحى التيار الإسلامى)، ولكنهم نكثوا فى عهودهم ففقد الشعب الثقة فيهم.

ولذلك كان تصويتهم لشفيق وعمرو موسى وللتيار الثورى عقابا لتلك الجماعة (الإخوان المسلمين) التى لم ترع عهودها خصوصا، وللتيار الدينى عموما، لأنهم خدعوا الشعب.

5- كثيرون من الشعب مقتنعون تماما أنه ليس كل من عمل مع مبارك كان فاسدا (وإن كانوا أيضا متأكدين أن الفساد كان مستشريا للرُكب)، لذلك هم مقتنعون أن هناك من لم يلوثه الفساد أو على الأقل بدا كذلك، طالما لم تطله الاتهامات ولا تحقيقات النائب العام ولا النيابة العامة، من أمثال عمر سليمان وأحمد شفيق، وكثيرين غيرهم خدموا النظام السابق ولم يسائلهم أحد عن جريمة أو جريرة حتى الآن.

هذا الاقتناع دفع الناس إلى التأكد أن أحمد شفيق الذى جعل من "مصر للطيران" منارة وصارت الشركة المصرية الأولى فى الطيران (لأنها الوحيدة ومافيش غيرها) فى مصر، بل وفى إفريقيا (يعنى تسبق السودان والصومال... والدول ال أى كلام فى أى حاجة دى).

هؤلاء تصوروا أن شفيق قادر على النهضة بمصر كما نهض ب"مصر للطيران"، ده حتى كمان مصر كلمة واحدة مش كلمتين!

6- الحملة الدعائية الإعلامية (أعتقد أنه غير المقصود أن تؤتى تلك الثمار) المضادة التى صوبت فوهات مدافعها الرشاشة صوب أحمد شفيق (لكنها كانت مدافع فاسدة من بقايا التى كانت فى حرب 48)، فقتلت خصومه، ورفعت من أسهمه هو.
بدأت هذه الحملة بجلوس شفيق أمام علاء الأسوانى واستمرت مع وصف شفيق برئيس وزراء المخلوع (وهذا سانده لدى مؤيديه، فهم لم يتول الوزارة لأكثر من شهر، فشعر الناس أنه لم ينل فرصته مثل عصام شرف والجنزورى)، ثم البلوفر (وأخذوا من هذا بساطته وعدم تعاليه فى الملبس)، والبومبونى (ووجدوا فى هذا طيبة وقلبا رقيقا) وكان فى كل مناسبة يتم وصفه فيها بهذه الأوصاف، لا يغضب ولا ينكر، فتأصل لدى الناس أنه طيب غلبان خالص.

وانتهى الأمر بأسلوب الضرب بالجزم الذى رفع من رصيده وزاد من شعبيته، فقد تم ضربه مرتين، ولو ضرب أربع مرات لتخطى محمد مرسى فى عدد الأصوات.

7- بصدور قانون العزل بين عشية وضحاها، زادت نقمة الشعب على الإخوان المسلمين (التيار الإسلامى عموما) وكرهه لهم. وأدرك الناس أنهم (الإخوان) يفعلون ما يريدون وقتما يشاؤون، فقانون العزل كان مطلبا ثوريا منذ رحيل مبارك فى 11 فبراير 2011، فلماذا يتأخر لأكثر من عام؟ ومجلس الشعب عقد أولى جلساته فى 23 يناير 2012 لماذا يتأخر حتى أول مايو (أكثر من ثلاثة أشهر تقريبا) حتى يصدر؟ وكيف يصدر القانون بين عشية وضحاها وغيره من القوانين المهمة (مثل الحد الأدنى والأقصى) تستغرق أسابيع؟!
وزاد من ارتباك الأمر والشك حوله أن القانون صدر لعزل اثنين فقط (عمر سليمان وأحمد شفيق) ولم يتطرق إلى قيادات خدمت مبارك، بل إنها تحميه حتى بعد خلعه، وهنا تأكد الناس أن أحمد شفيق يخشى منه الإخوان المسلمون ويخافون على مستقبلهم السياسى الذى لم يُكمل عامه الثانى بعد، فعمل الشعب بمبدأ "اللهم اهلك الظالمين بالظالمين"، فكان التصويت لشفيق "علقة" جامدة من الشعب للإخوان.
لا ويقول لك الشعب غير مهيأ ديموقراطيا.. الشعب ده فاهم وواعى لكل حاجة بيعملها وكل خطوة بيخطيها، إحنا بس اللى مش فاهمين، مع احترامى لجميع المخالفين..
8- المناظرة السياسية التى جرت بين المرشحَين عمرو موسى "بمشروعه المدنى" وعبد المنعم أبو الفتوح "بمشروعه الدينى"؛ هذه المناظرة كانت الأولى فى تاريخ الشعب المصرى، لأول مرة الشعب يشاهد مرشحَين يختصمان أمامه (على الهواء مباشرة مثل مباريات كرة القدم).

دخل المتناظران وكل منهما يسعى للقضاء على الآخر وتحطيمه تماما، مستخدما كل الوسائل (من الردح وفرش الملاية وغيرهما)، إلا أنهما تحطما سويا. تصور كل منهما أنه المنافس الأول وأن سقوط الآخر يعنى اقتراب كرسى الرئاسة منه، فكسّرا عظامهما وصار كل منهما (لا مؤاخذة كده) لا يساوى شيئا لدى الناخبين. هذا دفع الشعب إلى التصويت لصالح أحمد شفيق لأنه اعتقد أن شفيق أقدر من موسى على قيادة المرحلة الحرجة التى تمر بها البلاد، فضلا عن عدم ثقة الشعب فى أبو الفتوح لحسابه على التيار الدينى الذى خدعهم فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى ومن بعدهما مهزلة اللجنة التأسيسية وانتخب أعضاءها، نصفهم من مجلس الإخوان والنصف الآخر من أعضاء الإخوان من خارج المجلس، فأصبح ليس أمام هذا القطاع من الشعب رفاهية أن يمنحهم وقتا إضافيا لتصحيح المسار وإصلاح ما أفسدوه.

9- الثورة التى انفجرت فى 25 يناير وأطاحت برأس النظام (مبارك) فى 11 فبراير، كانت ثورة شباب جميل نقى يسعى لبناء مستقبله الذى شوهه ذلك النظام. لم يهتم هذا الشباب بما سيدمرونه من ماضٍ سحيق شارك فيه الملايين من الشعب.

هذه الثورة التى أشعل شرارتها شاب (وائل غنيم بإنشائه صفحة "كلنا خالد سعيد") على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، والتف حوله مجموعة من الشباب المملوئين بالنشاط والثورة، لم يكن لهم قائد ولا زعيم ولا محرك (وللأسف لم يسعوا لأن يكون لهم قائد)، وكانوا جميعا فرحين بأن الثورة بلا قائد وأنها ثورة شعب بأكمله.

هذا الشعب المتأكد تماما أن الثورة بلا قائد، والذى أدرك أن الثورة خطفها سياسيو ومعاضو النظام السابق (أغلبهم من الإخوان) أدرك أيضا أن التيار الثورى الذى لم يحافظ على ثورته ولم ينل من مكاسبها شيئا ليس كفؤا وليس قادرا على تحمل مسؤولية رئاسة الجمهورية، وبهذا خرج التيار الثورى من اللعبة الانتخابية صفر اليدين اللهم إلا حمدين صباحى (لأنه كان معروفا بنضاله الثورى قبل سقوط مبارك، ولمساندة الإعلام له، بحكم أنه من رجاله) وأبو الفتوح (الذى تعاطف معه كثير من شباب التيار الإسلامى والمؤيدين له من الدعوة السلفية والمنشقين من الإخوان، خصوصا بعدما رشحوا محمد مرسى).

لم يجد هذا القطاع من الشعب أمامه سوى محمد مرسى (الذى لا يثق به ولا بمشروعه ولا حزبه ولا جماعته) أو عمرو موسى (الذى سقط أمام أبو الفتوح)، أو أحمد شفيق الذى حصد الأصوات.

10- ظهور عقد بيع أكثر من 40 ألف متر تطل على البحيرات المرة لعلاء وجمال مبارك بتخصيص مباشر من شفيق بسعر لا يتجاوز ال 75 قرشا للمتر الواحد، وقبلها الأوراق التى تشير إلى تورط شفيق فى قضايا فساد، وكلها ظهرت على صفحات الجرائد ومواقع الانترنت فقط، لكن لم يصل أى منها إلى النائب العام للتحقيق فيها، كما أن شفيق خرج ورد على هذه الاتهامات وأسبابها، مما أقنع الناس أن شفيق لم يكن سيئا أو فاسدا وإن كان قد شارك فى الفساد لكنه كان مجبرا عليه، مما صب فى مصلحته واعتبرها الناس دعاية مضادة وأكاذيب تهدف للنيل منه.
11- خوف الشعب من إعادة إنتاج النظام القديم برموز وأشخاص جديدة، وذلك تأكد بعدما أراد الإخوان السيطرة على لجنة صياغة الدستور، ثم ترشيح خيرت الشاطر، ولما خرج الكلام عن احتمالية استبعاد الشاطر بسبب القضية التى تم الإفراج عنه فيها، تم الدفع بمحمد مرسى (الاستبن).
عندها تأكد الناس أن الإخوان يسعون للتكويش والسيطرة على كل شىء، بدءا بالنقابات والمجالس المحلية، مرورا بمجلس الشعب (الذى أعلنوا فى البداية أنهم سينافسون على 40% فقط من مقاعده، ووصلت النسبة وقت الانتخابات إلى أكثر من 90%) ومجلس الشورى (الذى تملّكوه)، ومطالبتهم بتشكيل الحكومة من الأغلبية البرلمانية، واستئصارهم بلجنة صياغة الدستور، وفى النهاية كان منصب رئيس الجمهورية.

هذا الخوف من إعادة إنتاج النظام القديم دفع الشعب إلى اجتناب الإخوان، فسارع إلى استعادة النظام القديم نفسه، حتى يوقف توغل الإخوان، وتمثل النظام القديم فى عمر سليمان (الذى تم استبعاده) وشفيق (الذى حصد الأصوات من هنا وهناك).

12- إحساس الشعب أن شفيق رجل يعترف بالجميل وليس منافقا ولا متلونا مثل كثيرين (من التيار الدينى وغيره)، فالرجل عندما سئل عن مبارك أثنى عليه واعترف بفضله ورفض الحكم عليه احتراما لمكانته لديه، بل إنه طالب بحسن معاملته.

الشعب احترم فى شفيق صدقه وصراحته وعدم خوفه من الثوار الذين صار إرضاؤهم ضرورة يطلبها وينفذها الجميع، فاحترموا فيه ثباته على موقفه وأعلوا من شأنه لاعترافه بالفضل والجميل



أعتقد أن هذا الشعب واعٍ جدا ويدرك تماما ما يفعله، وأن على التيار الثورى أن يقترب منه وأن لا يستعديه بالتسفيه من اختيارهم حتى لا يعتبرهم مفسدين لا مصلحين، فالثورة لولا تعاطف الناس مع من كانوا بالميادين لما نجحت ولما أزاحت حسنى مبارك.

الفرصة ما زالت موجودة فى صلاحيات الرئيس القادم (أيا كان مرسى أو شفيق) الواجب على الجيش أن يثبت حسن نيته وتقديمها فى الإعلان المكمل الذى تكلموا عنه، وعلى الثوار المطالبة بذلك الآن، وليس غدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.