فى فلسطين مثل شهير يقول «ارضى بمنحوسك ليجيلك اللى أنحس منه».. تلوك الألسنة بهذا المثل عند مقارنة «بومازن» ب«أبو عمار».. بومازن أنحس منه بالتأكيد! هل هذا ما نجد أنفسنا عليه بعد ثورة يناير ونقول يا ريتنا أبقينا على منحوسنا.. أنت تقارن بين عمرو موسى وأحمد شفيق.. الأول فِل والثانى أفل منه، فتختار الفِل أو تجد نفسك بين أبو الفتوح ومرسى، توجه إسلامى يفرض الرؤية الدينية على كل مقومات الحياة المرجعية الدينية فى كل شىء المأكل والمشرب والملبس، يخضع لما يريده رجل الدين.. هناك فارق بين مصر دولة إسلامية وبين تطبيق الحدود الإسلامية مثل إيران.. لا تجد خلافا بين مرسى وأبو الفتوح سوى فى الدرجة، ولهذا تتوجه إلى أبو الفتوح.
لست متفائلا بالانتخابات القادمة التى ستضعنا فى فصلها الثانى والنهائى بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح.. لم يكن هذا أبدا حال الثورة ولا طموحها ورغم ذلك لسنا فى مقارنة بين زمن مبارك وما جاء بعده أو ما سوف يسفر عنه.
الرئيس القادم على أسوأ الفروض لو وصل عمرو موسى إلى الكرسى لن يستطيع أن يصبح مثلا هو حسنى مبارك، مستحيل أن تنجب الثورة مبارك آخر ولن تسمح بعائلة تغتصب مصر ولا حاشية تتفق فى ما بينها على توزيع الغنيمة، انتهى هذا الزمن. ولكن الثورة لم تلد بعد كوادرها القادرة على حكم البلاد، ولهذا من الممكن فى لحظة فراغ مثل التى نعيشها الآن أن يتصدر المشهد عمرو موسى، ولكنها لا تعبر عن إرادة حقيقة، والدليل أن أحمد شفيق يشكل له تهديدا، فهو يخطف منه نسبة ما من مؤيديه، وهذا ربما يفسر لك سر العنف المتبادل الذى رأيناه بين شفيق وعمرو قبل بضعة أسابيع، وكل منهما ينظر للآخر ولسان حاله يقول له -دفنينه سوا- كل منهما شاهد الآخر وكيف كان خاضعا لمبارك، فلا يجرؤ أى منهما الآن أن يفتح عينه فى الآخر.. تنبه الصديقان اللدودان أنه ليس من مصلحة أحد أن ينقل المعركة إلى معسكر الآخر، كان ما بينهما أشبه بنيران صديقة انطلقت فى لحظة مجنونة.. المؤكد أن كواليس الانتخابات التى سيتم الكشف عنها قريبا ستفضح تلك المحاولات التى بُذلت لكى يتنازل أى منهما للآخر.. لم تفلح تلك المقايضة، كل منهما لديه إحساس بأنه الأقوى والأوفر حظا فى الوصول إلى الكرسى.
شفيق فى لحظات يتصور أنه الحصان الأسود أو هكذا يصفه مؤيدوه، وهو بالفعل يحقق قدرا من التقدم يسحب من نصيب عمرو موسى، فهو يبدو الأكثر جنوحا فى الاتجاه المباركى مثلما ترى أن مرسى فى توجهه الإسلامى أكثر جنوحا ومباشرة، ولهذا من يريدها إسلامية صريحة سوف يتوجه إلى محمد مرسى، ومن يريدها مباركية صريحة يذهب إلى شفيق.. ولكن حتى شفيق المباركى لا يمكن أن يعيد زمن مبارك، والنبرة التى يدافع بها عنه لن تعلو أكثر حتى لو اعتلى الكرسى، وهذا بالمناسبة بعيد عن المنال، ولكن المؤكد أنه سوف يحظى بنسبة ما تضعه فى المركز الثالث أو الرابع.
لا أحد من الممكن أن يعيد مصر إلى زمن مبارك حتى لو عاد مبارك، فما حدث فى مصر هو تغيير فى البنية التحتية للمواطن لن يستطيع أى طلاء خارجى أن يمحوه أو يلغيه، ولكنه فقط من الممكن أن يؤخر اكتماله.
الانتخابات القادمة لن تصبح صورة مكررة لما حدث فى انتخابات مجلس الشعب فتسفر عن تيار إسلامى يكذب عدد من أعضائه ولا يملكون أن يتجملوا، لأنها كذبات صريحة، ولهذا فلا يمكن أن يقتنص مرسى مقعد الرئيس، ولكن أبو الفتوح الأكثر اعتدالا فى نظرته إلى الدين وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية، يحظى بفرصة أكبر ولا يمكن أن تأتى الانتخابات فى نهاية المطاف بشفيق، ولكن من الممكن فى لحظة أن يتم التوافق على عمرو موسى.
الثورة انطلقت وهى تنبئ بمصر قادمة، إلا أنها لا تزال تبحث عن قائدها.. البرادعى كان يحمل قبل الثورة مقومات القائد، إلا أن عوامل عديدة خارجة عن إرادته وبعضها بإرادته أدت إلى تلاشى تلك الصورة، ورغم ذلك فلقد تخلصت مصر من المنحوس ولن تسمح -مهما أسفر صندوق الانتخابات- بأنحس منه.