لم تعد مراقبة مؤشرات الاستحواذ فى مصر، أمرا يقبل المساومة، ولم لا وهي ترتبط بعلاقة طردية مع الممارسات الاحتكارية، صفقة بيع أسهم شركة «أوراسكوم تليكوم» في «موبينيل»، لشركة «فرانس تليكوم»، التى حازت على موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية، مؤخرا، ألقت الضوء مرة أخرى على صفقات الاندماج والاستحواذ، وما قد يرتبط بها من آثار سلبية على الاقتصاد الوطني. الأرقام الصادرة عن البورصة المصرية، في تقريرها السنوي لعام 2011، قطعت بوضوح بأن العام الماضى، شهد ثمانى صفقات استحواذ بقيمة 4.2 مليار جنيه، جاء في مقدمتها، صفقة بيع 98% من شركة «أوليبيمك جروب للاستثمارات المالية»، إلى شركة «ألكتولوكس»، بقيمة 2.4 مليار جنيه، إضافة إلى صفقة بيع 20% من «المصرية لخدمات التليفون المحمول» ل«أوراسكوم للإعلام والتكنولوجيا القابضة» بقيمة 866 مليون جنيه، إلى جانب بيع 99% من شركة «نماء للتنمية والاستثمار العقاري» بقيمة 661 مليون جنيه، إلى شركة «رواسى للاستثمار العقاري».
في الاتجاه ذاته، كشفت مؤسسة «كابيتال لينك جلوب»، المتخصصة فى مجال الاستحواذ والاندماج، عن أن مصر احتلت المركز الأول بين الدول العربية، من حيث عدد صفقات الاندماج والاستحواذ، خلال الربع الأول من العام الجاري 2012 برصيد 13 صفقة مستهدفة، إضافة إلى 10 عمليات شراء، مما ينذر بارتفاع الأداء الاحتكارى داخل الاقتصاد المصرى، إذا استمر مؤشر الاستحواذات، بنفس تلك الوتيرة المتصاعدة، وغير المراقب قانونا، على خلفية التأخر غير المبرر في تعديل قانون المنافسة، ومنع الممارسات الاحتكارية، ناهيك بالتهديدات المباشرة لأن يستحوذ الاحتكار الأجنبي على القطاعات الاستراتيجية، مثل الغذاء والأدوية، والأسمدة، والطاقة.
رئيس الشعبة العامة للأوراق المالية بالاتحاد العام للغرف التجارية، عوني عبد العزيز، جزم ل«الدستور الأصلي»، بأن الخطر الاحتكاري، يطل من الصفقات المتعلقة بالقطاعات الاستراتيجية، لا التجارية، مثلما حدث مع أسهم شركة «موبينيل»، لافتا إلى أن شركات مثل «مدينة نصر للإسكان»، التى تمتلك مخزونا هائلا من الأراضى وأكثر من 50% من أسهمها مطروح فى البورصة، تعد نافذة واسعة للاختراق الاحتكارى، وقال «القانون يلزم بعدم شراء جهة واحدة لأكثر من 10% من الأسهم، لكن من الوارد أن تتحد 5 أو 6 جهات لتشترى النسبة الحاكمة، وتحتكر المنتج»، قبل أن يلفت إلى أن الأمر نفسه قد يتكرر مع شركات مثل «مصر الجديدة للإسكان»، و«العربية للتفريغ والشحن»، وشركات المطاحن، وجميعها مطروحة في البورصة.
من جانبه، رجع نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، محسن عادل، أسباب ارتفاع معدلات الاستحواذات فى السوق المصرية، إلى تراجع البورصة المصرية خلال العام الماضى، مما خلق، في رأيه، فرصا للاستحواذ على عديد من الشركات المهمة والاستراتيجية بأسعار رخيصة، نتيجة التأثيرات السياسية والأمنية، وقال «رغم الضوابط المشددة فى القانون، فى مثل تلك الحالات، فإن تلك العمليات عادة ما تتم فى إطار قانونى يتيح تنفيذها، خصوصا فى ظل تفتت هياكل ملكية عديد من الشركات، والمخاوف المتصاعدة لدى المستثمرين الأفراد، من طول فترة الاحتفاظ، نتيجة عدم استقرار الأوضاع في البلاد».
عادل يرى أن الفترة الأخيرة أظهرت أن ميول المستثمرين، تتجه نحو اقتناص الفرص، والصفقات الرخيصة، وفقا لقاعدة مفادها أنه «في حال وجود عدد محدود من المستثمرين فى السوق، وكثير من الأصول المعروضة للبيع، ينفذ المستثمرون أقوى الصفقات الاستثمارية الرخيصة»، بينما تسرى تلك القاعدة تحديدا فى قطاعات مثل الإسكان، الذى يمتاز بارتفاع مخزون الأراضى لدى شركاته، فى وقت تشهد فيه مصر بعد الثورة، سياسات متشددة لبيع الأراضى، وفى وقت، توجد فيه فجوة سكنية كبيرة محليا، يتوقع استمرارها، ما دامت الزيادة السكانية، فى تصاعد مطّرد، إلى جانب بعض القطاعات الصناعية مثل الحديد، التى تمتاز بنمو الطلب على منتجاتها محليا وعالميا، مع ارتفاع فى طاقتها الإنتاجية بصورة واضحة.